بين سجدة وسجدة..
على أبواب المسجد في صلاة الفجر
جمعني الباب بشاب صغير من عمال النظافة قد توضأ ويهم بالدخول للصلاة
جئت من بيتي
وجاء من الشارع
وأنا في بلدي
وهو في غربته على بعد آلاف الأميال.
للتو كنت مع أسرتي
وهو وحيد هنا لا والدة ولا أهل ولا ولد
أوقفت سيارتي عند باب المسجد وقد أتى ماشيا
سأعود للبيت بعد الصلاة للراحة والنوم
وهو إلى التعب والشمس ومعالجة تنظيف الشوارع من سفه الناس.
توضأت في البيت
هو انتظر حتى فتحت أبواب المسجد ليتوضأ
لا أدري أين مكان سكنه ولا مقدار راتبه ولا الطعام الذي يأكله لكنني متأكد أنه يعاني منها جميعا
قادم من أسرة فقيرة ولا بد
وهناك من ينتظر تحويلاته
لم أستوقفه لأسأله عن مشاعره وأحزانه وأشواقه لكنها مرتسمة على وجهه.
قمنا متجاورين في الصلاة نقوم ونركع ونسجد
في الأرض وقعت جباهنا معا
الفقير المتعب الغريب بجوار المغمور بنعم الراحة والغنى والأهل.
.
في مقام العبودية تترجح الكفة له
كلانا من بني آدم
من نفس الطين والتراب
بلا امتيازات عند الله لأحد.
لا شيء من كل هذه الفروق الدنيوية يعني خيرية لأكثرنا حظا منها.
لكنه الابتلاء
قلت لنفسي:
كان يمكن أن تكون أنت
من وضع المكنسة عند الباب ليرى رجلا آخر ترجل بثيابه النظيفة من السيارة الفارهة.
لحكمة الابتلاء
ولدت هنا وتيسرت لك الدراسة والوظيفة والمال والتعلم والأهل والأولاد
بينما ولد صاحبي في بلد فقير لم يطق والداه تكاليف الدراسة بل ولم يقدرا على إطعامه فأرسلوه وهو حديث عهد بالطفولة لبلد بعيد يواجه متاعب الحياة وحده في أرض لا تفهمه
فهو فيها أعجمي الوجه واليد واللسان.
كان من الممكن أن أكون أنا (هو).
أيهما أعظم سجدة؟
شابٌ حياته منذ ولد في معاناة وفقر وكبد وجوع وخوف
شاب غريب وضع عربة النظافة وهو منذ السحر يطوف الشوارع
ثم جاء يصلي لله
لم يأمره أحد
يصلي لربه الذي أحبه وعظمه
وبين سجدة رجل جاء من الفراش الناعم في السيارة المترفه من البيت الجميل وبيته ممتلئ بالطعام واللباس والشراب.
أشعر بالحياء من سجدتك يا صاحبي.
.
مختارات

