تأملات في سورة العصر (2)
ثالثا:
(وتواصوا بالحق)، ولأن النهوض بالحق عسير، والمعوقات كثيرة، والصوارف عديدة، فهناك هوى النفس، ومنطق المصلحة، وظروف البيئة، وضغوط البيئة، والتقاليد، والعادات، والحرص والطمع، عندئذ يأتي (التواصي بالحق)، ليكون مذكراً، ومشجعاً ومحصناً للمؤمن الذي يجد أخاه معه يوصيه، ويشجعه، ويقف معه ويحرص على سلامته، وسعادته، ولا يخذله، ولا يسلبه، وفضلا عن ذلك، فإن (التواصي بالحق) ينقي الاتجاهات الفردية ويوقيها، فالحق لا يستقر، ولا يستمر إلا في مجتمع مؤمن، متواص، متعاونٍ، متكافل، متضامن.
فالمرء بالإيمان، والعمل الصالح يكمل نفسه،وبالتواصي بالحق يكمل غيره، وبما أن كيان الأمة مبني على الدين الحق الذي جاءنا بالنقل الصحيح، وأكده العقل، وأقره الواقع، وتطابق مع الفطرة، فلا بد من أن يستمر هذا الحق ويستقر، حتى تشعر الأمة بكيانها، ورسالتها، فالتواصي بالحق، قضية مصيرية فما لم تتنام دوائر الحق في الأرض، تنامت دوائر الباطل وحاصرته، فالتواصي بالحق: يعني الحفاظ على وجوده، والأداء لرسالته.
رابعاً:
(وتواصوا بالصبر)، وقد شاءت حكمة الله، جل جلاله أن تكون الدنيا دار ابتلاء بالشر والخير، ودار صراع بين الحق والباطل لذلك كان التواصي بالصبر ضرورةً للفوز بالابتلاء، والغلبة في الصراع إذاً لا بد من التواصي بالصبر على مغالبة هوى النفس، وعناد الباطل، وتحمل الأذى، وتكبد المشقة، لذلك يعد الصبر وسيلةً فعالةً لتذليل العقبات، ومضاعفة القدرات، وبلوغ الغايات، إن تكونوا تألمون، فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون.
* * *
تأملات في الإسلام: د. محمد راتب النابلسي.
مختارات