الخلاص من الفتن
إن المتأمل في حال العالم الإسلامي بعد هذا الزمان الشريف.. زمان رمضان، ليتأكد له حقيقة أننا نعيش في زمان التمييز والتمحيص.. كما قال تعالى {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ..} [الأنفال: 37]
أولستم ترون أن الفتن تطلُّ علينا برأسها من كل جانب؟؟
ها هم الروافض ــ عليهم من الله ما يستحقون ــ يحتفلون بوفاة أمنا عائشة رضي الله عنها، ويتقولون عليها أقوال خبيثة.. وها نحن نرى من حولنا الناس بعد رمضان في فتنةٍ شديدة، وما نراه من غلاء شديــد وبـــلاء ومشاكل متتالية تتوالى على بلادنـــا..
كيــف نعرف الخلاص من هذه الفتن؟.. وكيف يفهم الواحد منا درس ما بعد رمضان؟
انظر في حال نفسك وتأمَّل.. هل أنت من الُمهتدين على صراطٍ مستقيم؟؟
أم أنك مُتَلفِت؟.. أم أنك لا تدري، أأنت على الحق المُبين أم في ضلالٍ دون أن تشعر؟؟
هل كُتبت من العتقاء هذا العام؟.. وهل ما صنعت من أعمال تُقبِلَت منك أم لا؟
ولو تأملنا آيــات القرآن الكريم، لوجدناها تخاطبنا بالعلاج والتحليــل لما نُعيشه الآن ..
وقد بيَّن الله عزَّ وجلَّ العلامة لمن أحسن وأهتدى::
{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32]
لو تدبرنا هذه الآية وفهمنا ما فيها من دروس؛ لأجابت عن المطلوب منا عمليًا بعد رمضان وفي زمان التمحيص..
الدرس الأول: إيــــاك أن تتجـــاوز الخطوط الحمراء..
فلابد أن يكون للمسلم خطوط حمراء، لا يقترب منها أو يتعدى حدودهــا.. وعليه ألا يتوسع في المباحــات تحت تأثير الغفلة التي يعيش فيها الناس..
ومع ذلك فإن الفائزون بالعتق من النـار غير معصومين، سيخطأون ويقعون في بعض الصغائر.. لكن ستكون لهم مع الله عزَّ وجلَّ أحوال أخرى جديدة، بعد أن فهموا درس رمضان.
الدرس الثاني: حسن الظن والرجــــاء في الله جلَّ وعلا..
ثم أخبر عن سعة مغفرته سبحانه {.. إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ..} [النجم: 32]
فإيــــاك أن يأتي إليك الشيطان ويقول: إن الله لم يغفر لك، إن الله لم يكتبك في العتقاء.. فيُحبِطُك ويُخَذُلُك.. {.. وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 29]
عليك أن تقول له: إخسأ يــا لعيــن، فإني أريــد ربَّ العالمين..
إن ربِّي واســــعُ المغفرة،،
الدرس الثــالث: اعْرف نفسك..
فإذا عَرِفت نفسك، عَرِفت ربَّك..
والله جلَّ وعلا أعلم بك منك، يقول تعالى {.. هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32]
فإن كنت قد خُلِقت من طين ثمَّ من ماءٍ مهين، فلا تُزكي نفسك وتُعجَب بعملك.. ولسان حالك يقول: فعلت ما أستطيع، الحمد لله صُمت وقُمت وقرأت القرآن وأفطرت الصائمين.
قال النبي " ثلاث مهلكات: شحٌ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه " [حسنه الألباني، السلسلة الصحيحة (1802)]
فقد حذرنا النبي من ثلاثة أمور تُهلِك الإنسان:
1) البخل..
2) إتبـــاع الهوى.. فإذا كان هواه في الطاعة أطاع، وإن كان في غير ذلك فعل ما يحلو له دون إتبـــاع للشرع في كلا الحالتين.
3) إعجاب المرء بنفسه.
وعلل الله سبحانه وتعالى الأمر بعدم تزكية النفس، بقوله تعالى {.. هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32]
فالأعمال لا توزن بالأرقام؛ لأن الثمرة هي التقوى.. والتقوى لا يعلمها إلا الله تعالى، وليس لها ميزان بمقاييس البشر..
فلا ينبغي أن تَزِنَّ أعمالك، وإنما قُل: اسأل الله القبول..
وليكن حالك كالذين قال عنهم الله جلَّ وعلا {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]..
علامة القبـــول هي: الخــوف من عدم القبــــول،،
الدرس الرابع: تصحيـــح مفهوم العبـــوديـة..
ثم تكلَّم الرحمن سبحانه وتعالى عن الذي يعمل عملاً ثمَّ يتوقف بعده.. كالذين يعملون الطاعات طوال رمضان، ثمَّ بعد ذلك يمضون إلى حــال سبيلهم.. يظنون أن رمضان مجرد استراحة على الطريق.
يقول تعالى {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (*) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} [النجم: 33،34]
وَأَكْدَى: أي منع.. تقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ ببعض الأعمال، ثمَّ بعد ذلك توقَّف.. يظن أنه بانتهاء رمضان قد انتهى شهر العبادة.. وبعد شهر الطاعات يتفرَّغ إلى شؤون الحياة وما كان فيه من أعمال دنيوية!!
يقول الله تعالى {أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} [النجم: 35]
هل تعرف أقُبِلَ عملُكَ أم لا؟؟
وقبل أن تعترض وتقول: أتريدني أن أترك أعمالي لأتفرَّغ للعبادة طوال العام؟؟
عليك أن تعلم أن العبودية لا تقتصر على أداء بعض الطاعات من صيام وقيام وتلاوة قرآن فحسب..
إن الله عزَّ وجلَّ قال {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]
العبودية:: أن تكون حيـــاتُكَ كلها لله..
أن تكون في عملك مبتغيًا وجه الله.. أن تكون في المسجد، في الشارع، في كل مكان تبتغي وجه الله وحده..
فالأمر كله مُتعلقٌ بنيتــــك وفهمك لمعنى العبوديـــة،،
وليس مطلوبٌ منك أن تعتكف طوال العام، بل عليك فقط أن تعيــش لله وليس أن تعيــش لنفسِك.. فتصير أقصى طموحــاتك: أن تكون عند الله مرضيًا، وهذا ما ينبغي أن تكون قد تعلمته من درس رمضان.
الدرس الخــامس: أنك مُحاسبٌ على أعمــالك..
يقول تعالى {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (*) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (*) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 36،38]
فلن تنفعك عائلتك ولا أسرتك ولا أولادك ولا أصدقائك.. أو أيٌ من الأمور التي تنشغل بها وتلتفت بها بعيدًا عن الله تبارك وتعالى..
لأنك ستُجزى وتُحــاسب على عملك وحدك.. {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]
فليس لك إلا ما قدمت، فلا تنشغل بغير الله تعالى..
{وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (*) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم: 40،41]
فإما يُقال لسعيك: هذا سعيٌ مشكــور أو يُقال: هذا سعيٌ مردود والعياذ بالله..
فانظر ماذا تحب أن تُجزى على سعيك واعمل له،،
عــلاج الانتكــاس والفتــور بعد رمضــان
أرشدنـــا الرحمن جلَّ وعلا إلى طريــق الهدايــة في وسط تلك الغواية.. إلى الصراط المستقيم بين يدي هذه الفتن.. وإلى كيفية تحقيق المعادلة الصعبة للاستقامة..
الوصيــة الأولى: انطرح بين يدي ربِّك..
قال تعالى {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (*) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم: 57،58]
فإذا ضاقت بك الأمور وأحاطت بك الفتن من كل جانب وحيل بينك وبين كل سُبُل النجاة، انطرح بين يدي ربِّك وادعوه أن يُنجيــك.. فهو وحده حَسْبُك..
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ..} [الزمر: 36]
من يكشف عنا الفتن التي نعيش فيها إلا ربُّنـــا سبحانه وتعالى؟؟
{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62]
وأنت في الصلاة، خــاشع مُتبتِل مُتذلل لله تبارك وتعالى.. ادعوه أن يُخَلِّصَكَ من الفتن، وأن يتقبَّل منك، وألا يدعك للغفلة بعد رمضان.. ادعوه أن يجعلك على صراطٍ مستقيم..
يقول الله جلَّ وعلا {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]
فنهانا الله عزَّ وجلَّ عن إفســاد الأرض بالمعاصي بعد إصلاحها بالطاعات.. وكذلك قلبـــك الذي تذوَّق حلاوة الإيمان في رمضان، لا تُفسِد فيه بعد إصلاحه..
ستقول: كيف أستقيم وأصلِح من حال قلبي ونفسي؟
قال تعالى {.. َادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً..}.. أي: عليـك بهذا الزاد الذي لا ينبغي لك أن تستخف به: عبوديـــة رفع يديـــك إلى السمــاء.
ادعوه وأنت خائفٌ وَجِل ألا يتقبَّلك.. ادعوه وأنت تطمع في رحمته..
وكلما جوَّدت عملك وأحسنت فيه، كانت رحمة الله أقرب منك،،
الوصية الثانية: وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّة..
تخيَّل شخصٌ قد بنى عمارة وأرتفع بها عدة أدوار، وإذ فجأةً قرر أن هذه البناية لا تعجبه.. فهدمها!!
فأيُّ سفهٍ بعد هذا؟..
وأنت بعد أن تذوقت شيئًا من القُرب من الله عزَّ وجلَّ، كيف تتولى وتُعْرِض؟
لا تنقض الغزل من بعد قوةٍ أنكاثـــًا،،
الوصيــة الثالثة: تجديـــد أهدافك الإيمانيـــة طوال العام..
فكلما انتهيت من هدف إيماني، عليك أن تنتقل إلى هدف إيماني جديــد.. وبعد أن انتهيت من رمضان، لابد أن تسأل الله أن يتقبله منك وتَعُد العُدَّة لموسم الحج..
وليكن قلبك مُتعلقًا بالحج والبيت الحرام، حتى وإن لم تحُج..
واعلم أن الفائز الأول في رمضان هذا العـام، هو:
أكثر الناس تقوى..
يقول الله جلَّ وعلا {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52]
هذه وصايـــا ثلاث بين يدي ما بعد رمضان، لعل الله عزَّ وجلَّ أن يتقبَّل منا..
وأن يأخذ بأيدينا إليه أخذ الكرام عليه، إنه ولي ذلك والقادر عليه،،
مختارات