فوائد من الجواب الكافى
عقوبة الذنب قد تتأخر
الجواب الكافي
قال ابن القيم رحمه الله:
" وهاهنا نكتةٌ يغلط فيها الناس في أمر الذنب، وهي أنهم لا يرون تأثيره في الحال، وقد يتأخر تأثيره فيُنسى، ويظن العبد أنت لا يغيَّر بعد ذلك، وأن الأمر
كما قال القائل:
إذا لم يغبِّر حائطٌ في وقوعه..
فليس له بعد الوقوع غبار.
وسبحان الله!
كم أهلكت هذه النكتة من الخلق؟
وكم أزالت من نعمة؟
وكم جلبت من نقمة؟
وما أكثر المغترين بها من العلماء والفضلاء، فضلاً عن الجُهّال!
ولم يعلم المغتر أن الذنب ينقُضُ ولو بعد حين، كما ينقض السم، وكما ينقض الجرح المندمل على الغش والدّغل ".
حكمــــــة
الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف عنه أثره، إما لضعفه في نفسه ؛ بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام ورين الذنوب
حكمــــــة
كيف يجتمع التصديق الجازم الذي لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل؟ هذا التخلف له عدة أسباب: أحدها: ضعف العلم ونقصان اليقين، ومن ظن أن العلم لا يتفاوت فقوله من أفسد الأقوال وأبطلها. وقد سأل إبراهيم الخليل ربه أن يريه إحياء الموتى عياناً بعد علمه بقدرة الرب على ذلك ليزداد طمأنينة ويصير المعلوم غيبة شهادة. فإذا اجتمع إلى ضعف العلم عدم استحضاره، أو غيبته عن القلب كثيراً من أوقاته أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده، وانضم إلى ذلك تقاضي الطمع، وغلبات الهوى، واستيلاء الشهوة، وتسويل النفس، وغرور الشيطان، واستبطاء الوعد، وطول الأمل، ورقدة الغفلة، وحب العاجلة...
حكمــــــة
معنى قول المؤلف: إن من عقوبات المعاصي أنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه: قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) فأخبر تعالى أن من عوقبات من ترك التقوى ؛ بأن أنساه نفسه، أي أنساه مصالحها وما ينجيها من عذابه، وما يوجب له الحياة الأبدية، وكمال لذتها،... فترى العاصي مهملاً لمصالح نفسه مطيعاً لها، قد أغفل الله قلبه عن ذكره واتبع هواه.
حكمــــــة
فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، وينكس الطالب، فالقلب إنما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيره. فالذنب إما أن يميت القلب، أو يمرضه مرضاً مخوفاً، أو يضعف قوته ولا بد حتى ينتهي ضعفه إلى الأشياء الثمانية التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم: الهم، والحزن، والعجز، والكسل.
حكمــــــة
القلب كلما كان أبعد من الله كانت الآفات إليه أسرع، وكلما كان أقرب من الله بعدت عنه الآفات، والبعد من الله مراتب بعضها أشد من بعض. والقلب مثل الطائر ؛ كلما علا بعد عن الآفات، وكلما نزل احتوشته الآفات، فكما أن الشاة التي لا حافظ لها وهي بين الذئاب سريعة العطب، فكذا العبد إذا لم يكن عليه حافظ من الله، فذئبه مفترسه ولا بد، وإنما يكون عليه حافظ من الله بالتقوى.
حكمــــــة
نسيانه سبحانه للعبد: إهماله وتركه وتخليته عنه وإضاعته، فالهلاك أدنى إليه من اليد للفم. وأما إنساؤه نفسه: فهو إنساؤه لحظوظها العالية، وأسباب سعادتها وفلاحها وإصلاحها وما يكملها، ينسيه ذلك جميعه. وأيضاً ينسيه عيوب نفسه ونقصها وآفاتها، فلا يخطر بباله إزالتها وإصلاحها. وأيضاً ينسيه أمراض نفسه وقلبه وآلامها. فأي عقوبة أعظم من عقوبة من أهمل نفسه وضيعها، ونسي مصالحها وداءها ودواءها
حكمــــــة
إن نعم الله ما حفظ موجودها بمثل طاعته، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، وقد جعل الله لكل شيء سبباً وآفة، فجعل أسباب نعمه الجالبة لها طاعته، وآفاتها المانعة منها: معصيته، فإذا أراد حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها، وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها.
حكمــــــة
- اقتضت حكمة الله في قطع يد السارق، لأنه هو العضو الذي باشرته اليد الجناية، فما الحكمة لم يقطع فرج الزاني الذي باشرت المعصية؟ الجواب: أحدها: أن مفسدة ذلك تزيد على مفسدة الجناية، إذ فيه قطع النسل وتعريضه للهلاك. الثاني: أن الفرج عضو مستور لا يحصل بقطعه مقصود الحد من الردع والزجر لأمثاله من الجناية، بخلاف قطع اليد. الثالث: أنه إذا قطعت يده أبقيت له يداً أخرى تعوض عنها بخلاف الفرج. الرابع: أن لذة الزنا عمت جميع البدن، فكان الأحسن أن تعم العقوبة جميع البدن
حكمــــــة
القلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر، وحب الدنيا والرياسة، فسلم من كل آفة تبعده عن الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبر الله، ومن كل شهوة تعارض أمر ربه. وقد أثنى الله على خليله بسلامة القلب فقال: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ. إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) وقال تعالى حاكياً عنه أنه قال: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
حكمــــــة
لماذا البدعة أحب إلى إبليس من الذنوب؟ المذنب إنما ضرره على نفسه، وأما المبتدع فضرره على الناس، وفتنة المبتدع في أصل الدين، وفتنة المذنب في الشهوة، والمبتدع قد قعد للناس على صراط الله المستقيم يصدهم عنه، والمذنب ليس كذلك، والمبتدع قادح في أوصاف الرب وكماله، والمذنب ليس كذلك، والمبتدع متناقض لما جاء به الرسول، والعاصي ليس كذلك
حكمــــــة
قال تعالى (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) فلماذا نهى أن تأخذهم رأفة بالزنا، مع أن هذا عام في جميع الحدود؟ هذا وإن كان عاماً في جميع الحدود، ولكن ذكر في حد الزنى خاصة لشدة الحاجة إلى ذكره، فإن الناس لا يجدون في قلوبهم من الغلظة والقسوة على الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشارب الخمر، فقلوبهم ترحم الزاني أكثر مما ترحم غيره من أرباب الجرائم
حكمــــــة
منافع غض البصر: أحدها: أنه امتثال لأمر الله، وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى. الثاني: أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه. الثالث: أنه يورث القلب أنساً بالله وجمعية على الله، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته، ويبعده من الله، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه. الرابع: أنه يقوي القلب ويفرحه، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه. الخامس: أنه يكسب القلب نوراً، كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة. السادس: أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل، والصادق والكاذب. السابع: أنه يورث القلب ثباتاً وشجاعة وقوة، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة. الثامن: أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب، فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي
حكمــــــة
ما صبر عليه يوسف عليه السلام من مراودة امرأة العزيز أمر صعب جدا لقوة الداعي؟ فما قوة الداعي فيه؟ أحدها: ما ركبه الله سبحانه في طبع الرجل من ميله إلى المرأة كما يميل العطشان إلى المائ والجائع إلى الطعام. الثاني: أن أن يوسف كان شاباً وشهوة الشاب وحدته أقوى. الثالث: أنه كان عزباً لا زوجة له ولا سرية، تكسر حدة الشهوة. الرابع: أنه كان في بلاد غربة لا يتأتى للغريب فيها من قضاء الوطر ما يتأتى لغيره في وطنه وأهله ومعارفه. الخامس: أن المرأة كانت ذات منصب وجمال، بحيث أن كل واحد من هذين الأمرين يدعو إلى موافقتها. السادس: أنها غير آيبة ولا ممتنعة، فإن كثيراً من الناس يزيل رغبته في المرأة إباؤها وامتناعها. السابع: أنها طلبت وأرادت وبذلت الجهد، فكفته مؤنة الطلب وذل الرغبة إليها. الثامن: أنه في دارها وتحت سلطانها وقهرها، بحيث يخشى إن لم يطاوعها من أذاها له. التاسع: أنه لا يخشى أن تنم عليه هي، ولا أحد من جهتها، فإنها هي الطالبة الراغبة. العاشر: أنه كان مملوكاً في دارها، بحيث يدخل ويخرج ويحضر معها ولا ينكر عليه. الحادي عشر: أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال. الثاني عشر: أنها توعدته بالسجن والصغار، وهذا نوع إكراه. الثالث: أن الزوج لم يظهر من الغيرة والنخوة ما يفرق به بينهما ويبعد كل منهما عن صاحبه. وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع.