من أقوال السلف في العفو والصفح جمعها أخونا الشيخ فهد الشويرخ
للسلف أقوال في العفو والصفح، يسَّر اللهُ فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها.
من أخذ بالعفو استراح:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: قول الله تعالى: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 134]؛ أي: العافين عن الناس تقصيرهم نحوهم؛ لأن الناس قد لا يعاملونك بالحُسْنى، فقد يعاملونك بالسوء، فالعفو عنهم لا شكَّ أنه خير، والإنسان إذا فعل ذلك صار ممتثلًا لقوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، فإذا أخذ من الناس ما عفا وسهَّل، وتغاضى عن الأمور، ولم يحاسب الناس على كل دقيق وجليل، فكل هذا كما هو محمود شرعًا، فهر مريح طبعًا، أما الإنسان الذي يؤاخذ الناس بكل شيءٍ، وإذا تكلم أحد أخذه بأسوأ الاحتمالين، فهذا يَتعب ويُتعِب غيرَه وجرب تجد لا سيما في الأهل أو الزوجات مثلًا، فإن أردت أن تحاسب على كل دقيق وجليل تعبت، وإن أخذت بالعفو استرحت.
العفو أفضل الأخلاق:
عن الحسن رحمه الله قال: أفضل أخلاق المؤمن العفو.
تعظيم أمر العفو:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه تعظيم أمرِ العفو عن المسيء؛ لأن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حبًّا في ساعة واحدة، لِما أسداه النبي صلى الله عليه وسلم إليه من العفو، والمَنِّ بغير مقابل.
معنى العفو:
قال الإمام الغزالي رحمه الله: اعلم أن معنى العفو أن يستحق حقًّا فيُسقطه، ويبرأ عنه من قِصاص أو غرامة، وهو غير الحلم وكظم الغيظ.
من عُرِف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب:
قال الإمام النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (ما زادَ اللهُ عبدًا يعفو إلا عِزًّا) فيه وجهان؛ أحدهما: أنه على ظاهره، وأن من عُرِف بالعفو والصفح ساد وعظُم في القلوب، وزاد عزه وكرمه، والثاني: أن المراد أجره في الآخرة وعزه هناك.
العفو ظاهرُه ضيمٌ وذُلٌّ، وباطنُه عِزٌّ ومهابة:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: العفو من المخلوق ظاهره ضيم وذل، وباطنه عز ومهابة، والانتقام ظاهره عز، وباطنه ذل، فما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عِزًّا، ولا انتقم أحد لنفسه إلا ذل، ولو لم يكن إلا بفوات عز العفو؛ ولهذا ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قَطُّ.
العفو عن كل الناس:
روى الخلال من رواية مجاهد عن الشَّعْبي عن مسروق سمعت عمر رضي الله عنه يقول: كلُّ الناسِ مني في حلٍّ.
العفو عمن اعتذر:
• قال الأحنف: إن اعتذر إليك معتذرٌ فتَلَقَّهُ بالبِشْر.
• قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: لو أن رجلًا شتمني في أذني هذه، واعتذر في أذني الأخرى لقبلت عذره.
• قال الإمام الشافعي: من استُرضي فلم يرضَ فهو شيطان.
لعفو عمن طلب التحليل:
قال الشيخ صالح آل الشيخ: المستحب أن يتحلل المرء ممن ظلمه في عِرضه أو ماله...ويستحب لمن طُلب منه التحليل أن يعفو عمن ظلمه، ولا يستفصل منه عما قاله في حقه أو تعدى به عليه، ويستحب أن يقول له: حلَّلك الله وأباحك مما عملت.
لذة العفو:
قال المنتصر بالله: لذة العفو أعذب من لذة التشفي، وأقبح فعال المقتدر الانتقام.
عفا عمن سجنه وضربه:
قال عبدالله: قال أبي: وجه إلى الواثق أن أجعل المعتصم في حل من ضربه إياك، فقلت: ما خرجت من داره حتى جعلته في حلّ.
عفا عمن سرق ماله:
جلس ابن مسعود رضي الله عنه يبتاع طعامًا، فابتاع، ثم طلب الدراهم، وكانت في عمامته، فوجدها قد حلت، فقال: لقد جلست وإنها لمعي، فجعلوا يدعون على من أخذها، ويقولون: اللهم اقطع يد السارق، الذي أخذها، اللهم افعل به كذا. فقال ابن مسعود: اللهم إن كان حمَلَه على أخذها حاجةٌ، فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذنب، فاجعله آخرَ ذنوبه.
الفرق بين العفو والذلِّ:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الفرق بين العفو والذلِّ: أن العفوَ إسقاط حقِّك جُودًا وكرمًا وإحسانًا، مع قدرتك على الانتقام، فتؤثر الترك رغبةً في الإحسان ومكارم الأخلاق، بخلاف الذل، فإن صاحبه يترك الانتقام عجزًا وخوفًا ومهانة نفس، فهذا مذموم غير محمود، ولعل المنتقمَ بالحق أحسنُ حالًا منه.
أعزّ الناس من يعفو إذا قدر:
• قال علي رضي الله عنه: إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرًا للقدرة عليه.
• سئل أبو الدرداء عن أعزِّ الناس، قال: الذي يعفو إذا قدر، فاعفوا يعزكم الله.
• قال المنصور: أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة.
• قال الإمام الغزالي رحمه الله: قال بعضهم: ليس الحليم من ظُلِمَ فحَلُم، حتى إذا قدر انتقم، ولكن الحليم من ظُلِمَ فحَلُم، حتى إذا قدر عفا.
مختارات