قصة الرجل الذي قتل مائة شخص..
قال صلى الله عليه وسلم: كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنساناً فأراد أن يتوب، فخرج يسأل الناس، فدلّوه على عابد، فأتى الراهب فسأله هل لي من توبة ؟
قال: لا، فقتله، ثم جعل يسأل الناس، فدلّوه على عالم، فجاء عنده فقال: هل لي من توبة ؟ فقال العالم: ومن يحول بينك وبين التوبة، اخرج من القرية الخبيثة، إلى القرية الصالحة، قرية كذا وكذا، واعبد ربك فيها.
وخرج من القرية، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط.
فأتاهم ملَك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم،فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو لها، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة، وفي رواية " فأوحى الله إلى هذه أن تقاربي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له.
رواه البخاري وغيره بألفاظ متقاربة.
الفوائد من القصة:
1- القصص وسيلة مهمة في التأثير في الناس وفي الأسرة، وربنا تبارك وتعالى يقول " لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ".
2- البيئة التي يعيش فيها الشخص تؤثر على سلوكه وأفكاره، فانظر في هذا القاتل الذي عاش بين بيئة سيئة لم يقدر على ترك المعاصي إلا حينما غادر تلك القرية، وهكذا ننصح كل من ابتلي بالذنوب الكبار أن يبتعد عن أصدقاء السوء، وليس شرطاً أن يسافر لبلد آخر.
3- مهما فعل الإنسان من الذنوب فإنها لاتزيده إلا همّاً وضيقاً، فهذا القاتل لم يجد راحته في القتل والأذى ولهذا وجد في نفسه رغبة في تغيير هذه الحياة إلى حياة أفضل وهي حياة الرجوع إلى الله تعالى.
4- رحمة الله بعباده حيث أنه يجعلهم يفكرون بالتوبة مع أنه غني عنهم، وانظر في هذا القاتل ياترى من الذي جعله يبحث عن التوبة، إنه الله التواب، قال تعالى " والله يريد أن يتوب عليكم ".
5- الناس يغترون بالمظاهر، ولهذا أرشدوا هذا التائب لسؤال العابد لأنه يرونه صالحاً، والواجب أن يرشدوا السائل للشخص المتخصص في العلم والإرشاد، لأن العابد المتفرغ للعبادة قد لايعرف الإرشاد التربوي للناس كما جرى هنا في هذه القصة.
6- حينما يسألك شخص عن شيء ليس من تخصصك فالأولى أن لاتجيب بل ترشد السائل لسؤال المختصين في أي مجال سواء في المجال الديني أو الدنيوي، وهذا فيه مصلحة لك وللسائل، أما مصلحتك فهي أن تسلم من الإثم لأنك لو أرشدت السائل بغير علم فإنك تأثم، وأما المصلحة للسائل فهي أن يعرف الجواب الصحيح لمسألته، ولهذا فإن الفتاوى الصادرة من غير المتخصصين في العلم أوقعت الضرر بالمجتمع في قضايا كثيرة.
7- الصدق مع الله في التوبة يصنع العجائب، فانظر في هذا القاتل لما صدق مع الله في التوبة، وخرج من قرية السوء لأجل أن يغير من حياته، حقق الله له هذه الكرامة العجيبة في وفاته، أن تحركت له القرية الصالحة وتقاربت من جسده، وتباعدت منه القرية السيئة، وهذا من أعجب العجب أن تتحرك قرية من مكانها، فسبحانك يارب ما أعظم شأنك وما أوسع رحمتك.
8- سعة المغفرة عند الله كما قال تعالى " إن ربك واسع المغفرة " وتأمل كيف غفر الله لهذا القاتل كل تلك الجرائم بسبب توبته الصادقة، مع أنه لم يصل للقرية الصالحة ليفعل الكثير من الصالحات.
9- الله يحب التوابين ويفتح لهم أبواب رحمته وخزائن جوده، وهذه رسالة لكل من أسرف على نفسه بالذنوب أن يقبل على الله لعله أن يغفر له ويتوب عليه.
10- الفرق بين العالِم والعابد، أن العابد إنما يكون نفعه على نفسه، ولكن العالم يعمّ نفعه الكثير من الناس، وانظر هنا كيف انتفع القاتل برأي العاِلم وانتقل للقرية الصالحة فكانت خاتمتهُ حسنة وفاز بمغفرة الله له.
مختارات

