البارئ
أولا / المعنى اللغوي:
بريء إذا تخلص، وبريء إذا تنزه وتباعد.
برؤ بضم الراء أي خلا من العيب أو التهمة، وأبرأ فلانا من حق له عليه أي خلصه منه وبرئ المريض أي شفي من مرضه، وبرأ الله الشيء أي خلقه صالحا ومناسبا للمهمة والغاية التي ابتغاها من خلقه، ومنه بريت القلم أي جعلته صالحا للكتابة، والاسم بارئ
وقال ابن الأثير: البارئ: هو الذي خلق الخلق، لا عن مثال، إلا أنَّ لهذه اللفظة من الاختصاص بالحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات، وقلما تستعمل في غير الحيوان، فيقال: برأ الله النسمة، وخلق السماوات والأرض
المعنى في حق الله تعالى:
والبارئ اسم من أسماء الله الحسنى، فإذا قلنا خلق الله عز وجل الإنسان فمعنى ذلك أنه استحدثه وأوجده من العدم المطلق، وإذا قلنا برأالله الإنسان فمعنى ذلك أنه استحدثه وأوجده من العدم المطلق في خلقة تناسب المهمة والغاية التي خلق من أجلها.
فالباريء سبحانه يهيئ ما خلقه لمهمته.
ثانيا / وروده في القرآن الكريم:
ورد هذا الاسم في قولـه تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ} الحشر: 24.
وقولـه: {فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} البقرة: 54.
ولم يرد في السنة صريحا وإن ورد معناه ومن ذلك: حديث أبي جحيفة؛ قال: سألت علياً رضي الله عنه: هل عندكم شيء ما ليس في القرآن؟ فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة؛ ما عندنا إلا ما في القرآن؛ إلا فهماً في كتابه....)
وحديث أتاني جبريل، فقال: يا محمد ! قل، قلت: وما أقول؟ قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامات، التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق، وذرأ، وبرأ، و من شر ما ينزل من السماء و من شر ما يعرج فيها و من شر ما ذرأ في الأرض وبرأ ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق يطرق، إلا طارقا يطرق بخير، يا رحمن !
+%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%8A%D8%A9+-+%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D9%8A%D8%A9+-+%D9%85%D9%86+%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB+%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%86+%D8%A8%D9%86+%D8%AE%D9%86%D8%A8%D8%B4
ثالثا /تأملات في رحاب الاسم الجليل:
البارئ لا يخلق الشيء إلا مناسبا للغاية التي أرادها من خلقه.
وإذا تأملنا الكون المحيط بنا سنلاحظ أن الله عز وجل قد خلق كل شيء صالحا لمهمته مناسبا للغاية من خلقه ومتوائما مع المحيط الذي وضع فيه.
فالإنسان خلق ليكون خليفة الله عز وجل على الأرض وليكون عارفا بالله عابدا له متأملا في ملكوته لذلك برأه في خلقة تناسب جلال الغاية فبرأه أي خلقه في أحس تقويم.. أي أحسن هيئة ؛ فجعله أحسن المخلوقات من حيث التركيب ومن حيث الشكل ؛ وميزه بالعقل، وجعل له وسيلة للتعبير والبيان فخلق له لسانا مبينا.
يا من يحار الفهم في قدرتك --- وتطلب النفس حمى طاعتك
وتخفي عن الناس سنا طلعتك --- وكل الخلق من صنعتك
فسبحان الذي أتقن كل شئ خلقه
ولنتأمل كيف جعل الله ماء الأذن مرا لكي يقتل الحشــرات والأجزاء الصغيـرة التي تدخل الأذن.
وجعل ماء العيـــــن مالحاً.. ليحفظهـا لأن شحمتهـا قابله للفساد فكانت
ملاحتهــا صيانة لها
وجعل ماء الفـــــــــم عذبا.. لــيدرك طعم الأشياء على ما هي عليـه إذا لو كانت على غـــير هذا لما استطعم الإنسان طعم ما يأكله قال تعالى: (وفي أنفسكــــــــــــم أفلا تبصـــــــــــــرون)
حكمة الله في خلق المعاقين:
المعاق هو الذي أصابه نقص أو قصور عن الإنسان السوي في بدنه أو عقله، كمن فقد بصره، أو سمعه، أو بعضاً من ذلك أو فقد القدرة على تحريك طرف من أطرافه أو أكثر، وكذلك من فقد جزءاً من عقله يجعله دون الإنسان السوي.
فما الحكمة الإلهية من ذلك؟
إن من أصول الدين الإيمان بحكمة الله سبحانه وتعالى في خلقه وأمره، وفي قدره وشرعه، بمعنى أنه لا يخلق شيئا عبثا، ولا يشرع ما لا مصلحة فيه للعباد، فكل ما في الوجود فهو بقدرته ومشيئته، قال تعالى: (الله خالق كل شيء) وقد اقتضت حكمته البالغة خلق الأضداد، فخلق الليل والنهار، والطيب والخبيث، والحسن والقبيح، وفاضل بين العباد في أبدانهم وفي عقولهم، فجعل منهم الغني والفقير، والسليم والسقيم، والعاقل وغير العاقل.
وقد جعل النقص في بعض خلقه لحكم عظيمة منها:
1. تعظيم المؤمن نعمة الله عليه ؛ فالمؤمن المعافى إذا شاهد المعوقين عرف نعمة الله عليه فشكره على إنعامه، وسأله العافية، وعلم أن الله على كل شيء قدير.
2. الابتلاء: فيبتلي عباده المؤمنين بما يصيبهم من مختلف أنواع المصائب في أنفسهم، وأولادهم، وأحبابهم، وأموالهم؛ ليعلم الله سبحانه -علماً ظاهراً- المؤمن الصابر المحتسب من غيره، فيكون ذلك سبباً لنيله الثواب العظيم من الله جل شأنه، وقال سبحانه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة: 155/ 156 /157
3. كما أن المصائب -من الأمراض والعاهات والأحزان- سبب في حط خطايا وتكفير ذنوب المؤمن، فقد ثبت في أحاديث كثيرة أنها تحط الخطايا، فعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما يصيب المؤمن من وصب (مرض)ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به سيئاته " أخرجه البخاري ومسلم
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً، قال: " أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم " قلت أذلك بأن لك أجرين؟ قال: " أجل ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها " أخرجه البخاري ومسلم
4- وقد تكون الأمراض ونحوها عقوبة، ومع ذلك تكون كفارة لمن أصابته إذا صبر واحتسب لعموم ما تقدم من النصوص. ولقوله سبحانه: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) الشورى 30
5- أن يعلم الناس قدرة الله عليهم، وأنه هو الذي يملك نفعهم وضرهـم كما قال تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} (فاطر:2)
6- أن يتذكر -من يعافيه الله- نعمة ربه وإحسانه فيشكره على ذلك، ويعلم فضل الله عليه وإحسانه إليه أن لم يصبه بما أصاب غيره.
7- أن الله ما سلب نعمة عن أحد إلا وعوضه عنها نعما أخرى في الدنيا فضلا عن الجزاء الجزيل في الآخرة وقد رأينا كيف من ابتلاهم الله بالعمى مثلا كيف آتاهم الله قدرة فائقة على الحفظ والفهم وأمثلة هذا كثير.
والعباد عاجزون عن الإحاطة بحكمته، لا يٌسأل عما يفعل وهم يسألون سبحانه وتعالى، فما علمنا من حكمة نؤمن به، وما عجزنا عنه نسلّم فيه لله قائلين: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
خلق الله للحيوان:
وإذا تأملنا سائر الكائنات التي سخرها الله لنا سنجد أن الله قد برأ كل كائن – أي خلقه مناسبا لمهمته - فالناقة والحمار لديهما من القوة ما يمكنهما من حمل الإنسان وأثقاله إلى الأماكن المتباعدة.
والحصان أوتي قدرا من السرعة ليتمكن به الإنسان من قطع المسافات البعيدة في أزمنة قصيرة.
والبقر أوتي لحما كثيرا ليمد الإنسان بالغذاء الذي يحتاج إليه من البروتين وغيره من المواد الغذائية، وأجرى الله في بطونه لبنا نقيا سائغا للشاربين كما قال جل وعلا: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ) سورة النحل66
الجمل سفينة الصحراء:
قال تعالى: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) الغاشية 17.
الجمل عند العرب يعرف بسفينة الصحراء فلنتأمل كيف هيأه الله لهذه المهمة
أذناه: صغيرتان قليلتا البروز، فضلاً عن أن الشعر يغطيها من كل جانب ليقيها من الرمال التي تحملها الرياح.
منخراه: يتخذان شكل شقين ضيقين محاطين بالشعر وحافتهما لحمية مما يسمح للجمل أن يغلقهما أمام ما تحمله الرياح إلى رئتيه من دقائق الرمال.
عيناه: مقعرة بمعنى أنها ترى الأشياء الصغيرة مكبرة ؛ فنجد الصبي الصغير يقود جملا ضخما
خفه: عريض ليمشي به في الصحراء يغلفه جلد قوي غليظ يضم وسادة عريضة لينة تتسع عندما يدوس الجمل بها فوق الأرض، ومن ثم يستطيع السير فوق أكثر الرمل نعومة، وهو ما يصعب على أية دابة.
مشافره: (ويقابلها عند الإنسان الشفتين) كبيرة حتى يستطيع أن يأكل عشب الصحراء الذي فيه شوك.
سنامه:يخزن فيه الدهون ليحتمل الجوع أياما.
والكرش: يخزن فيه الماء ليحتمل العطش
عظامه: قوية طويلة لحمل الأثقال والأحمال
قوائمه: طويلة تساعده على اتساع الخطو وخفة الحركة
وعلوه عن الأرض سبب لنجاة راكبه من أذى السباع بالصحراء.
تهيئة الكون وطفرة الاتصالات والمعلومات:
التلفاز والمذياع نظرية عملهما تقوم على تحويل الصوت والصورة إلى موجات كهربائية لها تردد، هذه الموجات تنتقل عبر الهواء أو الأثير، ثم يتم استقبالها بواسطة أجهزة استقبال، ثم يتم تحويل هذه الموجات الكهربائية إلى صوت أو صورة مرة أخرى من خلال التلفاز أو المذياع.
هل الإنسان هو الذي جعل الهواء قادرا على نقل الموجات اللاسلكية؟
لا شك أن الله عز وجل هو الذي برأ الهواء أي خلقه بما له من خصائص ليناسب المهمة والغاية التي ابتغاها من خلقه.. فهو الذي جعل فيه الأكسجين اللازم لتنفس الإنسان وثاني أكسيد الكربون اللازم لتنفس النبات، وجعل فيه من الخاصية ما يمكنه من نقل الموجات الكهربائية واللاسلكية، فهو جل وعلا يعلم بعلمه الأزلي وأراد بمشيئته أن يمكن الإنسان في يوم من الأيام من اختراع أجهزة لنقل الصوت والصورة.. هذا اليوم الذي سيزداد فيه أهل الأرض وتتباعد بينهم المسافات فيستلزم الأمر وسائل للتعارف وتبادل العلوم، فهو جل وعلا القائل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)الحجرات 13
وهو سبحانه المتكفل بأن يظل هذا التعارف قائما لا يحول دونه بحار أو محيطات أو جبال أو تلال، وهذا ما حققته الأجهزة الحديثة للاتصالات والتي اخترعت من مواد لها خصائص معينة، هذه خصائص كما قلنا لازمتها منذ أن خلقها الله عز وجل.
تطور وسائل النقل:
وخلق الله عز وجل المعدن الذي استخدمه الإنسان في تصنيع هذه الوسائل (طائرات، بواخر، سيارات) وهو سبحانه الذي خلق البترول بما له من خاصية الاشتعال وتوليد الطاقة، وأودعه في باطن الأرض حتى يحين ميعاد استخراجه واستخدامه، فينتقل الإنسان من مكان لآخر، مع الرواج التجاري والاقتصادي في أنحاء الأرض.
ثمار الإيمان بالاسم الجليل:
1- الإيمان بأن الله أوجد خلقه من العدم وأنعم عليهم بنعمة الوجود وهيأ كل مخلوق لما خلق له.
2- أن وجود بعض النقص والآفات في بعض المخلوقات ابتلاء لهم وتذكيرا للمعافين بنعم الله عليهم وليعلم الناس قدرة الله عليهم، وأنه هو الذي يملك نفعهم وضرهـم.
3- أن ينعم كل واحد منا بنعم الله عليه وما هيأه له من عقل وقوة في البدن واستغلال المواهب والقدرة في عمارة الأرض ونفع الخلق ويشكر الله على ما أعطاه.
4- أن الله هيأ هذا الكون للإنسان ليتفاعل معه ويستغل ما سخره الله له في الكون على وجهه الصحيح، وقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة البقرة التي ركبها رجل فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث !!!
والقصة رواها البخاري عن أبي هريرة قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال: بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث فقال الناس: سبحان الله بقرة تكلم فقال: فإني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم (ليسا موجودين)وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة فطلب حتى كأنه استنقذها منه فقال له الذئب: هذا استنقدتها مني فمن لها يوم السبع يوم لا راعى لها غيري فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم قال: فإني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر.
فالشاهد أن البقرة تعلم أنها خلقت للحرث وليس للركوب فأولى بالإنسان أن يكون مدركا لغاية وجوده، مكتشفا للكون حوله وخصائص الأشياء ويتفاعل معها وينتج ويبدع.
5- فهم هذا الاسم وأن الله هيأ كل واحد منا وله من العقل والقدرات ما يناسبه له معنى تربوي كبير، فالكثير منا يخطيء في تربية أولاده فهو يريد أن يوجه ابنه لما يريد هو... لا ما يتفق مع مواهبه وقدراته، حتى إننا نجد كثيرا من الناس يحلمون بأن يكون أبناؤهم إما أطباء أو ضباط شرطة،لضمان الوجهة الاجتماعية والغنى لأبنائهم -كما يتوهمون - بل واشتهر ما يعرف الآن بظاهرة التوريث فالطبيب يريد لابنه أن يكون طبيبا ، والأستاذ الجامعي يريد أن يخلفه ابنه في الجامعة....هذا كله جهل بسنن الله في الكون وأنه بناه على التنوع والتعدد.
مختارات