فقه الإيمان بالرسل (١)
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (١٥٢)} [النساء: ١٥٢].
وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩)} [آل عمران: ١٧٩].
الإيمان بالرسل:
هو التصديق الجازم بأن الله عزَّ وجلَّ، بعث في كل أمة رسولاً، يدعوهم إلى الإيمان بالله، وعبادته وحده، واجتناب ما يعبد من دونه.
وأنهم جميعاً مرسلون صادقون، وقد بلغوا جميع ما أرسلهم الله به.
منهم من أعلمنا الله باسمه، ومنهم من استأثر الله بعلمه.
والرسول هو من أوحى الله إليه بشرع، وأمره بتبليغه إلى من لا يعلمه، أو يعلمه ولكنه خالفه.
والنبي من أوحى الله إليه بشرع سابق، ليعلم من حوله من أصحاب ذلك الشرع ويجدده.
فكل رسول نبي ولا عكس، ويطلق الرسول على النبي، والنبي على الرسول، فإذا اجتمعا في آية فلكل معناه.
وقد بعث الله إلى كل أمة رسولاً كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦].
وعدد الأنبياء والرسل لا يعلمه إلا الله.
منهم من بين الله أسماءهم في القرآن، وقص علينا أخبارهم وهم خمسة وعشرون:
آدم.
ونوح.
وإدريس.
وهود.
وصالح.
وشعيب.
وإبراهيم.
وإسحاق.
وإسماعيل.
ويعقوب.
ويوسف.
وموسى.
وهارون.
وداود.
وسليمان.
وأيوب.
واليسع.
ويونس.
ولوط.
وإلياس.
وزكريا.
ويحيى.
وذو الكفل.
وعيسى.
ومحمد.
صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فنؤمن بهؤلاء جميعاً وبما جاء من أخبارهم وقصصهم.
ومن الأنبياء والرسل من لم نعلم أسماءهم، ولم يقص الله علينا خبرهم، فنؤمن بهم إجمالاً تصديقاً لخبر الله عنهم كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨)} [غافر: ٧٨].
وأولو العزم من الرسل خمسة ذكرهم الله بقوله سبحانه: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣)} [الشورى: ١٣].
وأول الرسل من ذرية آدم نوح، وآخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد بعث الله كل رسول إلى قومه خاصة، وبعث رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، أرسله الله رحمة للعالمين كما قال سبحانه: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠].
وهو رسول الله بالإٍسلام إلى الناس كافة كما قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢٨)} [سبأ: ٢٨].
وقد أرسل الله الرسل لدعوة الناس إلى عبادة الله وحده، وتحذيرهم من عبادة ما سواه كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦].
وأمرهم الله ببيان الطريق الموصل إليه، وما للناس بعد القدوم عليه وإقامة الحجة على الناس، وأرسلهم رحمة للناس كما قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧].
وجميع الأنبياء والرسل رجال من البشر اصطفاهم الله بالرسالة، واجتباهم من بين سائر عباده، وفضلهم بالنبوة والرسالة.
والأنبياء بشر مخلوقون يأكلون ويشربون.
ويقومون وينامون.
ويسهون وينسون.
ويصيبهم المرض والموت.
وهم كغيرهم لا يملكون شيئاً من خصائص الربوبية والألوهية، فلا يملكون النفع والضر لأحد إلا ما شاء الله، ولا يملكون شيئاً من خزائن الله، ولا يعلمون الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه كما قال الله عزَّ وجلَّ لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨)} [الأعراف: ١٨٨].
والأنبياء والرسل أطهر البشر قلوباً، وأصدقهم إيماناً، وأكملهم ديناً، وأحسنهم أخلاقاً، وأقواهم عبودية، اصطفاهم بالوحي والرسالة، وأمرهم بإبلاغها إلى الناس، ووعدهم على ذلك الجنة، وقد صدقوا وبلغوا عليهم الصلاة والسلام.
فيجب علينا الإيمان بجميع الأنبياء والرسل، ومحبتهم، ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بهم جميعاً.
ويجب تصديق ما صح عنهم من أخبارهم مع أممهم، والاقتداء بهم في صدق الإيمان، وكمال التوحيد، وحسن الخلق، والعمل بشريعة من أرسل إلينا منهم، وهو خاتمهم وأفضلهم وسيدهم، المرسل إلى الناس كافة، وإلى العالم قاطبة محمد - صلى الله عليه وسلم -: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦)} [البقرة: ١٣٦].
وعلينا محبة جميع أنبياء الله ورسله، والثناء عليهم من غير إطراء، وتوقيرهم، لأنهم رسل الله قاموا بعبادته، وإبلاغ رسالاته، والنصح لعباده وصبروا على ذلك.
ألا ما أعظم رحمة الله بعباده، وشدة عنايته بخلقه، حيث أرسل إليهم الرسل يدعونهم إلى ربهم، ويبينون لهم كيف يعبدونه.
فلله الحمد والشكر على نعمه التي لا تحصى في الأولين والآخرين.
هو أحق من عُبد، وأحق من حُمد، وأكرم من سُئل، وأرأف من مَلك، وأعظم من عَفا.
ورسل الله إلى خلقه هم أفضل البشر على الإطلاق.
لأنهم يدعون الناس إلى ربهم، ويهدونهم إلى خالقهم، ويتعبون من أجل راحتهم.
فما أسعد من آمن بهم، وتشرف بصحبتهم واتباعهم، وما أحسن صحبتهم في الدنيا والآخرة، وإنما ينال العبد ذلك إذا أطاع الله ورسوله كما قال سبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (٧٠)} [النساء: ٦٩، ٧٠].
وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ذاقوا طعم صحبته في الدنيا يتشوقون إلى صحبته في الآخرة، فقد كان أمر الصحبة في الآخرة يشغل قلوبهم وأرواحهم.
وإنه حقاً لأمر يشغل كل قلب ذاق محبة هذا الرسول الكريم، وعرف ما قام به، وما جاء به من الخير.
عن رَبِيعَةُ ابْنُ كَعْبٍ الأسْلَمِيُّ، قال: كُنْتُ أبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ، فَأتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ.
فَقَالَ لِي: «سَلْ».
فَقُلْتُ: أسْألُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ.
قال: «أوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟».
قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ.
قال: «فَأعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» أخرجه مسلم (١).
وقيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ» متفق عليه (٢).
وهذه المحبة للرسل إنما تنشأ من معرفة عظمة ما جاءوا به من الخير.
ومن حسن أخلاقهم.
ومن معرفة رحمتهم للبشر.
وبذلهم ومواساتهم.
ومن صبرهم وتحملهم من أجل هداية البشرية.
ومن معرفة كمال عبوديتهم لربهم.
وشكرهم لمولاهم.
(١) أخرجه مسلم برقم (٤٨٩).
(٢) متقق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦١٧٠) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٦٤١).
مختارات

