سجود التلاوة
السجود (لغة): مصدر الفعل سجد، وأصل السجود الخضوع والتذلل لله تعالى.
-السجود (شرعاً): وضع الجبهة أو بعضها على الأرض، أو ما اتصل بها من ثابت مستقر على هيئة مخصوصة.
-وسجود التلاوة: هو السجود الذي (يجب أو يُسّنُّ) بسبب تلاوة آية من الآيات التي فيها سجدة.. وليس فيه تحريم (تكبيرة الإحرام) ولا تحليل (تسليم).
* الحكم التكليفي: اتفق الفقهاء على مشروعية سجود التلاوة، للآيات والأحاديث الواردة فيه، ولكنهم اختلفوا في صفة مشروعيته: هل سجود التلاوة واجب أو مندوب؟
-فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن سجود التلاوة سنة مؤكدة وليس بواجب، وقال المالكية بسنِّيَّة سجود التلاوة، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً*وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً*وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [سورة الإسراء:107-109]. ولما روى عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما- قال: «كان رسول صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد». رواه البخاري.
وسجود التلاوة عندهم ليس بواجب لأنه ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام قد تركه أحياناً، فقد روى زيد بن ثابت – رضي الله عنه – قال: «قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم (والنجم) فلم يسجد فيها» وفي رواية: «فلم يسجد منا أحد». متفق عليه.
- وذهب الحنفية على أن سجود التلاوة واجب على القارئ والسامع، مستدلين بحديث: « السجدة على من سمعها وعلى من تلاها».
* شروط سجود التلاوة:
يشترط لسجود التلاوة بعض الشروط، وهي:
1-الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر في البدن والثوب والمكان، لكون سجود التلاوة صلاة أو جزء من صلاة، فيشترط له ما يشترط للصلاة، والصلاة لا تُقبل إلا بطهور لحديث: «لا تُقبل صلاة بغير طهور» رواه مسلم.
2- يشترط أيضاً ستر العورة، واستقبال القبلة، والنية لأداء هذه السنة..فهي جزء من صلاة
3- يشترط لصحة سجود التلاوة دخول وقت السجود، ويحصل ذلك عند جمهور الفقهاء بقراءة جميع آية السجدة أو سماعها بأكملها، فلو سجد قبل انتهاء جميع كلمات الآية ولو بحرف واحد لم يصح السجود، لأنه يكون قد سجد قبل دخول وقت السجود.
* ما يُقال في سجود التلاوة:
يجوز لمن يسجد سجود التلاوة أن يقول في سجوده ما يقول في سجود الصلاة: (سبحان ربي الأعلى) ثلاثاً.. ولكن يستحب له أن يقول ما ورد في سجود التلاوة دون غيره وهو ما روته عائشة – رضي الله عنها – قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن: [سجد وجهي للذي خلقه وشق بصره وسمعه بحوله وقوته، فتبارك الله أحسن الخالقين] ».رواه الترمذي.
ويُسنُّ له أن يقول أيضاً: «اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، وتقبَّلها مني كما تقبَّلتها من عبدك داود عليه السلام». رواه الترمذي.
* صفة سجود التلاوة: (خارج الصلاة)
- قال الحنفية: يُكَبِّرُ المسلم للوضع دون أن يرفع يديه كسجدة الصلاة، ويسجد سجدة واحدة، ثم يُكَبِّرُ للرفع من السجود، وكل من هاتين التكبيرتين سنة لا واجبة، ولا يقرأ التشهد ولا يُسلِّم لعدم وجود التحريمة (أي تكبيرة الإحرام)، وقال البعض باستحباب القيام لأداء سجود التلاوة، تشبيهاً له بسجود الصلاة، ولأن القرآن الكريم ورد به في قول الله تعالى: ﴿ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدَاً﴾ [سورة الإسراء:107].
- قال المالكية: صفة سجود التلاوة عند المالكية كما هي عند الحنفية، غير أنهم لم يقولوا باستحباب القيام من جلوس لأداء سجود التلاوة، بل يُؤَديه القائم من قيام والجالس من جلوس دون أن يقوم، كما زادوا على الحنفية بأن يرفع الساجد يديه عند الهوي للسجود.
- قال الشافعية: يُكَبِّرُ المسلم للسجود رافعاً يديه حذو منكبيه كما يفعل عند تكبيرة الإحرام في الصلاة، ثم يسجد دون أن يرفع يديه عند الهوي للسجود، ويسجد سجدة واحدة، ثم يرفع رأسه مكبراً، ثم يجلس ولا يقرأ التشهد ويُسَلِّم كتسليم الصلاة، وذهب البعض إلى استحباب السجود من قيام.
- قال الحنابلة: يُكَبِّرُ عند الهوي للسجود ويرفع يديه عند الهوي للسجود لا عند الرفع منه، ويكبر عند الرفع من السجود، ثم يُسَلِّم تسليمة واحدة عن يمينه، ويستحب له أن يسجد للتلاوة من قيام تشبيهاً له بسجود الصلاة.
- أما صفة سجود التلاوة في الصلاة: فإذا مَرَّ المصلي بآية سجدة وأراد السجود للتلاوة وهو في الصلاة نوى السجود بالقلب من غير أن يتلفظ به، ثم كَبَّرَ وهوى للسجود من دون أن يرفع يديه، ويسجد سجدة واحدة، ثم يرفع رأسه ويُكَبِّرُ للرفع من السجود وينتصب قائماً، ويستحب له أن يقرأ ولو آية واحدة ليفصل بها بين سجود التلاوة والركوع الذي يأتي بعد القراءة، فإن انتصب قائماً بعد أدائه لسجود التلاوة ثم ركع من غير أن يقرأ شيئاً من القرآن جاز، ولا خلاف في وجوب الانتصاب قبل الركوع وبعد سجود التلاوة لأن الهوي إلى الركوع من قيام واجب.
* المواضع التي تطلب فيها سجدة التلاوة:
اتفق الفقهاء على سجود التلاوة في عشرة مواضع من القرآن الكريم هي:
1- [سورة الأعراف: الآية 206].
2- [سورة الرعد: الآية 15].
3- [سورة النحل: الآية 49].
4- [سورة الإسراء: الآية 107].
5- [سورة مريم: الآية 58].
6- [سورة الحج: الآية 18].
7- [سورة النمل: الآية 25].
8- [سورة السجدة: الآية 15].
9- [سورة الفرقان: الآية 60].
10-[سورة فُصِّلت: الآية 38].
هذه هي مواضع سجود التلاوة التي اتفق عليها جمهور أهل العلم، لفعل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، وقد اختلف الفقهاء في السجود موضعين من القرآن:
- الموضع الأول: السجود عند قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْذِيْنَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا...﴾ [سورة الحج: الآية77]. فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنَّ في هذه الآية سجدة تلاوة هي الثانية في سورة الحج بعد آية السجدة الأولى المتفق عليها وهي: [سورة الحج: الآية 18]. واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما روي عن عقبة بن عامر –رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله: فُضِّلت سورة الحج بأن فيها سجدتين؟ قال: «نعم، من لم يسجدهما فلا يقرأهما». رواه الترمذي.. واختار هذا القول عمر وعلي وعبدالله بن عمر –رضي الله عنهم أجمعين-.
وذهب الحنفية والمالكية إلى أنه لا سجود في هذا الموطن، واستدلوا على ذلك بما روي عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه عَدَّ السجدات التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعَدَّ في الحج سجدة واحدة، وبما روي عن عبدالله بن عباس أنه قال: سجدة التلاوة في سورة الحج هي الأولى والثانية سجدة صلاة.. ولعدم سجود فقهاء المدينة وقُرَّائهم فيها.
- الموضع الثاني: السجود عند قول الله تعالى في سورة (ص): ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ(24)فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ(25)﴾ [سورة ص:25،24]. فذهب الحنفية والمالكية إلى مشروعية السجود في سورة (ص)، ولكن قال الحنفية أن موضع السجود للتلاوة يكون عند قول الله تعالى: ﴿... فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ(25)﴾، واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما روى عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في (ص). رواه البخاري. وأيضاً بما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قرأ في الصلاة سورة (ص) وسجد وسجد الناس معه، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم يُنكر عليه أحد.
أما المالكية فقالوا أن السجود للتلاوة يكون عند قول الله تعالى: ﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ(24)﴾.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن السجود للتلاوة في سورة (ص) ليست من عزائم السجود، أي: ليست من متأكداته، وبالتالي فهي ليست سجدة تلاوة لكن سجدة شكر، واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري عن عبدالله بن عباس أنه قال: (ص) ليست من عزائم السجود. وقد أخرج النسائي عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «سجدها داود توبة ونسجدها شكراً». ويستحب للمصلي ألا يسجد في الموضعين اللذين اختلف فيهما الفقهاء، وليسجد فيهما خارج الصلاة خروجاً من الخلاف.
* سجدات الـمُفَصَّل:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن في المفصل (وهو من أول سورة [ق] إلى آخر المصحف) ثلاث سجدات هي:
- سجدة سورة النجم في الآية 62، عند قول الله تعالى: ﴿فَاسْجُدُوا للهِ وَاعْبُدُوا﴾.
- سجدة سورة الانشقاق في الآية 21، عند قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ القُرْءانُ لَا يَسْجُدُون﴾.
- سجدة سورة العلق في الآية 19، عند قول الله تعالى: ﴿كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾.
واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما روي عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: «أن النبي عليه الصلاة والسلام أقرأه خمس عشرة سجدة ثلاث منها في المفصل». أخرجه أبو داود.
أما المالكية فالمشهور من مذهبهم أنه لا سجود للتلاوة في المفصل ويستدلون على ذلك بما روى زيد بن ثابت رضي الله عنه أن قال: «قرأت على النبي عليه الصلاة والسلام (النجم) فلم يسجد». متفق عليه. وبما روي عن عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين قالا: (ليس في الـمُفَصَّل سجدة).
* مجاوزة آية السجود:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يُكره للمسلم أن يقرأ السورة أو الآيات في الصلاة أو خارجها ويدع آية السجدة حتى لا يسجدها، لأنه لم يُنقل عن السلف فعل ذلك بل نقل عنهم كراهته، ولأن في ذلك تغيير لأحكام تلاوة القرآن وإعراض عن قراءته على الوجه الأكمل الذي يحبه الله ورسوله، قال تعالى: ﴿ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه﴾ [سورة القيامة:18]. أي: تأليفه وتعاليمه، فكان التغيير مكروهاً، ولأن في ذلك صورة الفرار من العبادة والإعراض عن تحصيلها بالفعل وذلك مكروه، ولأن في ذلك صورة هجر آية السجدة، ولا يجوز هجر شيء من القرآن.
* أداء سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة:
يستحب للمسلم ألا يسجد للتلاوة في أوقات النهي عن الصلاة وهي:
- من بعد صلاة الصبح حتى شروق الشمس.
- عندما تُشرق الشمس حتى ترتفع مقدار رمح (أي: بعد الشروق بـ 25 دقيقة تقريباً).
-عندما تستوي الشمس في كبد السماء (أي: ما قبل أذان الظهر بثلاث دقائق).
- عندما غروب الشمس وقبل ذلك بقليل (أي ما قبل أذان الغرب بثلث ساعة إلى الأذان).
هذه هي الأوقات التي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها إلا أن تكون الصلاة ذات سبب كأن تكون قضاء عن فرض فائت، فيستحب للمسلم ألا يقرأ آية سجدة في هذه الأوقات، فإن نسي أو جهل ذلك وقرأ آية وسجد جاز ذلك والأولى عدم فعل ذلك.
مختارات