ذكر الأحاديث الواردة في خلق آدم (١)
قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى ومحمد بن جعفر، حدَّثنا عَوْف، حدَّثني قَسَامة بن زُهير، عن أبي موسى، عن النبيِّ ﷺ، قال: "إنَّ اللَّهَ خلقَ آدمَ من قَبْضةٍ قبضَها من جميعِ الأرض، فجاءَ بنو آدمَ على قَدْرِ الأرضِ، جاءَ منهم الأبيضُ والأحمرُ والأسودُ وبين ذلك.
والخبيثُ والطَّيِّبُ والسَّهْلُ والحَزنُ وبين ذلك".
ورواه أيضًا: عن هوذةَ، عن عَوْف، عن قَسَامة بن زُهير، قال: سمعتُ الأشعريَّ قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: "إنَّ اللَّهَ خلقَ آدمَ من قَبْضَةٍ قبضَها من جميع الأرضِ، فجاءَ بنو آدمَ على قَدْرِ الأرضِ، فجاءَ منهم الأبيضُ والأحمرُ والأسودُ وبينَ ذلك.
والسَّهْلُ والحَزْنُ، وبين ذلك، والخبيثُ والطَّيِّبُ، وبينَ ذلكَ".
وكذا رواه أبو داود والترمذي وابن حِبَّان في "صحيحه": من حديث عوف بن أبي جميلة الأعرابي، عن قَسَامة بن زُهير المازني البَصْري، عن أبي موسى عبد اللَّه بن قيس الأشْعري، عن النبيِّ ﷺ بنحوه.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقد ذكر السُّدِّي: عن أبي مالك، وأبي صالح، عن ابن عباش، وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحابِ رسول اللَّه ﷺ، قال: فبعثَ اللَّه جبريلَ في الأرض، ليأتيَه بطينٍ منها، فقالت الأرضُ: أعوذُ باللَّه منكَ أن تنقص مني أو تشينني، فرجعَ ولم يأخذ، وقال: ربِّ إنها عاذتْ بكَ فأعذتُها، فبعث ميكائيلَ فعاذتْ منه فأعاذَها، فرجعَ فقال كما قالَ جبريلُ، فبعَثَ مَلَك الموتِ فعاذتْ منه، فقال: وأنا أعوذ باللَّه أن أرجعَ ولم أُنَفِّذْ أمرَه، فأخذَ من وجه الأرض وخلَطه، ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذَ من تربةٍ بيضاءَ وحمراء وسوداءَ، فلذلكَ خرجَ بنوآدم مختلفينَ، فصَعِدَ به فَبَلَّ الترابَ حتى عاد طينًا لازبًا -واللازب؛ هو الذي يلزق بعضه ببعض- ثم قال للملائكة: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [ص: ٧١ - ٧٢] ".
فخلقَه اللَّه بيده لئلا يتكبَّرَ إبليس عنه، فخلقَه بشرًا، فكان جسدًا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرَّت به الملائكةُ، ففَزِعُوا منه لمَّا رأَوْه، وكان أشدَّهم منه فزعًا إبليسُ، فكان يمرُّ به فيضربه، فيُصَوِّتُ الجسدُ كما يُصوِّتُ الفُخَّارُ، يكون له صلصلة، فذلك حين يقول: ﴿مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾ [الرحمن: ١٤] ويقول: لأمرٍ ما خُلِقْتَ، ودخلَ من فيه وخرجَ من دُبُره، وقال للملائكة: لا تَرْهَبُوا من هذا فإن ربَّكم صمَدٌ وهذا أجوفُ، لئن سُلِّطْتُ عليه لأهلكنَّه.
فلما بلغ الحين الذي يُريد اللَّه أنْ ينفخَ فيه الرُّوحَ، قال للملائكة: إذا نفختُ فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخَ فيه الروحَ، فدخلَ الرُّوحُ في رأسِه عطسَ، فقالت الملائكة: قل الحمد اللَّه، فقال: الحمد اللَّه، فقال له اللَّه: رحمكَ ربُّكَ.
فلما دخلتِ الرُّوح في عينيْه نظرَ إلى ثمار الجنَّة، فلما دخلتِ الرَّوح في جوفه، اشتهى الطعام، فوثبَ قبل أن تبلغَ الرَّوح إلى رجليْه، عجلانَ إلى ثمار الجنَّة، وذلك حين يقولُ اللَّه تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٣٠ - ٣١] وذكرَ تمامَ القِصَّة.
ولبعض هذا السِّياق شاهدٌ من الأحاديث، وإن كانَ كثير منه مُتلقَّى من الإسرائيليات.
فقال الإمام أحمد: حدَّثنا عبدُ الصمد، حدَّثنا حمَّاد، عن ثابت، عن أنس، أن النبيَّ ﷺ قال: "لما خلق اللَّه آدمَ تركَه ما شاء أن يدَعَه، فجعل إبليسُ يطيفُ به، فلما رآه أجوفَ عرفَ أنَّه خَلْقٌ لا يتمالكُ".
وقال ابن حبَّان في "صحيحه": حدَّثنا الحسنُ بن سفيان، حدَّثنا هُدْبة بن خالد، حدَّثنا حمَّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، أنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قال: "لما نُفِخَ في آدمَ، فبلغَ الروحُ رأسَه عطسَ، فقال: الحمد اللَّه رب العالمين، فقال له: يرحمك اللَّه".
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدَّثنا يحيى بن محمد بن السَّكَن، حَدَّثنا حَبَّان بن هِلال، حدَّثنا مبارك ابنِ فَضَالة، عن عُبيد اللَّه، عن خُبيب، عن حَفْص -هو ابن عاصم بن عمر بن الخطاب- عن أبي هُريرة، رفعه، قال: "لمّا خلقَ اللَّه آدمَ عطسَ، فقال: الحمدُ للَّه، فقال له ربُّه: رحمكَ ربُّك يا آدم".
وهذا الإسناد لا بأس به، ولم يُخرِّجوه.
وقال عمر بن عبد العزيز: لما أُمرتِ الملائكةُ بالسجود، كان أوَّلُ من سجدَ منهم إسرافيل، فآتاه اللَّه أن كتبَ القرآن في جبهته.
رواه ابن عساكر.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدَّثنا عقبةُ بن مُكْرَم، حدَّثنا عمرو بن محمد، عن إسماعيل بن رافع، عن المَقْبُري، عن أبي هريرة، أن رسولَ اللَّه ﷺ، قال: "إن اللَّه خلقَ آدمَ من ترابٍ، ثم جعلَه طينًا، ثم تركَه حتى إذا كان حمأً مسنونًا، خلقَه وصوَّره، ثم تركَه، حتَّى إذا كان صَلْصَالًا كالفَخار".
قال: فكان إبليسُ يمرُّ به، فيقولُ له: لقد خُلِقتَ لأمرٍ عظيم.
ثم نفخَ اللَّه فيه من رُوحه، فكان أوَّل ما جرى فيه الرُّوح بصرَه وخياشيمَه، فعطسَ فلقَاه اللَّه رحمةَ ربِّه، فقال اللَّه: يرحمك ربك.
ثم قال اللَّه: يا آدم! اذهبْ إلى هؤلاءَ النَّفَر فانظرْ ماذا يقولونَ؟ فجاءَ فسلَّمَ عليهم، فقالوا: وعليكَ السَّلامُ ورحمةُ اللَّه وبركاتُه.
فقال: يا آدمُ! هذا تحيَّتُك وتحيَّةُ ذريَّتِك.
قال: يا ربِّ وما ذريَّتي؟ قال: اخترْ يدي يا آدمُ! قال: أختارُ يمينَ ربِّي وكلتا يَدَيْ ربِّي يمين، وبسط [اللَّه] كفَّه، فإذا منْ هو كائنٌ من ذريَّته في كفِّ الرحمن، فإذا رجالٌ منهم أفواهُهم النُّور، فإذا رجلٌ يَعْجبُ آدمُ من نوره.
قال: يا ربِّ! من هذا؟ قال: ابنك داود.
قال: يا ربِّ! فكم جعلتَ له من العمر.
قال: جعلتُ له ستين.
قال: يا ربِّ فأتِمَّ له من عُمري حتى يكونَ له من العمر مئة سنة، ففعلَ اللَّه ذلك وأشهد على ذلك.
فلما نَفِدَ عمرُ آدم بعثَ اللَّه [إلَيْه] مَلَكَ الموتِ، فقال آدمُ: أو لم يبقَ من عُمُري أربعون سنة؟ قال له المَلَك: أو لم تُعْطها ابنكَ داودَ؟ فجحدَ ذلك، فجحدتْ ذريَّته، ونسي فنسيتْ ذريَّتُه.
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار، والترمذي، والنَّسائي، في "اليوم والليلة" من حديث صفوان ابن عيسى، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذُباب، عن سعيد المَقْبري، عن أبي هريرة، عن النبيِّ ﷺ، وقال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وقال النسائيُّ: هذا حديث منكر، وقد رواه محمد بن عَجْلان، عن سعيد المَقْبُري، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن سلام قوله (١).
وقد رواه أبو حاتم بن حِبّان في "صحيحه"، فقال: حدَّثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدَّثنا محمَّد بن بشَّار، حدَّثنا صَفْوانُ بن عيسى، حدَّثنا الحارثُ بن عبد الرحمن بن أبي ذُباب، عن سَعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه ﷺ: "لما خلقَ اللَّه آدمَ ونفخَ فيه الرُّوح عطسَ، فقال: الحمدُ اللَّه، فحمدَ اللَّه بإذن اللَّه.
فقال له ربَّه: يرحمُك ربُّك يا آدم، اذهبْ إلى أولئكَ الملائكة، إلى ملأٍ منهم جلوسٌ، فسلِّم عليهم، فقال: السَّلام عليكم.
فقالوا: وعليكم السَّلام ورحمة اللَّه.
ثم رجعَ إلى ربِّه، فقال: هذه تحيَّتُك وتحيَّةُ بنيكَ بينهم.
وقال اللَّه -ويداهُ مقبوضتان- اخترْ أيهما شئتَ.
فقال: اخترتُ يمينَ ربِّي، وكلتا يديْ ربِّي يمينٌ مباركة.
ثمَّ بسطَهما فإذا فيهما آدمُ وذريَّتُه.
فقال: أي ربِّ: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريَّتُك، وإذا كلُّ إنسان منهم مكتوبٌ عمرُه بين عينيْه، وإذا فيهم رجل أضْوَؤُهم -أو منْ أضْوَئِهم- لم يُكتبْ له إلا أربعونَ سنة.
قال: يا ربِّ! ما هذا؟ قال: هذا ابنُك داود، وقد كتبَ اللَّه داود، وقد كتبَ اللَّه عمرَه أربعين سنة.
قال: أي ربِّ: زدْ في عُمُره.
فقال: ذاكَ الذي كُتِبَ له.
قال: فإنِّي قد جعلتُ له من عُمُري ستينَ سنة.
قال: أنتَ وذاك، اسكن الجنَّة، فسكنَ الجنَّة ما شاءَ اللَّه، ثم أُهبطَ منها.
وكان آدمُ يعدُّ لنفسه، فأتاه مَلَكُ الموتِ، فَقالَ له آدمُ: قد عجلتَ قد كتبَ لي ألفَ سنةٍ.
قال: بلى، ولكنَّك جعلتَ لابنكَ داودَ منها ستينَ سنةً، فجَحَدَ آدمُ فجَحَدَتْ ذرِّيتُه، ونسيَ فنسيتْ ذريَّته، فيومئذ أمر بالكتابِ والشُّهود" هذا لفظه.
وقال الترمذي: حدَّثنا عبدُ بن حُميد، حدَّثنا أبو نُعَيْم، حدَّثنا هشام بن سَعْد، عن زيد بن أسلمَ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه ﷺ: "لما خلقَ اللَّه آدمَ مسحَ ظهرَه، فسقطَ من ظهره كل نَسَمةٍ هو خالقُها من ذريَّته إلى يوم القيامة، وجعلَ بينَ عينيْ كلِّ إنسانٍ منهم وَبِيْصًا (٢) من نور، ثم عرضَهم على آدمَ، فقال: أيْ ربِّ! منْ هَؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريَّتُك.
فرأى رجلًا منهم فأعجبَه وبيصُ ما بينَ عينيْه، فقال: أي ربّ! منْ هذا؟ قال: هذا رجلٌ من آخر الأمم من ذريَّتِكَ، يقال له: داود.
قال: ربِّ وكم جعلتَ عمرَه.
قال: ستينَ سنة.
قال: أي ربّ زِدْه من عُمري أربعين سنةً.
فلما انقضى عمرُ آدمَ جاءَه مَلَكُ الموت.
قال: أو لم يبقَ من عُمُري أربعونَ سنة.
قال: أو لم تُعْطِها ابنَك داود.
قال: فجحدَ فجَحَدتْ ذريَّته، ونسي آدمُ، فنسيتْ ذريَّتُه، وخَطِئَ آدمُ فَخطئتْ ذريَّتهُ" ثم قال الترمذي: حسن صحيح، وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ.
ورواه الحاكم في "مستدركه": من حديث أبي نُعيم الفَضْل بن دُكَيْن، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يُخرِّجاه.
(١)المقصود: من قول عبد اللَّه بن سلام، فهو موقوف، وقد سقطت كلمة: "قوله" من المطبوع.
(٢) الوبيص: البريق.
مختارات