في رحاب قال تعالى: [وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُون] (2)
من بديع آلاء الله.... القشرة المخية
في الدماغ شيء يسمى القشرة المخية، سميت كذلك لأنها قشرة فعلاً لا يزيد سمكها على مليمترين، هذه القشرة المخية فيها أربعة عشر مليار خليّة، مرتبّة في ست طبقات متوالية، لا يزيد وزنها الكلّي على مئة غرام، تبدو معرّجة نتيجة ترتيبها على هذا الشكل، حيث تسمى التلافيف، من أجل أن تقلَّ المساحات.
ممّا يلفت النظر أن في هذه القشرة أليافاً عصبيّة يزيد طولها على ألف كيلو متر !!! هذه الطبقة الرقيقة جدا ًتتحكم في أخطر الوظائف، بل تحدد سلوك الفرد وميوله، وتعينه على النطق والبيان، وتعينه على التعلم، والحفظ، والتذكر، والإبداع، و الاختراع،والتدبير، وتعينه على الإحساس، والتحرك، والسمع، والبصر، ويقدّر العلماء أن في هذه القشرة من خمسين إلى مئة مركز، هذا الذي عرف حتى الآن ؛مركز السمع، ومركز البصر، ومركز التذكر، ومركز المحاكمة، ومركز الحركة، وتتحكم في أخطر الوظائف، في الإحساس، وتلّقي الأحاسيس الخارجية، وفي الحركة، وكما قيل:
أتحسبُ أنَّك جِزْمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
أما خلايا الدماغ فتزيد على مئة وأربعين مليار خلية استنادية، لمْ تعرف وظيفتها بعد، وربما يقال:
إن الدماغ هو أعقد ما في الإنسان، بل هو أعقد ما في الكون، وقد قيل: إن الدماغ بإمكانه أن يستوعب من المعلومات بعدد ذرّات الكون، وإن أكبر العباقرة، وأكبر المخترعين لم يستخدم من دماغه إلا الجزء اليسير، فهذا الدّماغ إذا عطلناه، أوأسأنا استخدامه، لم يكن كما أراده خالقه أداة
معرفة الله عز وجل، أداة توصلنا إلى السلامة في الدنيا، والسعادة في الآخرة، عندئذٍ كم تكون الخسارة عظيمة حينما نعطّل عقولنا، وننساق وراء شهواتنا.
مادّة يفرزها الدّماغ تعطّل الألم
(بوّابات الألم)
اكتشف العلماء أن في دماغ الإنسان مادّة مخدّرة، إذا بلغ الألم حدّاً لا يطاق أفرز الدماغ نفسه هذه المادة، فعطّلت الإحساس بالألم، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى، كما اكتشفوا أيضاً أن هناك بوابات على مجرى الجهاز العصبي تمنع ورود الألم إلى الدماغ، وأن هذه البوابات تتحكم فيها العوامل النفسيّة، فلو أن إنساناً كان يسعى في مرضاة الله، وهو سعيد بهذا السعي، فإنّ الإحساس بالألم لن يصل إلى الدماغ.
هناك حالات كثيرة وردت في التاريخ، كيف أن صحابياً تقطع يده اليمنى، فيمسك الراية باليسرى،
فتقطع اليسرى فيمسكها بعضديه، فأين الألم؟ هذا ما كشفه العلماء حديثاً، فقالوا: إن ثمة بوابات للألم على مداخل طريق الآلام، وطريق السيّالة العصبيّة التي هي من النهايات العصبية إلى النخاع الشوكي،إلى الجسم تحت السرير البصري، إلى أسرّة الدماغ، هذا طريق الآلام، وإن هذه الطرق
تغلق أحياناً، فتمنع إيصال الألم إلى الدّماغ، وهذه البوابات تتحكم فيها العوامل النفسية، كالثقة بالله سبحانه وتعالى، والثقة بالفوز، وفوق هذا وذاك إنْ كان الألم لا يطاق أفرز الدماغ مادة مخدّرة تعطّل الإحساس بالألم.
لذلك إذا كان إيمان الإنسان كبيراً، وكان هدفه نبيلاً، وكان سعيه حثيثاً على الله سبحانه، لا يعبأ بالآلام التي يسقط منها الرجال، فإن الإيمان قوة كبيرة.
أرسل خليفة المسلمين أبو بكر الصديق قائد جيشه خالد بن الوليد إلى معركة في شرق آسيا، فطلب منه خالد المدد، فقد كان عدد الأعداء مئة وثلاثين ألفاً، وكان المؤمنون نحواً من ثلاثين ألفاً، فكان خالد ينتظر خمسين ألفاً، أو ثلاثين ألفاً إضافيّة، فإذا برجل واحد اسمه القعقاع بن عمرو، يأتي ومعه رسالة، فقال له خالد بن الوليد: أين المدد؟ قال: أنا المدد، قال: أنت؟ فتح الكتاب، فإذا فيه: (من أبي بكر الصديق إلى خالد بن الوليد، أحمد الله إليك،لا تعجب يا خالد أني أرسلت إليك واحداً، فوالله الذي لا إله إلا هو إن جيشاً فيه القعقاع بن عمرو لن يهزم).
وكان النصر في هذه المعركة الحاسمة على يد القعقاع بن عمرو، فأن الرجل الواحد يكون بالإيمان كألف،وإن ألف رجل دون إيمان كأفٍّ.
المصدر: كتاب آيات الله في الإنسان: د. محمد راتب النابلسي.
مختارات