ثوابت ايمانيه
رمضان ولَّى فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا هذه وأعد علينا رمضان أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة.. لكن من كان يعبد الله في رمضان فقط فإن رمضان يمضي، ومن كان يعبد الله وحده فإن الله حي لا يموت..
وإذا كنت قد أحببت رمضان، فاعلم أن حسن العهد من الإيمان..
ومن حُسن عهدك برمضـــان، ألا تنقض ما بنيته من الصالحات فيه.. فبنا نستعد لعامنا الإيماني الجديد الذي يبدأ من شوال، لكي نستقيم على طاعة الرحمن طوال العام ولا نكون فقط من عُبـــَّاد رمضـــان..
واحتسب في عبادتك، أجر الهجرة مع النبي.. لأن الفتن تكثُّر بعد إنقضــاء رمضــــان، عن معقل بن يسار رضي الله عنه: أن رسول الله قال " عبادة في الهرج كهجرة إلي " [رواه مسلم]
ومن الثـــوابــــت التي سنثبُت عليها بعد رمضــان إن شــــاء الله تعالى..
1) إصلاح الفرائـــض.. بشدة المحافظة على الصلوات الخمس في أول وقتها، ولاسيما صلاة الفجر.. يقول الله تعالى في الحديث القدسي ".. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه " [رواه البخاري]
والمحافظة على ركعتين قبل الفجر والدعـــاء وقت السحر.. ثمَّ الجلوس من بعد الفجر إلى الشروق وقول أذكـــار الصبـــاح، فتكون قد أصلَّحت نهارك وحصلَّت رصيد إيماني عال مع بداية يومك.
2) إصلاح الحـــال مع القرآن.. قال تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82].. فالقرآن يُطهِّر قلبك من أثر الذنوب التي تقف حائلاً بينك وبين ربك جلَّ وعلا، وبه تتنزل الرحمة التي لن تتمكن من العمل إلا بها..
لذا عليك أن تهتم بإصلاح الجوانب الخمسة التي يحدث بها هجر للقرآن، وهي:
أ) إصلاح التلاوة.. فلا يقل وردك بحال من الأحوال عن جزء يوميًا.. وإن فاتك وردك يومًا، تعوضه بقراءة ثلاثة أجزاء في اليوم الذي يليه.. وتُقسِّم على نفسك ألا يمر عليك شهر إلا وقد ختمت تلاوة القرآن.
ب) سمـــاع القرآن.. فتتأمل وتُسمِّع قلبك الآيات التي تُتلى، بالأخص في الصلوات الجهرية.. وتُخصص وقت لسماع القرآن بتدبُّر.
ج) التدبُّر.. قال تعالى { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].. فالتدبُّر هو الذي سيفتح الأقفال التي على قلبك، فعليك أن تُدوِّن الآيات التي أستوقفتك وتقرأ تفسيرها بعد ذلك..
وأنزِّل نفسك منزلة المُخاطب.. يقول ابن القيم في الفوائد " إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وأَلْقِ سمعك، وأحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه وإليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله، قال تعالى { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37] "
د) التحــاكم إلى القرآن.. يقول تعالى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].. فلابد أن تخضع لحكم الله عز وجلَّ، في كل صغيرة وكبيرة في حياتك.
هـ) الاستشفـــاء بالقرآن.. فترقي بدنك وقلبك بالقرآن.
3) الذكر.. قال تعالى { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44].. فخُتمت الآية بإسمي الله تعالى: الحليم والغفور، وهذا يدُل على أن من لا يذكر الله تعالى مُستحقٌ للعقوبة.. فالله عز وجلَّ حليمٌ على من لا يُسبِّح، وغفورٌ لمن يُسبِّح.
لذا لابد أن يكون لك ورد ثابت للذكر.. من تسبيح واستغفــار وصلاة على النبي وتهليل وتحميد وحوقلة والباقيات الصالحات وأذكار الصباح والمساء، بالأخص في تحركاتك وتنقلاتك.. والذكر من أسباب الثبـــات، كما قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45]
4) الصُحبـــــة الصـــالحة.. يقول تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].. فالغربة ثقيلة، والإنسان بحاجة إلى التواجد داخل جو إيماني يُنشطه على فعل الطاعات.
5) كثرة الدعــــــاء.. يقول الله جلَّ وعلا {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ..} [البقرة: 186].. فعليك أن ترفع يديك وتستشعر قُرب الله عز وجلَّ منك عند دعائك.. بُث إليه شكواك وخوفك من البُعد عنه سُبحـــانه واسأله الثبــــات على الطريق.. {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]
أتظنُّ أن تلجأ إليه ويخذُلك؟.. من ذا الذي لجأ إليه فأعرَّض عنه؟!!
وأكثِّر من هذا الدعـــاء، فإنه من أسباب الإستقــامة.. عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله " قل اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهدى هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهم " [رواه مسلم]
6) حصِّن الفرائــض بنوافـــل.. تتحبب بها إلى الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى في الحديث القدسي ".. وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه.. " [رواه البخاري]..
أ) القيـــام.. والحد الأدنى القيـــام بجزء أو مائة آية، لكي تُكتب من القانتين.. قال رسول الله " من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين " [رواه أبو داوود وصححه الألباني].. وإن كنت ثابتًا على ركعتين من قبل، فعليك أن تعلو إلى أن تصل إلى 11 ركعة.. وكلما أكثرت من الركعــات، زاد قُربك.
ب) 12 ركعة نوافل، ليُبنى لك بيتًا في الجنة.. قال رسول الله " من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعده وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر " [صحيح الجامع (5910 /1)]
جـ) الصيـــام.. صيـــام الاثنين والخميـــس.. صيـــام ستة أيام من شــوال؛ قال رسول الله " من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر " [رواه مسلم].. صيـــام الثلاث أيام البيض من كل شهر..
د) صدقـــات تطوع.. فعليك أن تُثبِّت صدقة شبه يومية أو أسبوعية أو شهرية؛ قال " والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار " [صحيح الجامع (5136)]
لا تقتصر على الواجبـــات فقط، وأكثِّر من النوافل..
ولا تكن {.. كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا..} [النحل: 92]
مختارات