الغفور الغفار
أولا / المعنى اللغوي:
غفر في اللغة أي غطى وستر، وغفر الله لفلان أي ستره وعفا عنه.
وأصل الغفر الستر والتغطية، ومنه المغفر وهو ما يضعه المقاتل فوق رأسه ليستر رأسه،وليقيه الضربات.
ويقال جمع غفير: أي لكثرتهم يستر بعضهم بعضا.
والمغفرة من الله تعالى ستر للذنوب وعفوه عنها بفضله ورحمته.
المعنى في حق الله تعالى:
(الغافر) فاعل من غفر وهو المبالغ في الستر، فلا يفضح المذنب لا في الدنيا ولا في الآخرة.
و(غفور) للمبالغة كثير المغفرة، أي يغفر و لا يبالي فهو يغفر الذنوب بالجملة و لا يحاسب عليها إذا تكررت.
و اسم الله الغفور غالبا ما يقترن باسمه الرحيم، وقد اقترن به بضع وستون مرة فى القرآن، فمن رحمة الله مغفرته لذنوب عباده وإن كثرت وإن عظمت !
و(الغفار) أشد مبالغة منه، فهو من يغفر الذنوب الكثيرة، وهو مخصص للذنوب الشديدة التي قد لا يتخيل العبد أن الله سيغفرها له.
فكأنه تعالي يقول: إن كنت ظالماً فأنا غافر، وإن كنت ظلوماً فأنا غفور، وإن كنت ظلاماً فأنا غفار.
والغفار والغفور سبحانه: هو الذي يستر الذنوب المتجاوز عن الخطايا والعيوب بفضله، مهما كان مقدارها ومهما تعاظمت النفس وتمادت فى جرمها وعصيانها فهو سبحانه يغفر الكبائر والصغائر جميعها.
ثانيا / وروده في القرآن الكريم:
جاء في القرآن بعدة صيغ منها:
غافر كما في قوله تعالى: (غافر الذنب وقابل التوب) غافر 3
ذُكر في القرآن الكريم مرة واحدة.
الغفور كما في قوله تعالى: (وربك الغفور ذو الرحمة..) الكهف58
ذُكر في القرآن الكريم 91 مرة.
غفار كما في قوله تعالى: (وإني لغفار لمن تاب..) طه82
ذُكر في القرآن الكريم 5 مرات.
ثالثا / تأملات في رحاب الاسم الجليل:
إن اسم " الغفور " من أقرب الأسماء الحسنى إلى المؤمن، لأن المؤمن مذنب تواب، والله عز وجل غفوررحيم يحب التوابين ويحب المتطهرين.
فهو الذي يستر العيوب ويستر الذنوب، مهما بلغ الذنب من الكبر، ومهما تكرر من العبد وأراد الرجوع إلى الرب، فإن باب المغفرة مفتوح في كل وقت، لأن الغفور هو الذي يقبل ستر الذنب والمسامحة فيه مرة بعد مرة بلا نهاية لأن مغفرة الله بلا نهاية، أما ذنوبنا مهما عظمت أو كبرت فلها نهاية.
والله غفور لمن أقبل، غفور لمن تاب، وأناب، غفور لمن أصلح واستغفر، أما أن يقيم الإنسان على معصية وينوي أن يبقى عليها ويقول: إن الله غفور رحيم فهذا من السذاجة والجهل وعدم الفهم.
قال تعالى " نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {49} وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ " الحجر: 50.
سبحان من أظهر الجميل وستر القبيح:
كتب حكيم إلى حكيم: أما بعد ! فقد أصبحنا وبنا من نعم الله ما لا نحصيه، ولا ندري أيما نشكر، أجميل ما ينشر، أم قبيح ما يستر؟ !
فأول ستره سبحانه على العبد بأن أظهر الجميل وأخفى عن الأعين القبيح،وكم بين باطن العبد وظاهره في النظافة والقذارة، في القبح والجمال.
وهو سبحانه ستر ما في القلب من الخواطر المذمومة فلا يطلع أحد على ماتكنه الصدور وتخفيه الضمائر، كل خواطرنا محجوبة عن الخلق، لا يعلمها إلا الله.
الستر في الدنيا والآخرة:
ويوم القيامة يطلع الله العبد على بعض ما ستره عليه من الذنوب فيقرره بها تذكيرا بنعمة الله عليه أن ستره في الدنيا ففي الحديث عن ابن عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يدنى المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، تعرف ذنب كذا؟ يقول: أعرف، يقول: رب أعرف، مرتين، فيقول: سترتها في الدنيا، وأغفرها لك اليوم، ثم تطوى صحيفة حسناته. وأما الآخرون أو الكفار، فينادى على رؤوس الأشهاد: { هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) البخاري
من الذي يفضحه الله؟
وهو سبحانه الذي يستر الذنوب، فلا يفضح من أول مرة بل يستر مرات ومرات
عندما يقع الإنسان بذنب فيغفر له ويستره، ومرة ثانية و ثالثة، وقد تقتضي الحكمة الإلهية أن يفضحه،كما ورد أن عمر بن الخطاب جيء عنده بسارق، وبعد أن أقر بفعلته قال: يا أمير المؤمنين هذه أول مرة، فقال عمر: " كذبت إن الله لا يفضح من أول مرة، فظهرت أنها الثامنة.. ".
يفعل بعض الظلمة الجرائم ويبطشون بالناس وهم يظنون أنهم سينجون بفعلتهم لكن الله جل وعلا يمهل ولا يهمل.
حدث أن باخرة فرنسية رست في ميناء إفريقي فتسلل إليها تسعة زنوج من البلدة التي رست فيها خفية، واختبؤوا بين الآلات والباخرة في عرض البحر، وعلم ربان الباخرة، أن فيها تسعة رجال من هذه البلدة التي كان راسياً في مينائها، فانظروا إلى قسوة هذا الفاجر،أصدر أمراً بقتلهم، واستدرجهم واحدا تلو الآخر ومن ثم يطلق عليه النار ويتولى اثنان من البحارة بإلقاءهم في البحر، فهذه الجريمة إذا وقعت على تسعة أشخاص وتم إعدامهم وإلقاؤهم في البحر فليس لها أثر إطلاقاً، لكن: التاسع استطاع أن يختبئ في مكان لم يعثروا عليه و بعد أن رست في ميناء آخر، استطاع أن يهرب إلى ذلك البلد واتصل بالشرطة وأخبرهم، بالأمر....وافتضحت الجريمة، فجرت محاكمة في فرنسا ليحكموا على الربان بالمؤبد وعلى البحارة بعشرين سنة.
فهذا الذي نجا أنجاه الله عز وجل ليكشف الأمر ويعاقب هؤلاء المجرمين.
فالله عز وجل حينما يفضح فإنما يفضح ليقيم العدل بين عباده ويقتص من الظالم للمظلوم
وقفة مع قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ):
يقول تعالى " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " الزمر 53
هذه الآية هي أرجى آية في القرآن ونلاحظ أن الله عز وجل لم يقل: قل يا عبادي الذين فسقوا، قل يا عبادي الذين زنوا، قل يا عبادي الذين شربوا الخمر، قل يا عبادي الذين قتلوا، بل قال: يا عبادي " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم " فيها تلطف فيها ستر لحالهم.
الأمر الثاني كلمة " قل يا عبادي " هذا العبد العاصي أضافه الله إلى ذاته، تحببا لعباده وتطمينا وإكراما لهم، يقول لك الله عز وجل " قل يا عبادي "
فمن رحمة الحق عز وجل وحكمته أنه يغفر الذنوب، ولو أنه جل شأنه أغلق باب التوبة في وجه المذنب لتمادى في ذنوبه وترتب على ذلك هلاكه وهلاك المجتمع بأسره دنيا وآخرة.
وغفران الذنب للمذنب لا يتعارض مع العدالة الإلهية والتي تقتضي محاسبة كل إنسان وفقا لعمله.
والعلة في ذلك أنه ليس هناك إنسان معصوم من الخطأ والمعصية، وهذا يجعل المغفرة رحمة بالبشرية جمعاء لا بطائفة دون أخرى.
والحق سبحانه وتعالى قد أوضح لنا أنه لا ذنب يعظم عن مغفرته وتتجلى هذه القاعدة في قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فكلمة جميعا أفادت العموم والشمول، فمهما عظم الذنب.. أي ذنب فإن مغفرة الله عز وجل أعلى وأعظم.
كيف نوفق بين هذه الآية وآيات تتحدث عن صنف لا يغفر الله لهم؟
هنالك آيات أخبر الله فيها أن الكفار لا يغفر الله لهم كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا)النساء 167،168
وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) سورة النساء137
وقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)النساء 48
وغيرها من الآيات وللتوفيق بين هذه الآيات نقول:
إن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعا ما دام الإنسان في إطار الإيمان الصحيح به جل وعلا، فإذا كفر بوجود الله عز وجل أو أشرك به فقد خرج عن إطار الإيمان.
ومن الثابت أنه ليس بعد الكفر أو الشرك ذنب، فأعمال الكافر والمشرك ليست محل نظر، لأن أعماله الصالحة ليست لوجه الله عز وجل فلا يستحق عنها ثوابا، وأعماله الطالحة سينال عقابه عنها في إطار العقاب الأعظم على الذنب الأعظم وهو الكفر أو الشرك.
ولكن ينبغي أن نلاحظ أن حرمان الكافر والمشرك من المغفرة مرتبط باستمرارية كفره وشركه، فإذا رجع عن كفره أو شركه، فالحق سبحانه وتعالى يغفر له، وفي ذلك يقول جل شأنه: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ)الأنفال 38
فالحق سبحانه وتعالى يقابل الرجوع الصادق عن الكفر والشرك بغفران ما قد سلف، وهذه نعمة ورحمة ومغفرة ليس لها حدود.
وقفة مع قوله تعالى (فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء):
بعض المستشرقين قال: إن المغفرة الإلهية كما يبدو من القرآن الكريم تمنح على غير أساس معلوم، وليس أدل على ذلك من الآية رقم 284 من سورة البقرة والتي جاء فيها قوله تعالى: ( فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء)
يقول الشيخ الشعراوي ردا عليه:
إن المغفرة والعذاب بيد الله عز وجل ولمن يشاء من عباده ؛ نعم.. ولكن ذلك لا يعني أن المسألة تسير وفقا للهوى.. تعالى ربنا الملك الحق عن الهوى والظلم والتفرقة بين العباد.
فالحق تبارك وتعالى إن شاء أن يغفر لأحد فثق أنه جدير بالمغفرة وإن شاء أن يعذب أحدا فثق أنه جدير بالعذاب.
ونذكر مثالا لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم والذي ورد بصحيح البخاري ومسلم: (كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذ أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحد، فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك، فغفر له.)
فإن دل هذا الحديث على شيء فإنما يدل على أن الخوف من الله عز وجل والذي يرجع إلى الإيمان الصادق به قد يجلب المغفرة، ودل أيضا على أن مغفرة الله عز وجل لا تعطي لعبد دون مبرر أو استحقاق.
ونذكر أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم والذي ورد في صحيح مسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يحكي عن ربه عز وجل قال:
" أذنب عبد ذنبا. فقال: اللهم ! اغفر لي ذنبي.
فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب.
ثم عاد فأذنب. فقال: أي رب ! اغفر لي ذنبي.
فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا. فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب.
ثم عاد فأذنب فقال: أي رب ! اغفر لي ذنبي.
فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا. فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب،اعمل ما شئت فقد غفرت لك ".
إن هذا الحديث يدل أيضا على أن مغفرة الحق عز وجل لا تمنح إلا لمستحق، وهذا العبد الذي غفر له الله عز وجل كان دائم الاستغفار، وهذا يرجع إلى إيمانه الصادق بالله عز وجل وخشيته منه.
وقول الحق اعمل ما شئت فقد غفرت لك.. لا يعني أنه جل وعلا أطلق له العنان ليبغي في الأرض الفساد... تعالى المولى عز وجل عن ذلك.. فقد بدا من الحديث أن هذا العبد لم يكن يكرر نفس الذنب الذي يذنبه، والدليل على ذلك قوله جل وعلا: ثم عاد فأذنب.. ثم عاد فأذنب.. فلو كان العبد يعود إلى نفس الذنب لقال جل وعلا ثم عاد إلى ذنبه، يضاف إلى ذلك أن هذا العبد قد كشف أنه من ذوي النفس اللوامة، وصاحب هذه النفس دائما يرتقي في المعراج الروحي إلى أعلى حتى يصل إلى النفس المطمئنة إن شاء له الله ذلك، ولا يعود إلى الخلف أو يهبط إلى أسفل... فالمغفرة في هذا الحديث رغم كونها مستقبلية إلا أنها مغفرة مترتبة على استحقاق العبد والذي يعلمه الحق عز وجل من علمه بنفس عبده، وعمله بالغيب.. إذن فهي ليست مغفرة عشوائية يعقبها طغيان من العبد وفساد في الأرض. ونذكر أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم والذي ورد في صحيح البخاري: تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، قالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: كنت أنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر، قال: فتجاوزوا عنه)
فهذا مثال آخر لعبد استحق المغفرة الإلهية لرحمته بالعباد وتجاوزه عما له في ذمة المعسرين. ا.هـ
ثمار الإيمان بالاسم الجليل:
1-كرم الله لعباده العاصين:
فهو واسع المغفرة (إن ربك واسع المغفرة)النجم 32
وهو سبحانه الذي يغفر الذنوب جميعا " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ
لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " الزمر 53
بل ومن كرمه أن يبدل السيئات حسنات (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان:70
ويمحو الله أثر الذنب عن العبد كما في الحديث (إذا تاب العبد أنسى الله الحفظة ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض، حتى يلقى الله وليس عليه شاهد من الله بذنب) ضعفه الألباني
2- لا تغتر بستر الله عليك:
كما في الحديث عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ تَعَالى يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ "، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}.
ومعنى(استدراج) أي أخذ بتدريج واستنزال من درجة إلى أخرى،فكلما فعل معصية قابلها بنعمة وأنساه الاستغفار فيدنيه من العذاب قليلاً قليلاً ثم يصبه عليه صباً.
3- لا تغتر بإعجاب الناس بك إنما أعجبوا بستر الله عليك:
نعم إن ستر الله هو المسدل على أعمالنا الصالحة، فلو أن الله سبحانه وتعالى نزع ستره عنا لما جلس معنا احد ولما آكلنا أحد، فالإعجاب بالنفس يأتي من عدم رؤية ستر الله علينا فلو استحضرنا ذنوبنا في عملنا لعلمنا أن نعمة الستر نعمة عظيمة،
سئل ابن عمر هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال.
وكان الحسن البصري يقول: الحمد لله أنه ليس للذنوب رائحة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فإذا حسنت السرائر.. أصلح الله الظواهر)
ويقول ابن القيم: (إذا زكاك المزكون وأثنى عليك المثنون فإنما هم إلى جميل ستر الله ينظرون فلا تغتر)
ويقول الشيخ محمد صالح المنجد: (ليس الخائف من الله الذي يبكي فيعصر عينيه، إنما الخائف من ترك ما اشتهى من الحرام وهو يقدِر عليه (ولمن خاف مقام ربه جنتان)
4- أن نستر من غيرنا ما يستره الله من أعمالنا عنهم:
فلو اطلع أحدنا على معصية لأخيه فلا ينبغي أن يذكرها لأحد، إن تكلم عن ذنبه فقد اغتابه وإن عيره ابتلي به وإن رضي منه هذا الذنب شاركه في الإثم، بل عليه النصيحة والستر.
5- عدم اليأس من رحمته أبدا:
فهو يغفر الذنوب الكبيرة ويغفر الذنوب الكثيرة في الحديث القدسي قال الله :
(يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي
يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي
يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)
6- دوام الاستغفار والتوبة السريعة بعد كل ذنب وعدم الإصرار:
قال تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آل عمران 135
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)
أقوال في الاستغفار:
1 - يروى عن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه: (يا بني، عوِّد لسانك: اللهم اغفر لي، فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً).
2 - وقالت عائشة رضي الله عنها: (طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً).
3 - وقال قتادة: (إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم فالذنوب، وأما دوائكم فالاستغفار).
4 - وقال الحسن: (أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقاتكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة).
5- وقال بعض الشعراء:
يـارب إن عظمت ذنوبي كثرة ***** فلقد عـلمت بأن عفوك أعظم
إن كـان لا يرجوك إلا مـحسن ***** فبمن يـلوذ ويستجير المجرم
مــالي إليك وسيلــة إلا الرضا ***** وجميل عــفوك ثم أني مسلم
بعض ما ورد في الاستغفار:
1- روى البخاري من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أن أبا بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه قَالَ لِلنَّبِي صلى الله عليه وسلم عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي قَالَ: (قُلِ اللهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
2- سيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) قال: ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة.رواه البخاري
(سيد الاستغفار): لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد، وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج، ويرجع إليه في الأمور.
(وأنا على عهدك) أنا على ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك وإخلاص الطاعة لك ما استطعت من ذلك.
واشتراط الاستطاعة في ذلك معناه الاعتراف بالعجزعن تحقيق الواجب من حقه تعالى.
و(وعدك) ما قال على لسان نبيه " إن من مات لا يشرك بالله شيئا وأدى ما افترض عليه أن يدخله الجنة "
وأبوء: أعترف.
قوله (من قالها موقنا بها) أي مخلصا من قلبه مصدقا بثوابها
3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة قول: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم)رواه أصحاب السنن
4- و في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام في الدعاء يبن التشهد والتسليم: (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت).
5- وكان عليه الصلاة والسلام ينوع في طلب المغفرة، ويعدد الذنوب بأنواعها، فيقول: (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطأي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير).
مختارات