أخلاقه ( صلى الله عليه وسلم ) مع بقية المخلوقات من غير الإنس
(صلى الله عليه وسلم) مع الحيوانات والرفق بها
لقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) على أكمل خُلقٍ قال الله: (إنك لعلى خلقٍ عظيم) القلم: 4 أي أدب رفيع جَم، وقال (عليه الصلاة والسلام): (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)سنن البيهقي الكبرى (10/191)، ومجمع الزوائد (9/15). فهو صاحب أخلاق عالية، يتعامل بها مع الصغير والكبير، والرجل والمرأة، والحيوانات والجمادات.
فقد قال (عليه الصلاة والسلام) في حق الحيوانات: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) وقال: (فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) وقال: (وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة) وقال: (وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) الترمذي (4/23) رقم (1409).
كل هذه الأحاديث وغيرها تدل على حسن خلقه (عليه السلام) مع الحيوانات والرفق بها، ورحمتها فهو رحمة للعالمين، ليس مخصوصاً بالإنس فقط، بل هو مع ذلك رحمة للجن والحيوانات وجميع المخلوقات، وفي هذا المطلب نذكر خلقه (عليه الصلاة والسلام) مع الحيوانات، وكيف كان يتعامل معها برفق ورحمة.
فعن عائشة - رضي الله عنها- قالت: (كان رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) يُصغي الإناء للهرة فتشربُ، ثم يتوضأ بفضلها). رواه الطبراني في الأوسط، وأبو نُعيم في الحلية، وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود رقم (69).
وعن حماد بن سلمة، قال: (سمعت شيخاً من قيسٍ يحدِّث عن أبيه قال: (جاءنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وعندنا بكرةٌ صعبةٌ لا نقدر عليها، فدنا منها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)فمسح ضِرعها فاحتفل فحلب).مجمع الزوائد (3/25)، والمسند (3/73).
عن عبد الله بن جعفر قال أردفني رسول الله (صلى الله عليه وسلم)خلفه ذا يوم فأسر إليَّ حديثا لا أحدث به أحداً من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم)لحاجته هدفاً أو حائش نخل، قال: فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا جملٌ، فلما رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) حن وذرفت عيناه، فأتاه النبيُ (صلى الله عليه وسلم) فمسح ذفراه، فسكت، فقال: (من رب هذا الجمل لمن هذا الجمل؟) فجاء فتىً من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله! فقال: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تجيعه وتدئبه).سنن أبي داود رقم كتاب الجهاد، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم (3/23) رقم (2549)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: (غزوت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)فتلاحقَ بي وتحتي ناضح أعْيا ولا يكاد يَسيرُ حتى ذهب الناس فجعلتُ أرْقيه ويهُّمني شأنه، فإذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في آخر الناس فقال لي: (ما لبعيرك؟) قلت: عليل فمسح في نَحْره من الماء ثم ضربه ودعا له، فوثب ثم قال: (ارْكََبْ باسم الله) قلت: إنِّي أرضى أن يساق معنا، قال (اركب) فركبت، فوالذي نفسي بيده، لقد رأيْتني وإني لأكفه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إرادة ألا يسْبقه فما رَكبْتُ دابَّة قبله، ولا بَعْده أوسع ولا أوطأ منه، وما زال بين الإبل يسير قدَّامها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (كيف ترى بعيرك؟) قلت: بخير، قد أصابته بركتك)البخاري، الفتح، (4/320) رقم (2967) كتاب الجهاد والسير، باب استئذان الرجل الإمام.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: (نهى رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) أن تُصبَّرَ البهائم).صحيح مسلم (3/1549) رقم (1956) كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان،باب النهي عن صبر البهائم.
وعن ابن عباس قال: (أن النبي (صلى الله عليه وسلم)قال: (لا تتخذوا شيئاً فيه الروحُ غرضاً) صحيح مسلم (3/1549) رقم (1957) كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوانات، باب النهي عن صبر البهائم.
وعن جابرٍ - رضي الله عنه – قال: (نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يُقتل شيء من الدواب صبراً)صحيح مسلم (3/1550) رقم (1659) كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوانات، باب النهي عن صبر البهائم.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أتى رجلاً من الأنصار فأخذ الشفرة ليذبح لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال له رسول الله: (إياك والحلوب1) صحيح ابن ماجه للألباني رقم (2593) كتاب الذبائح، باب النهي عن ذبح ذوات الدر.
وعن جابر - رضي الله عنه – قال: (مر عليه (صلى الله عليه وسلم) بحمار قد وسم في وجهه فقال أما بلغكم أني قد لعنت من وسم بهيمة في وجهها وضربها في وجهها ونهى عن ذلك) سنن أبي داود كتاب الجهاد، باب النهي عن الوسم في الوجه والضرب في الوجه (3/26) رقم (2564).
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما- أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (نهى عن خِصاءِ الخيل والبهائمِ).مسند أحمد وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (478).
وعن ابن عمر قال: (نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الإخصاءِ) رواه ابن عساكر، وصححه الألباني في صحيح الجامع (476) في تخريج الحلال والحرام.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما – أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (نهى عن قتل أربع من الدوابّ: النملة والنحلة والهدهد والصرد)رواه أبو داود كتاب الأدب، باب قتل الذر، وصححه الألباني في كتابه الإرواء رقم (2289).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)قال: (دخلت امرأة النار من جراء (أي من أجلها) هرةٍ لها أو هرٍّ ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها ترمرم (أي تتناول ذلك بشفتيها) من خشاش الأرض، حتى ماتت هزلاً).صحيح مسلم (4/2023) رقم (2619) كتاب البر والصلة والآدب، باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوانات.
وعن زيد بن خالد - رضي الله عنه - أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (لا تسبُّوا الديكَ، فإنه يوقظ للصلاةِ) رواه أبو داود، كتاب الأدب، باب ما جاء في الديك والبهائم. وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (4254).
كان العباس يَسيرُ مع النبي (صلى الله عليه وسلم) على بعير قد وشمه في وجههِ بالنار، فقال: (ما هذا الميسمُ يا عبَّاسُ؟) قال: ميسمٌ كنا نسمه في الجاهلية، فقال: (لا تسموا بالحريق)، يعني في الوجه).المعجم الكبير وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (305).
وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (لا تمثلوا بالبهائم)سنن النسائي، كتاب الضحايا، باب النهي عن المجثمة (3/72) رقم (4529)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7451).
وعن سهل بن عمرو - رضي الله عنه - قال: (مرَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)ببعير قد لحق ظهرهُ ببطنه فقال: (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحةً وكلوها صالحة). سنن أبي داود،كتاب الأدب، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (104).
روى الطبراني بسند صحيح عن فضالة بن عبيد، قال: غزا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (غزوت تبوك، فجهد الظهرُ جهداً شديداً فشكوا ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورآهُم رجالاً لا يزجون ظهرهم، فوقف في مضيق، والناس يمُّرون فيه فنفخ فيها نفخاً وقال: (اللهم بارك فيها واحمل عليها سبيلك، فإنك تحمل على القويِّ والضعيف والرَّطب واليابس في البر والبحر). فاستمرت فما دخلت المدينة إلا وهي تنازعنا أزمتها)رواه الطبراني في الكبير (11/376) و المجمع (6/196) وفيه يرحون بدل من يزجون.
وعن ابن مسعود، قال: (كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سفر فمررنا بشجرة فيها فرخان لحمرة، فأخذناهما، فجاءت الحمرة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهي تقرس يعني تقرب من الأرض وترفرف بجناحها، فقال: (فمن فجع هذه بفرخيها؟) قال: فقلنا: نحن، قال: (ردوهما) فرددناهما إلى موضعهما، فلم ترجع)أخرجه البيهقي في الدلائل (6/33) والحاكم (4/239).
عن نافع بن الحارث بن كلدة - رضي الله عنه - قال: (كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سفر وكنَّا زُهاء أربعمائة فنزلنا منزلاً في موضع ليس فيه ماءُ فشق على أصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) فجاءت شاةُ لها قرْنان فقامت بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فحلبها، فشرب حتى روي وسقى أصحابه حتى رَوُوا ثم قال: (يا نافعُ احفظها الليلة، وما أراك تملكها). قال: فأخذتها فوتدت لها في الأرض، ثم أخذت رباطاً فربطتها فاستوثقت منها، ثم قمتُ بعض الليل فلم أر الشاة، ورأيت الحبل مطروحاً فأخبرت النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: (ذهب بها الذي جاء بها).أخرجه الحاكم في المستدرك (4/211)، والبيهقي في الدلائل (6/137)، وابن كثير في البداية (6/119).
عن ابن عباس - رضي الله عنه – قال: (مَرَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) برجل وضع رجله على صفحة شاة، وهو يحد شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، قال: (أفلا قتل هذه أتريد أن تميتها ميتتين). البيهقي في السنن الكبرى (9/280).
عن أبي هريرة أن النبي قال: (بينا رجلٌ بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملاخفه ماءً فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يارسول الله وإن لنا في البهائم لأجراً فقال: (في كل ذات كبد رطبة أجر).البخاري، الفتح، (5/136) رقم (2466) كتاب المظالم والغضب، الآبار على الطرق إذا لم يتأذبها.
وفي مسلم: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)صحيح مسلم (3/1189) رقم (1553) كتاب المساقاة، باب فضل الغرس والزرع.
وفي مسلم وغيره قوله (صلى الله عليه وسلم): (إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض). صحيح مسلم (3/1525) رقم (1926) كتاب الإمارة، باب مراعاة مصلحة الدواب في السير والنهي عن التعريس.
وعن شداد بن أوس قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته).صحيح مسلم (3/1548) رقم (1955) كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان وغيرها، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة.
هذا ما تيسر ذكره من هذا المبحث، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 - الحلوب: ذات اللبن.
مختارات