اتـّبـاع السنة
السنة كما قال الإمام مالك رحمه الله: مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق، التخلف عنها أي عدم العمل بها واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، فإنه يكون فريسة سهلة تسقط في شراك الشيطان، ولهذا قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: " ولست تاركأً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، وإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ " (1).
قال الحسن البصري: " السنة- والله الذي لا إله إلا هو- بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها- رحمكم الله- ف إن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مع أهل الأتراف في أترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم فكذلك إن شاء الله تكونوا " (2).
والرسول صلى الله عليه وسلم يرغبنا في اتباع السنة ويحذرنا من الأهواء والزيغ في حديث رائع التصوير: عن معاوية رضي الله عنه قال: قام فينا رسول اله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عروق ولا مفصل إلا دخله» (3).
والكلب داءيصيب الإنسان إذا عضه كلب مصاب بهذا الداء، فلا يبقى في الجسم جزء ولا مفصل ولا غيرهما إلا دخله ذلك الداء، وهو جريان لا يقبل العلاج، ولا ينفع فيه الدواء، وكذلك صاحب الأهواء إذا دخلت قلبه وأشرب حبها لا تعمل فيه الموعظة ولا تؤثر فيه النصيحة.
وفي زماننا هذا غابت السنة وغلب الهوى، والنتيجة أن تبدلت المفاهيم والقيم:
صار المعروف منكراً والمنكر معروفاً.. انقلب العدو صديقاً وعاد الصديق عدواً.. أُمر بالرذيلة وحوربت الفضيلة.. طمست نجوم الهدى وبرز عشاق الهوى.. حل التخشع مكان الخشوع.. والخيانة محل الأمانة، والمراقص محل المساجد، والخليلات محل الزوجات، والهدم محل البناء، وبدلاً من الزحف لتحرير المقدسات كان الزحف لإحراز الميداليات، وبدلاً من حشد الأمة لمواجهة الأعداء كان حشدها لشهود حفلات الرقص والغناء، وأصبح حالنا كما وصفنا أبو الدرداء: " لو خرج رسول الله عليكم ما عرف شيئاً مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة، قال الأوزاعي: فكيف لو كان اليوم؟ قال عيسى بن يونس: فكيف لو أدرك الأوزاعي هذا الزمان؟ " (4).
ونحن بدورنا نقول: فكيف لو أدرك عيسى بن يونس هذا الزمان؟
فالتزم سنة نبيك وإلا لست منه وليس منك، أليس القائل: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» (5)، لست منه في الدنياولا في الآخرة فتطرد عن حوضه، ومتبعو سنته ينهلون من بين يديه شربة هنيئة مريئة لا يظمأون بعدها أبداً.
هذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك: «ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض، حتى إذا رأيتهم عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول أصحابي أصحابي، فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» (6).
واحذر أن تحقق وأنت لا تشعر قولة الأوزاعي: " يأتي على الناس زمان أقل شيء في ذلك الزمان أخ مؤنس، أو درهم من حلال، أو عمل في سنة " (7).
سباق نحو الجنان
خالد أحمد أبو شادي
دار البشير
__________________________________________________
(1) رواه الشيخان عن أبي بكر الصديق كما في اللؤلؤ والمرجان رقم (1150).
(2) إغاثة اللهفان لابن القيم (1/ 70).
(3) رواه أحمد وأبو داود كما في صحيح الترغيب والترهيب رقم (49).
(4) الاعتصام ص_20)- أبو إسحاق الشاطبي- ط دار التحرير للطبع والنشر.
(5) رواه الشيخان والنسائي وابن ماجه عن أنس.
(6) رواه الشيخان عن حذيفة وأحمد عن أنس كما في ص ج ص رقم (5244).
(7) حلية الأولياء (8/ 355).
مختارات