بلاش الشُهرة..
من أعظم أمراض القلوب حُبُّ الإنسان أن يعرفه الناس، وأن يُنسب إليه ما وفقه الله تعالى إليه من أعمال البر والخير، وتلهفه على هذا الذكر، وحزنه على فوات ذكر اسمه، ونسبة الفضل إليه!
وقد قال السيد المبارك أبو إسحق إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه: ما صدقَ اللهَ عبدٌ أحبَّ الشهرة!
وقال السيد المبجل أبو عبدالله أحمد بن حنبل رضي الله عنه، للمروذي رحمه الله: قل لعبدالوهاب: أخمِل ذكرك؛ فإني قد بُليتُ بالشهرة!
والآثار في هذا أكثر من أن تُحصى.
ومن نفيس ما يؤثر في هذا الباب ما كان من شأن العبد الصالح والتابعي الجليل عبدالله بن محيريز رضي الله عنه، والذي قال فيه رجاء بن حيوة:
إنْ فخَرَ علينا أهل المدينة بابن عمر؛ فإنا نفخر بعابدنا ابن محيريز، إن كنتُ لأعدُّ بقاءه أمانا لأهل الأرض.
ومن خبره رضي الله عنه ما ذكره عمر بن عبدِ الملكِ الكناني، قال: صحبَ ابنُ محيريزٍ رجلاً في الساقةِ في أرضِ الرومِ فلما أردنا أن نفارقَه قال له ابن محيريزٍ: أوصني.
قالَ: إنِ استطعتَ أن تَعْرِفَ ولا تُعْرَفَ، فافعلْ، وإن استطعتَ أن تمشي ولا يُمشَى إليكَ، فافعلْ، وإنِ استطعتَ أن تَسْأَلَ ولا تُسألَ، فافعلْ.
قال عبد الواحد بن موسى: سمعت ابن محيريز يقول: اللهم إني أسألك ذكراً خاملاً قال رجاء بن حيوة: كان ابن محيريز صموتاً معتزلاً في بيته.
(*)
وأصل ذلك قصد القلب رضا الرب وخلوص سره وعمارته بالإخلاص، وفراغه من زور الدنيا وفراره من سوق التفاخر والتكاثر!
وشأن المحب قصد حبيبه والانفراد بمناجاته وعرض حاله وبث ما به، إليه وحده!
ومن أخذ ذات اليمين وذات الشمال في سيره إلى حبيبه، فتعرض لهذا وذاك يريد أن يُعرف بخير أو علم أو صلاح=فهو بطال، نسأل الله عونه وعافيته ومغفرته ورحمته والسلامة من شر النفس وشر الخلق، وأن يهبنا صدق محبته في سراء وعافية شاكرين حامدين!
_________________
(*)
وهذا يدلك على ركن من أركان النجاة في زماننا وهو ضرورة مطالعة سير السلف والصالحين وإدامة ذلك والاستكثار منه كثرة بالغة، والاهتداء بسمتهم وأخلاقهم؛ فإن من رحمة الله سبحانه وبحمده بهذه الأمة حفظ قلوب صالحيها بتدوين أخبارهم وقصصهم.
مختارات