قصة سبأ
في أرص اليمن عاش رجل يقال له سبأ وكان سيداً فيها، تتبع له الكثير من القبائل وكانوا يعيشون في نعم عظيمة، أرزاق واسعة وثمار وزروع كثيرة، وكانوا مع ذلك على الاستقامة والسداد وطريق الحق. كانت المياه في زمانهم تجري من بين جبلين عظيمين فأمر سبأ بإنشاء بناء بين الجبلين حتى ارتفع الماء إلى أعلى الجبل، وسمي البناء سد مأرب وغرسوا البساتين والأشجار المثمرة على جانبي السد وامتداده. فكانت بساتينهم ومزارعهم كالجنان وكانوا في عيش رغيد وأيام طيبة حتى أن المرأة كانت تمر بالمكتل على رأسها فيمتلئ من الثمار المتساقطة فيه من كثرته و نضجه. ولم يكن في بلادهم شيء من البراغيث ولا الدواب المؤذية لصحة هوائهم وطيب عيشهم. كما قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) فلما عبدوا غير الله وبطروا نعمته سُلبوا تلك النعمة العظيمة والحسنة العميمة بتخريب البلاد والشتات على وجوه العباد كما قال الله تعالى: (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) فأرسل الله الفار على أصل السد، وهو الجرذ ويقال: الخلد. فلما فطنوا لذلك رصدوا عندها السنانير فلم تغن شيئا إذ قد وقع القدر ولم ينفع الحذر. فلما بدأت الجرزان تحفر في أصل السد سقط وانهار فسلك الماء القرار، فقطعت تلك الجداول والأنهار، وانقطعت تلك الثمار، وبادت تلك الزروع والأشجار، وتبدلوا بعدها برديء الأشجار والثمار. َفعاقب الله من كفر به وكذب رسله وخالف أمره وانتهك محارمه بهذه العقوبة الشديدة. وقال الله تعالى: (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ). وذلك أنهم لما هلكت أموالهم وخربت بلادهم احتاجوا أن يرتحلوا منها وينتقلوا عنها فتفرقوا في البلاد، فنزلت طوائف منهم بالحجاز ثم نزلت عندهم ثلاث قبائل من اليهود: بنو قينقاع وبنو قريظة وبنو النضير فحالفوا الأوس والخزرج. ونزلت طائفة أخرى منهم بالشام وهم الذين تنصروا فيما بعد. فتشتتوا في البلاد وتفرقوا بعد أن كانوا يعيشون جماعة واحد في عيش رغيد. وهذه هي سنة الله في عباده، سواء على سبيل المجتمعات أم الأفراد، فمن شكر الله على نعمه فأدى حقوق هذه النعم فأنفق في سبيل الله ولم يسرف ولم يتكبر ولم يبخل زاده الله تعالى نعماً فوق هذه النعم ومصداق ذلك قول الله تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم). [ابراهيم: 7] ومن جحد نعم الله فلم يشكر الله ولم يؤد حقوق هذه النعم، سلبها الله تعالى منه وأبدله مكانها خراباً ودماراً. ومصداق ذلك قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار). [ابراهيم: 28]
مختارات