خصائص رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما بينها القرآن
قضت حكمة الله أن تكون نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في وقت تلاقت فيه الجماعات والشعوب والأقوام وتجاوز كثير منها المرحلة القبلية فاحتاجت إلى إقامة أسس إنسانية لعلاقتها وإلى الربط بينها بروابط إنسانية وإلى معرفة حقائق الكون الكبرى التي لا يستطيع العقل إدراكها بنفسه، وإلى مبادئ وتوجيهات عامة في الحياة وهذا ما تحقق في رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك كان من خصائص هذه النبوة:
أولاً ـ أنها تقوم على أسس عامة واعتبارات إنسانية سواء في الحقائق التي تكشفها وتعرضها أم في قواعد السلوك وأحكام التشريع. فقد انتهى ذلك الطور الذي كانت فيه النبوات مناسبة لحالة معينة أو بيئة معينة أو جماعة معينة وبدأ العهد الذي برزت فيه العناصر الإنسانية المشتركة بين البشر على اختلاف أقوامهم وعصورهم ولذلك جاءت أحكام رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم غير خاصة بطور من أطوار البشرية بل موافقة للفطرة الإنسانية بشكل عام.
وقد ورد في القرآن في وصف خاتم النبيين ما يشير إلى هذا المعنى فقال الله تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(157) } الأعراف
ولذلك كانت هذه الرسالة خالدة مستمرة لأنها اشتملت على ما في تعاليم النبوات السابقة من مبادئ جوهرية ثابتة في العقيدة والأخلاق ونسخت ما كان فيها من تشريعات مؤقتة وأحكام عارضة لا تتوافق مع فطرة الإنسان الدائمة.
ثانياً ـ أنها غير خاصة بقوم أو جماعة بل عامة لجميع الأقوام والجماعات ولكل العصور محتوية على المبادئ الإنسانية التي تربط بين الأقوام والشعوب وإن كان نزولها في بداية الأمر في قوم مخصوصين فقد أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يوجه خطابه للناس جميعاً لا إلى قومه وحدهم خلافاً للأنبياء السابقين ولذلك تكرر الخطاب للناس في القرآن الكريم فقال تعالى: { قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(158) } الأعراف
وأما الأنبياء السابقون فقد ورد في القرآن خطابهم موجهاً إلى أقوامهم خاصة.
فنوح عليه السلام أرسل إلى قومه خاصة فقال الله تعالى: { إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(1) } نوح
وهود عليه السلام أرسل إلى قومه خاصة فقال تعالى:
{ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ(50) } هود
وغيرهم من الأنبياء الذين أرسلوا إلى أقوامهم خاصة.
ولا ينافي هذا أن يكون المخاطبين في بادئ الأمر هم العرب قوم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، لأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أُمر أن يبدأ بهم، قال الله تعالى: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ(214) } الشعراء
وأن يكونوا هم أداة التبليغ فقال تعالى: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } الشورى 7
ولذلك كانت اللغة العربية التي نزل بها القرآن وأساليب العرب وعاداتهم هي المرجع في فهم القرآن ومعرفة الإسلام.
ثالثاً ـ أنها أحلت العقل الإنساني محله اللائق بعد أن تجاوز مراحل نموه الأولى وبدأ يسير في مرحلة النضج والارتقاء فجاءت طريقة الخطاب وعرض الحقائق والعقائد في هذه الرسالة مناسبة لهذه المرحلة من ارتقاء العقل، دافعة إلى التأمل والتفكير في آفاق الكون وآيات الله كما جاءت أحكامها مشيرة إلى الأسباب والعلل والنتائج منسجمة مع الفطرة الطبيعية السليمة.
فمثلاً حين حرم معاشرة الزوجة حال الحيض أشار إلى العلة فقال الله تعالى:
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ(222) } البقرة
رابعاً ـ لذلك كان الإسلامالذي نزل في صورته الأولى على آدم ونزل على محمد صلى الله عليه وسلم في صورته الأخيرة التي أوحى الله بها إلى خاتم أنبيائه، الرسالة الإلهية الخاتمة التي نسخت الديانات الإلهية السماوية السابقة وما تضمنته كتبها من تعاليم ليكون القرآن الموحى به لخاتم النبيين محمد عليه الصلاة والسلام الكتاب الخالد الذي تهد الله بحفظه فقال الله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9) } الحجر.
* أهم المصادر والمراجع:
ـ التاريخ الإسلامي: للدكتور شوقي أبو خليل.
ـ نظام الإسلام: للدكتور مصطفى البغا.
مختارات