فقه أوامر الله الكونية والشرعية _ الجزء الاول
فقه أوامر الله الكونية والشرعية
قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس: 82].
وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة: 5].
وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90].
الله تبارك وتعالى هو الخلاق العليم، الذي خلق جميع المخلوقات في العالم العلوي، وفي العالم السفلي، وجميع مخلوقاته أثر من آثار خلقه وقدرته، وهو القادر على كل شيء، فلا يستعصي عليه شيء أراد خلقه، أعطى جميع المخلوقات الوجود والشكل، والوظائف والأوامر.
وهو سبحانه الملك، المالك لكل شيء، الذي جميع ما سكن في العالم العلوي والسفلي ملك له، وعبيد مسخرون مدبرون بأمره.
يتصرف فيهم سبحانه بأوامره القدرية.. وأوامره الشرعية.. وأوامره الجزائية: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)} [يس: 83].
والله عزَّ وجلَّ هو الذي خلق المخلوقات كلها، وهذه المخلوقات كلها تحتاج إلى أوامر.
والذي ينزل من الله عزَّ وجلَّ من الأوامر نوعان:
أوامر كونية.. وأوامر شرعية.
وأوامر الله الكونية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أمر الإيجاد، وهو متوجه من الله إلى جميع المخلوقات بالإيجاد والخلق والتكوين.
وبسببه أوجد الله الكون وما فيه من المخلوقات كالعرش والكرسي، والسماء والأرض، والملائكة والروح، والشمس والقمر، والنجوم والكواكب، والجماد والنبات، والإنسان والحيوان، وغير ذلك من المخلوقات التي لا يحصيها ولا يعلمها إلا الله وحده لا شريك له: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام: 102].
الثاني: أمر البقاء، وهو متوجه من الله إلى جميع المخلوقات بالبقاء.
وبسببه تبقى الكائنات كلها بأمر الله، ولولا أمر الله بالبقاء لزالت جميع الكائنات كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)} [فاطر: 41].
وقال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)} [الروم: 25].
الثالث: أمر الحركة والسكون، والحياة والموت، والنفع والضر... إلخ، وهو متوجه من الله إلى جميع المخلوقات، فجميع المخلوقات لا تتحرك ولا تسكن إلا بأمره كما قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22].
وقال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)} [آل عمران: 26 - 27].
وجميع المخلوقات لا تنفع ولا تضر إلا بأمره كما قال سبحانه: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعراف: 188].
والإحياء والإماتة بيد الله، فلا يحصل منها شيء إلا بأمره: {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)} [غافر: 68].
وهذه الأوامر الإلهية لا بد من وقوعها كما أراد الله، فالله لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، سبحانه هو الواحد القهار: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس:82].
وأما الأوامر الشرعية فهي الدين: وهو موجه من الله إلى الثقلين: الإنس والجن، ويتم ذلك بواسطة الأنبياء والرسل.
والأوامر الشرعية خمسة أقسام هي:
الإيمان.. العبادات.. المعاملات.. المعاشرات.. الأخلاق.
ومن الناس من يقبله فيسعد في الدنيا والآخرة، ومنهم من لا يقبله فيشقى في الدنيا والآخرة، كما قال سبحانه: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)} [البقرة: 38، 39].
وهذا الدين محفوظ إلى يوم القيامة بحفظ الله، وللحصول على أعلى مراتبه لا بد من المجاهدة كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)}... [العنكبوت: 69].
وأوامر الله الشرعية نوعان:
الأول: أوامر محبوبة للنفس، كالأمر بالأكل من الطيبات، ونكاح ما طاب من النساء إلى أربع، وصيد البر والبحر ونحو ذلك.
الثاني: أوامر مكروهة للنفس الأمارة بالسوء، وهي نوعان:
أوامر خفيفة، كالأدعية والأذكار، والصلوات وتلاوة القرآن، والسنن والآداب ونحوها.
أوامر ثقيلة، كالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله.
والإيمان يزيد بامتثال الأوامر الخفيفة والثقيلة معاً، والقيام بالأعمال الانفرادية والاجتماعية معاً، فإذا زاد الإيمان صار المبغوض محبوباً، وصار الثقيل خفيفاً، وتحقق مراد الله من العبد بالدعوة والعبادةلربه، واطمأن بذلك قلبه، وتحركت بذلك جوارحه.
ومقصود الإيمان عبادة الله وحده لا شريك له، واجتناب عبادة ما سواه.
ويتم ذلك بتغيير اليقين من المخلوق إلى الخالق الذي بيده كل شيء.. وتغيير العواطف من المخلوق إلى الخالق.. وتغيير الفكر من الدنيا إلى الآخرة.. ومن الأموال والأشياء إلى الإيمان والأعمال الصالحة.. وتغيير العمل من الدنيا إلى الدين، ومن المعاصي إلى الطاعات.. ومن محبوبات النفس إلى محبوبات الرب.
فالأوامر الشرعية أنزلها الله إلى الثقلين: الإنس والجن، وهي الدين، وهذه الأوامر تنزل من ذات الله إلى العباد، والأعمال تصدر من ذات النفس.
فإذا تطابقت الأعمال البشرية مع الأوامر الإلهية سعد الإنسان في الدنيا والآخرة.
وإذا خالفت أعمال العباد أوامر الله الشرعية شقي الإنسان في الدنيا والآخرة.
وفي كل يوم، بل في كل ثانية، بل في كل لحظة يصدر من ذات الله ما لا يحصيه إلا الله، ولا يعلمه إلا الله من مليارات الأوامر الإلهية:
أوامر الخلق والإيجاد.. وأوامر البقاء.. وأوامر النفع والضر.. وأوامر التصريف والتدبير.. وأوامر التغيير والتبديل.. وأوامر الحياة والموت.. وأوامر العافية والمرض.. وأوامر العطاء والمنع.. إلخ.
وفي كل يوم، بل وفي كل ثانية، بل في كل لحظة يصدر من العباد ما لا يحصيه إلا الله من الأقوال والأعمال.. والطاعات والمعاصي.. والحسنات والسيئات.. وكل ذلك بإذن الله عزَّ وجلَّ.. والكل معلوم لعلاّم الغيوب.
وأوامر الله الشرعية تامة كاملة، وهي متعلقة بجميع أحوال العباد، والله يحب أن يطاع وتمتثل أوامره في جميع الأحوال من جميع العباد.
فالملك ملكه.. والخلق خلقه.. والأمر أمره.
والعبد ليس له عمل إلا طاعة سيده ومولاه، الذي أفاض عليه من نعمه بما لا يحصى، ووعده إن أطاعه بالدار الحسنى، وإن عصاه بنار تلظى.
وأوامر الله الكونية والشرعية متعلقة بجميع أحوال الإنس والجن، وأوامر الله الكونية متعلقة بجميع المخلوقات.
فكل ذرة في هذا الكون العظيم لها أوامر من ربها.. أمر بالإيجاد.. وأمر بالبقاء.. وأمر بالنفع والضر.. ولله حكمة في خلقها.. وكلها مملوكة في قبضة الله.
والإنسان مأمور أن ينظر إلى المخلوقات التي خلقها الله في هذا الكون ولا يتعلق بها، بل يتجاوزها إلى خالقها.
فينظر إلى الصور ويتجاوزها إلى المصور سبحانه، وينظر إلى المخلوقات العجيبة ويتجاوزها إلى الخالق سبحانه، وذلك حتى لا تأتي عظمتها في القلوب مكان عظمة الله، الذي يستحق التعظيم الكامل وحده لا شريك له، ولا تأتي محبتها مكان محبة الله، الذي يستحق المحبة الكاملة وحده لا شرك له.
وينظر في ملكوت السموات والأرض نظر تفكر واعتبار لا نظر تفرج ولهو. فكل ينظر إلى الشجرة الكبيرة، الغافل ينظر إلى جمالها، ولا يذكر الجميل الذي زينها، والنجار ينظر إلى خشبها، والطبيب ينظر إلى الدواء الذي فيها، والمزارع ينظر إلى ثمرتها، والمؤمن ينظر إلى عظمة خالقها، فهذا أعظم الناس نظراً وفكراً واعتباراً: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)} [يونس: 101].
وقد أنزل الله الدين الكامل، الشامل لجميع أحوال العباد كما قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3].
فلله عزَّ وجلَّ أوامر يحب أن تمتثل عند الوضوء والصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من العبادات.
ولله أوامر يجب أن تمتثل لا تظهر إلا بوجود الأهل والزوجة والأولا د.
ولله أوامر يجب أن تمتثل لا تظهر إلا في التجارة والبيع والشراء وسائر المعاملات.
ولله أوامر يجب أن تمتثل لا تظهر إلا في الزراعة والصناعة ونحوها.
ولله أوامر يجب أن تمتثل لا تظهر إلا في ساحات الجهاد، وحلق الذكر، ومجالس العلم.
ولله أوامر يجب أن تمتثل لا تظهر إلا في حال الغنى والفقر، أو الصحة والمرض، أو الحياة والموت، أو السلم والحرب.
ولله أوامر يجب أن تمتثل في حال الرضا والغضب، وفي حال الفرح والحزن، وفي حال الرخاء والشدة.
ولله أوامر يجب أن تمتثل في حال الإقامة، وحال السفر، وعند الأكل والشرب، وفي حال اليقظة، وفي حال النوم.
ولله أوامر يجب أن تمتثل في البيوت، وفي الأسواق، وفي المساجد، وفي المجالس.
ولله أوامر يجب أن تمتثل عند الزواج، وعند المعاشرة، وعند الولادة، وحال الأمن، وحال الخوف.
ولله أوامر على السمع والبصر، والقلب والبدن، وسائر الجوارح.
فهذه الأوامر وغيرها مما أمر الله ورسوله به هي الدين الذي يحبه الله ويرضاه، ويحب من قام به، وهو الدين الذي يجب على الإنسان قبوله والعمل به، والدعوة إليه، ليسعد في الدنيا والآخرة: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 71].
والناس في الدنيا نوعان:
مسلم له أوامر.. وكافر له أوامر.. وغني له أوامر.. وفقير له أوامر.. وقوي له أوامر.. وضعيف له أوامر.. وصحيح له أوامر.. ومريض له أوامر.. وكبير له أوامر.. وصغير له أوامر.. وبصير له أوامر.. وأعمى له أوامر.. ورجل له أوامر.. وامرأة لها أوامر.. وحي له أوامر.. وميت له أوامر.. ومقيم له أوامر.. ومسافر له أوامر.. ومتزوج له أوامر.. وأعزب له أوامر.. وخليفة له أوامر.. ورعية لها أوامر.. وهكذا، والنتائج يوم القيامة.
والله عزَّ وجلَّ أمر بكل خير، ونهى عن كل شر، وأحل ما ينفع، وحرم ما يضر، وأمر بالحق، ونهى عن الباطل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90].
وما أمر الله به العباد نوعان:
أحدهما: باطن في القلب كالتوحيد والإيمان، والإخلاص واليقين، وحب الله ورسوله ودينه وأوليائه، والتوكل على الله، والخوف منه، وخشيته ورجائه.
الثاني: ظاهر على الجوارح، وهي الأقوال والأعمال المأمور بها، وهي لا تقبل إلا بعمل القلب، وإرادة وجه الله بها، وأدائها كما جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كالوضوء والغسل، والصلاة وسائر العبادات، فهذه وإن كانت أقوالاً وأفعالاً إلا أن القلب أخص بها.
والله تبارك وتعالى شرف هذه الأمة وأكرمها بالدين، وبالدعوة إلى الدين.
فالاستقامة على الدين أولاً.. ثم دعوة الناس إليه ثانياً.
والكفار يعرض عليهم الإسلام فإما أن يسلموا.. أو يصغروا.. أو يدمروا.
وإذا ترك العبد أوامر الله الانفرادية، جاءت عليه مصيبة انفرادية.
وإذا تركت الأمة أوامر الله الاجتماعية، جاءتها عقوبة اجتماعية.
وإذا أقام العبد أوامر الله الانفرادية، جاءت النصرة الانفرادية.
وإذا أقيمت أوامر الله الاجتماعية، جاءت النصرة الاجتماعية.
ففرعون ترك أمر الله واستكبر وعلا، فادعى الألوهية والربوبية، وأضل قومه فجاءت عقوبة الله عليه، وعلى قومه وجيشه، وكل من اتبعه، فأهلكوا بالغرق، ولهم أشد العذاب يوم القيامة.
وقارون ترك أمر الله الانفرادي، فجاءت المصيبة انفرادية عليه وعلى ماله كما قال سبحانه: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)} [القصص: 81].
فأوامر الله الانفرادية علينا جميعاً كالإيمان، والصلاة، والصيام، والزكاة لمن له مال، والحج على المستطيع، فإذا ترك الإنسان شيئاً من ذلك، جاءت المصيبة انفرادية على العبد وحده كما قال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)} [الشورى: 30].
والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، أوامر اجتماعية من الله على هذه الأمة، فإذا تركتها الأمة جاءت المصيبة على الأمة جميعاً كما قال سبحانه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} [المائدة: 78، 79].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» أخرجه أحمد والترمذي
والله جل جلاله خلق الأسباب، وأنزل الأوامر، وأمر بامتثال الأوامر، وفعل الأسباب، وجعل سعادة الإنسان فقط بالإيمان والتقوى.
والتقوى: هي ألا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك، وهي الأمر المتوجه من الله إليَّ بالفعل أو الترك، أفعله على طريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
فمثلاً، إذا أصابني صداع في الرأس، أنظر أمر الله أو أمر رسوله فيه، وأفعل ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسمي ثلاثاً ثم أقول سبع مرات: «أعوذ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أجِدُ وَأحَاذِرُ» أخرجه مسلم
ثم أفعل الأسباب من دواء مباح، فإن ذهب الصداع فأنت في الفوز والفلاح، لأنك فعلت السبب، وامتثلت الأمر، وإن لم يذهب الصداع فكذلك أنت في الفوز والفلاح، لأنك امتثلت أمر الله ورسوله.
فلا نتوجه عند المرض للدواء مباشرة، بل نتوجه إلى الله الشافي أولاً، والأسباب آخر شيء، أمر الله ثم أمر الرسول وفعله، ثم فعل السبب المباح، هذا هو الترتيب الصحيح لطلب الشفاء.
وإن تناولت الدواء مباشرة ثم ذهب الصداع فهذا ابتلاء من الله لإيمان العبد، وإن لم يذهب الصداع فيتوجه إلى الله، وكلما توجه العبد إلى الله في حاجة، فإما أن يقضي حاجته فوراً، وإما أن يؤخرها ليكثر من الدعاء، وإما أن يدفع عنه من الشر ما هو أعظم منها، وإما أن يؤخرها له إلى يوم القيامة.
وكلما توجه الإنسان إلى الله قضى حاجته، وكلما نفى المخلوق أياً كان يومياً سخره الله له.. وحفظه منه.. وأخرج اليقين عليه.. وحفظه، لا يعبده ولا يتوجه إليه.
مختارات