الأصل السابع : وليسعك بيتك
الأصل السابع: وليسعك بيتك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن سأل عن النجاة: " أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك " [صححه الألبانى]: قال عبدالله بن عباس رضى الله عنهما: " أخسر الناس صفقة من انشغل بالناس عن نفسه، وأخسر منه صفقة من انشغل بنفسه عن الله ".
وقال بعض السلف: " علامة إعراض الله عن العبد انشغاله بما لا يعنيه " وقال بعض السلف أيضا " علامة الافلا س كثرة الحديث عن الناس ".
وقال ابن الجوزى: " إذا رأيت نفسك تأنس بالخلق وتستوحش من الخلوة فاعلم أنك لا تصلح لله "
وقال ابن قدامة: " إذا رأيت الناس يعجبون بك، فاعلم أنهم إنما يعجبون بستر الله عليك، فلا تذب عن الناس الذباب وحجرك مملوء بالعقارب ".
مصيبة عصرنا الانشغال بالناس، ومن الانشغال بغير الله الانشغال بوسائل الاعلام والجرائد والمجلات والتلفاز.. وللاسف الشديد بدأ بعض الاخوة يقتنى التلفاز، وهذه نكسة.. نكسة، قال العلماء: الفتنة ان تستحل ما كنت تراه حراما.. فالذى كان اعتقاده أن التلفزيون حرام وبدأ اليوم يدخله بيته فهو مفتون – كما ذكرنا.
وتجده يقول: أنا أدخلته بيتى لمتابعة نشرة الاخبار لاعرف أحداث العالم، وأشاهد بعض القنوات المفيدة،.. اعلم يا أخى، أن الجلوس اليوم أمام نشرات الاخبار بغير ضوابط فتنة.. نعم: فتنة، لأنك قد تنشغل بالعالم عن نفسك.
إخوتاه، إن ما تشاهدونه فى نشرات الاخبار من أحداث فلسطين – اللهم اكشف عنهم الكربة، اللهم انتقم من اليهود وعجل بزوالهم – وكل ما حصل، لا يساوى عشر معشار واحد على مئة ألف بالنسبة لما حدث فى أماكن أخرى، لكن الاماكن الاخرى أعموها عنكم وعتموا عليها، وهذه فتحوها لكم تشاهدونها.. لماذا؟.. ما السر؟!.. إن النيران التى يؤججونها داخل النفوس لها علة، فتيقظ حتى لا تقع فى الشرك.
إننا – إخوتاه – فى زمن تصغير الكبراء وتصغير المسائل الكبيرة، ولذلك فإن القضية التى تقلقكم دائما، قضية فلسطين.. هذه قضية كبيرة جدا صغروها فى فلسطين، ثم قاموا بتصغيرها أكثر فى القدس.. والقضية أكبر من ذلك، فلو أن اسرائيل أعطت الفلسطينيين دولة مستقلة ذات سيادة وحدود وكفت عن قتل المسلمين.. فهل عندها تنتهى القضية؟ لا.. عندهم انتهت ولكنها عندنا لم تنته ولن تنتهى.. القضية قضية اليهود وليست فلسطين – اللهم انتقم من اليهود. هذا مثال للاعلام فى العالم، فما الفائدة من تضييع طاقات الشباب أمام هذه الشاشات؟!
إن الذين يجلسون اليوم امام التلفاز ويودون أن ينقذوا فلسطين تراهم أكثر الناس ركودا، فترى الواحد منهم ينشغل بسماع الاخبار أكثر من الامساك بالمصحف.. يظل يتكلم فى الاخبار وتنقلها أكثر من ذكر والدعاء.. إذا فالتفرج والانشغال بهذه الترهات لا ينقذ المسلمين.. لابد أن تفهم الوضع.. نريد أن نوقف التفرج والانشغال بالناس، لأنه موقف الضعيف الذليل المتخاذل، ولننشغل بأنفسنا أولا قبل كل شىء، فبصلاح النفس تنصلح الامة ويكون النصر.
ولذلك يقول العلماء عن هذه القضية: الفتنة دوارة، ويسمون ما يجرى الآن " دوامات الفتن "
الدوامة هل رأيتها؟.. الفتنة مثلها دوارة، فمن الممكن وفى دوران الفتنة أن تطالنا.. فوارد جدا أن تجد الاعداء غدا أمام بيتك، فيا ترى – ساعتها – هل ستثبت أم ستبيع دينك؟! وزوجتك ستثبت أم تبيعك؟! وأولادك هل سيثبتون على الدين أم أنهم سيتيهون ويتعلمنون ويتشردون؟!!..
تدبر ما أقول لك وقف مع نفسك وقفة رجل يريد لها النجاة.. انشغل بنفسك وأهل بيتك، قال الله – تعالى -: " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا " (التحريم: 6).
نعـــم: إن انشغالك بنفسك هو الاصل، قال الله: " فقاتل فى سبيل الله لا تكلف الا نفسك "
(النساء: 84)، وقال – تعالى -: " ولا تزر وازرة وزر أخرى " (الانعام: 164)..
فالأصل فى الاسلام: انج بنفسك أولا.
أيها الاخ الكريم، سؤال واضح ومحدد وصريح ويحتاج الى إجابة قاطعة: كيف حالك مع الله؟..
اسألك فى التو واللحظة: الآن، هل الله راض عنك؟ أجب ولا تكن مغرورا.. لو مت اليوم فى لحظتك هذه، هل ستكون من النبى محمج صلى الله عليه وسلم فى الجنة؟!.. هذه هى القضية التى أقصدها.. أن تجعل نفسك قضيتك، ورضا ربك عنك هو موضوعك.
نعم يا شباب: كلنا مشغولون، ولكن 99 % من الشغل بالاخرين، 99 % من الشغل بأنفسنا ليس بالله.. حتى الجزء اليسير الذى ننشغل فيه بأنفسنا لنصلحها لا يكون لله – ولا حول ولا قوة الا بالله -، فاللهم اروقنا الاخلاص واجعلنا من أهله، لذلك لا تغتر بعبادات تؤديها، وقربات تقوم بها، وطاعات تقدمها، وعبادات تغتر بصورها وهى فى الحقيقة من الفتنة.
أيها الاخوة فى الله، أحبتى فى الله، تأملوا معى هذه القصة: خرج رجل من الصوفية الى الخلاء يعبد الله، فوجد فى الصحراء على الارض غرابا أعمى مكسور الجناح، فوقف يتأمل: سبحان الله ! غراب أعمى مكسور الجناح وفى صحراء ! من أين يأكل ويشرب وكيف يعيش؟! فبينما هو ينظر إذ جاء غراب آخر فوقف ففتح الغراب الاعمى فمه، فأطعمه الغراب الاخر فى فمه وسقاه حتى شبع تعجب الرجل وقال: سبحان الله !.. والله لقد أرانى الله آية.. أبعد هذا أسعى من أجل الرزق.. وأوى الى كهف فأقام فيه، فسمع به عالم فسأل عن مكانه، فقالوا: أوى الى كهف يتعبد، فمضى اليه وقال له: ما الذى حملك على ما صنعت؟ فحكى له قصة الغراب، فقال له: سبحان الله ! ولم رضيت أن تكون الاعمى؟!!.
سبحان الله العظيم، كم فى هذه القصة من فوائد !.. منها: تصديق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " نضر الله امرءا سمع مقالتى فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع " [صححه الألبانى]
فالله أرى الآية للرجل الاول، وأما الثانى فسمع بها فقط ولكنه انتفع بها أكثر من الاول، فكان أفضل من الاول، فلم لا تكون الافضل؟!..
لماذا ترضى أن تكون الاعمى؟!، لم لا تكون أنت المبصر وتطعم العمى؟!، لم ترضى الدنية؟! لم تؤثر النوم والكسل؟!.. هذا هو الواقه الآن فى الامة، فشبابها اليوم يفضلون العمى، يريدون ان يناموا وغيرهم يعملوا لهم ينتظرون من يحمل عنهم همومهم، ويحلوا لهم مشاكلهم.
نعم – إخوتاه -: كثير منا يطالب دائما بحقوقه ولا يلتفت الى واجباته.. فقبل أن تطالب بحقك أد ما عليك من واجب، ولاشك أن أول الواجبات علينا أنفسنا.. وللاسف الشديد تجلس مع بعض الاخوة فتجد أحدهم يقول: أنا خائف على الاخ فلان، لأنه ظل أياما لم يصل الفجر.. أقول له: خف أنت على نفسك.
نعـــم: لا مانع من أن نخاف على إخواننا، ولكن لا ينبغى أن ننشغل بعيوبهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرى أحدكم القذاة فى عين أخيه، ولا يرى الجذع فى عين نفسه ". [موقوف على أبى هريرة]
فإذا كنت يا هذا صادقا فى كلمتك " أخاف على فلان " فاذهب اليه سرا، وابحث عنه لعله متورط فى مشكلة، لعل له عذرا، اذهب اليه وساعده على القيام للصلاة، والا فاكفه شرك، ولا تعن الشيطان عليه، وانشغل بنفسك فهذا أولى بك.
الزم نفسك والزمها طاعة الله.. احمل هم نفسك، فهذا أصل من الاصول المهمة.. وليسعك بيتك.. انشغل بإصلاح قلبك، وأمر صلاتك، وذكرك لله، وحفظك للقرآن، وتعلمك للعلم، ودعوتك الى الله، وتربية أولادك وأهل بيتك على الكتاب والسنة.. وليسعك بيتك.
* * *
مختارات