فوائد من الجواب الكافي 2
A
الحاجة للدعاء بالهداية..
فليس العبد أحوج إلى شيء منه إلى هذه الدعوة وليس شيء أنفع منها فإن الصراط المستقيم يتضمن علوماً وإرادة وأعمالاً وتروكاً ظاهرة وباطنة تجري عليه كل وقت، فتفاصيل الصراط المستقيم قد يعلمها العبد وقد لا يعلمها.
وقد يكون ما لا يعلمه أكثر مما يعلمه.
وما يعلمه قد يقدر عليه وقد لا يقدر عليه.
وما يفعله قد يقوم بشروط الإخلاص وقد لا يقوم.
وما يقوم فيه بشروط الإخلاص قد يقوم فيه بكمال المتابعة وقد لا يقوم.
وما يقوم فيه بالمتابعة قد يثبت عليه وقد يُصرف قلبه عنه، وهذا كله واقع سائر في الخلق فمستقل ومستكثر.
وقد يكون ما لا يعلمه أكثر مما يعلمه.
وما يعلمه قد يقدر عليه وقد لا يقدر عليه.
وما يفعله قد يقوم بشروط الإخلاص وقد لا يقوم.
وما يقوم فيه بشروط الإخلاص قد يقوم فيه بكمال المتابعة وقد لا يقوم.
وما يقوم فيه بالمتابعة قد يثبت عليه وقد يُصرف قلبه عنه، وهذا كله واقع سائر في الخلق فمستقل ومستكثر.
حكمــــــة
من قرّت عينه بالله قرّت به كل عين، ومن لم تقرّ عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، والله تعالى إنما جعل الحياة الطيبة لمن آمن بالله وعمل صالحاً كما قال تعالى " من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ".
فضمن لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاء في الدنيا بالحياة الطيبة والحسنى يوم القيامة، فلهم أطيب الحياتين وهم أحياء في الدارين ونظير هذا قوله تعالى " للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين ".
ونظيرها قوله تعالى " وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله ".
ففاز المتقون المحسنون بنعيم الدنيا والآخرة وحصلوا على الحياة الطيبة في الدارين، فإن طيب النفس وسرور القلب وفرحه ولذته وابتهاجه وطمأنينته وانشراحه ونوره وسعته وعافيته من ترك الشهوات المحرمة والشبهات الباطلة هو النعيم على الحقيقة، ولا نسبة لنعيم البدن إليه فقد قال بعض من ذاق هذه اللذة: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف.
وقال آخر: إنه ليمر بالقلب أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب
فضمن لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاء في الدنيا بالحياة الطيبة والحسنى يوم القيامة، فلهم أطيب الحياتين وهم أحياء في الدارين ونظير هذا قوله تعالى " للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين ".
ونظيرها قوله تعالى " وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله ".
ففاز المتقون المحسنون بنعيم الدنيا والآخرة وحصلوا على الحياة الطيبة في الدارين، فإن طيب النفس وسرور القلب وفرحه ولذته وابتهاجه وطمأنينته وانشراحه ونوره وسعته وعافيته من ترك الشهوات المحرمة والشبهات الباطلة هو النعيم على الحقيقة، ولا نسبة لنعيم البدن إليه فقد قال بعض من ذاق هذه اللذة: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف.
وقال آخر: إنه ليمر بالقلب أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب
حكمــــــة
عقوبات الذنوب واقعة ولابد ولكنها قد تتأخر، وقد تقارن الذنب، وقد تتأخر عنه إما يسير وإما مدة كما يتأخر المرض عن سببه أن يقارنه.
وكثيراً ما يقع الغلط للعبد في هذا المقام ويذنب الذنب فلا يرى أثره عقيبه ولا يدري أنه يعمل وعمله على التدريج شيئاً فشيئاً كما تعمل السموم والأشياء الضارة حذو القذة بالقذة، فإن تدارك العبد نفسه بالأدوية والاستفراغ والحمية وإلا فهو صائر إلى الهلاك، هذا إذا كان ذنباً واحداً لم يتداركه بما يزيل أثره فكيف بالذنب على الذنب كل يوم وكل ساعة ؟
وكثيراً ما يقع الغلط للعبد في هذا المقام ويذنب الذنب فلا يرى أثره عقيبه ولا يدري أنه يعمل وعمله على التدريج شيئاً فشيئاً كما تعمل السموم والأشياء الضارة حذو القذة بالقذة، فإن تدارك العبد نفسه بالأدوية والاستفراغ والحمية وإلا فهو صائر إلى الهلاك، هذا إذا كان ذنباً واحداً لم يتداركه بما يزيل أثره فكيف بالذنب على الذنب كل يوم وكل ساعة ؟
حكمــــــة
وأما العقوبات القدرية فهي نوعان: نوع على القلوب والنفوس، ونوع على الأبدان والأموال.
والتي على القلوب نوعان:
أحدهما: آلام وجودية يضرب بها القلب.
والثاني: قطع المواد التي بها حياته وصلاحه عنه، وإذا قطعت عنه حصل له أضدادها، وعقوبة القلوب أشد العقوبتين وهي أصل عقوبة الأبدان، وهذه العقوبة تقوى وتتزايد حتى تسري من القلب إلى البدن كما يسري ألم البدن إلى القلب، فإذا فارقت النفس البدن صار الحكم متعلقا بها فظهرت عقوبة القلب حينئذ وصارت علانية ظاهرة وهي المسماة بعذاب القبر.
والتي على الأبدان أيضا نوعان: في الدنيا، ونوع في الآخرة وشدتها ودوامها بحسب مفاسد ما رُتِّب عليه في الشدة والخفة
والتي على القلوب نوعان:
أحدهما: آلام وجودية يضرب بها القلب.
والثاني: قطع المواد التي بها حياته وصلاحه عنه، وإذا قطعت عنه حصل له أضدادها، وعقوبة القلوب أشد العقوبتين وهي أصل عقوبة الأبدان، وهذه العقوبة تقوى وتتزايد حتى تسري من القلب إلى البدن كما يسري ألم البدن إلى القلب، فإذا فارقت النفس البدن صار الحكم متعلقا بها فظهرت عقوبة القلب حينئذ وصارت علانية ظاهرة وهي المسماة بعذاب القبر.
والتي على الأبدان أيضا نوعان: في الدنيا، ونوع في الآخرة وشدتها ودوامها بحسب مفاسد ما رُتِّب عليه في الشدة والخفة
حكمــــــة
في عقوبة الزنى، لماذا لم تكن على قطع العضو مثل قطع يد السارق ؟
لأسباب:
1- أن الفرج عضو مستور لا يحصل بقطعه مقصود الحد من الردع والزجر لأمثاله من الجناية بخلاف قطع اليد.
2- أنه إذا قطع يده أبقى له يد أخرى تعوض عنها بخلاف الفرج.
3- ان لذة الزنا عمّت جميع البدن فكان الأحسن أن تعمّ العقوبة جميع البدن وذلك أولى من تحصيصها ببضعة منه، فعقوبات الشارع جاءت على أتم الوجوه وأوفقها للعقل وأقومها بالمصلحة.
لأسباب:
1- أن الفرج عضو مستور لا يحصل بقطعه مقصود الحد من الردع والزجر لأمثاله من الجناية بخلاف قطع اليد.
2- أنه إذا قطع يده أبقى له يد أخرى تعوض عنها بخلاف الفرج.
3- ان لذة الزنا عمّت جميع البدن فكان الأحسن أن تعمّ العقوبة جميع البدن وذلك أولى من تحصيصها ببضعة منه، فعقوبات الشارع جاءت على أتم الوجوه وأوفقها للعقل وأقومها بالمصلحة.
حكمــــــة
ومن عقوبات الذنوب: أنها تباعد عن العبد وليه وأنصح الخلق له وأنفعهم له وهو المَلَك الموكل به، وتدني منه عدوه وأغش الخلق له وأعظمهم ضرراً له وهو الشيطان.
فإن العبد إذا عصى الله تباعد منه المَلَك بقدر تلك المعصية حتى إنه يتباعد منه بالكذبة الواحدة مسافة بعيدة وفي بعض الآثار " إذا كذب العبد تباعد منه المَلَك ميلاً من نتن ريحه ".
فإذا كان هذا تباعد المَلَك منه من كذبة واحدة فماذا يكون قدر تباعده منه مما هو أكبر من ذلك ؟
فإن العبد إذا عصى الله تباعد منه المَلَك بقدر تلك المعصية حتى إنه يتباعد منه بالكذبة الواحدة مسافة بعيدة وفي بعض الآثار " إذا كذب العبد تباعد منه المَلَك ميلاً من نتن ريحه ".
فإذا كان هذا تباعد المَلَك منه من كذبة واحدة فماذا يكون قدر تباعده منه مما هو أكبر من ذلك ؟
الطاعات تحرق الشياطين.
الطاعة تنور القلب وتجلوه وتصقله وتقويه وتثبته حتى يصير كالمرآة المجلوة في جلائها وصفائها فيمتلئ نوراً، فإذا دنى الشيطان منه أصابه من النور ما يصيب مسترق السمع من الشهب الثواقب، فالشيطان يفرق من هذا القلب أشد من فرق الذئب من الأسد حتى إن صاحبه ليصرع الشيطان فيخر صريعاً، فتجتمع عليه الشياطين فيقول بعضهم لبعض: ما شأنه ؟ فيقال: أصابه أنسي وبه نظرة من الأنس.
حكمــــــة
كمال الإنسان مداره في أصلين:
1- معرفة الحق من الباطل.
2- إيثاره عليه.
وما تفاوتت منازل الخلق عند الله تعالى في الدنيا والآخرة إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين وهما اللذان أثنى الله بهما سبحانه على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام في قوله تعالى " واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ".
فالأيدي هي القوة في تنفيذ الحق، والأبصار هي البصائر في الدين، فوصفهم بكمال إدراك الحق وكمال تنفيذه
1- معرفة الحق من الباطل.
2- إيثاره عليه.
وما تفاوتت منازل الخلق عند الله تعالى في الدنيا والآخرة إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين وهما اللذان أثنى الله بهما سبحانه على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام في قوله تعالى " واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ".
فالأيدي هي القوة في تنفيذ الحق، والأبصار هي البصائر في الدين، فوصفهم بكمال إدراك الحق وكمال تنفيذه
خطر الذنوب على سوء الخاتمة..
وإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه قد يتمكن منه الشيطان، ويستعمله بما يريد من المعاصي وقد أغفل قلبه عن ذكر الله تعالى وعطّل لسانه من ذكره وجوارحه عن طاعته.
فكيف الظن به عند سقوط قواه واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع، وقد جمع الشيطان له كل قوته وهمته وحشد عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه فرصته، فإن ذلك آخر العمل فأقوى ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت، وأضعف ما يكون هو في تلك الحالة ؟
فكيف يوفق لحسن الخاتمة من كان غافلاً عن ذكر الله، واتبع هواه وكان أمره فرطا ؟
فكيف الظن به عند سقوط قواه واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع، وقد جمع الشيطان له كل قوته وهمته وحشد عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه فرصته، فإن ذلك آخر العمل فأقوى ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت، وأضعف ما يكون هو في تلك الحالة ؟
فكيف يوفق لحسن الخاتمة من كان غافلاً عن ذكر الله، واتبع هواه وكان أمره فرطا ؟
حكمــــــة
ولكن يعرض ههنا للنفوس غلطٌ عظيم وهو أن العبد قد ينزل نزولاً بعيداً أبعد مما بين المشرق والمغرب ومما بين السماء والأرض ولا يفيء بصعوده ألف درجة بهذا النزول الواحد كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة الواحدة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب "، فأي صعود يوازن هذه النزلة ؟
والنزول أمر لازم للإنسان ولكن من الناس من يكون نزوله إلى غفلة فهذا متى استيقظ من عفلته عاد إلى درجته أو إلى أرفع منها بحسب يقظته، ومنهم من يكون نزوله إلى مباح لا ينوي به الاستعانة على الطاعة فهذا إذا رجع إلى الطاعة قد يعود إلى درجته وقد لا يصل اليها.
والنزول أمر لازم للإنسان ولكن من الناس من يكون نزوله إلى غفلة فهذا متى استيقظ من عفلته عاد إلى درجته أو إلى أرفع منها بحسب يقظته، ومنهم من يكون نزوله إلى مباح لا ينوي به الاستعانة على الطاعة فهذا إذا رجع إلى الطاعة قد يعود إلى درجته وقد لا يصل اليها.
حكمــــــة
في مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله وعليه وسلم أنه قال: " جُعِلت الذلة والصغار على من خالف أمرى ".
وكلما عمل العبد معصية نزل الى أسفل درجة ولا يزال في نزول حتى يكون من الأسفلين، وكلما عمل طاعة ارتفع بها درجة ولا يزال في ارتفاع حتى يكون من الأعلين، وقد يجتمع للعبد في أيام حياته الصعود من وجه والنزول من وجه وأيهما كان أغلب عليه كان من أهله، فليس مَن صعد مائة درجة ونزل درجة واحدة كمن كان بالعكس.
وكلما عمل العبد معصية نزل الى أسفل درجة ولا يزال في نزول حتى يكون من الأسفلين، وكلما عمل طاعة ارتفع بها درجة ولا يزال في ارتفاع حتى يكون من الأعلين، وقد يجتمع للعبد في أيام حياته الصعود من وجه والنزول من وجه وأيهما كان أغلب عليه كان من أهله، فليس مَن صعد مائة درجة ونزل درجة واحدة كمن كان بالعكس.
حكمــــــة
ومن عقوباتها: أنها تمحق بركة العمر وبركة الرزق وبركة العلم وبركة العمل وبركة الطاعة، وبالجملة أنها تمحق بركة الدين والدنيا فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محت البركة من الارض إلا بمعاصي الخلق، قال الله تعالى " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ".
وقال تعالى " وألَّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه " وفي الحديث " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه "
وقال تعالى " وألَّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه " وفي الحديث " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه "
حكمــــــة
ومن عقوباتها: أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف وتكسوه أسماء الذم والصغار فتسلبه اسم المؤمن والبر والمحسن والمتقي والمطيع والمنيب والولي والورع والمصلح والعابد والخائف والأواب والطيب ونحوها، وتكسوه اسم الفاجر والعاصي والمخالف والمسيء والمفسد والخبيث وقاطع الرحم وأمثالها، فهذه أسماء الفسوق وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان التي توجب غضب الديّان ودخول النيران وعيش الخزي والهوان، وتلك أسماء توجب رضى الرحمان ودخول الجنان.
حكمــــــة
ومن عقوبات الذنوب: أنها تُزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بسبب ذنب ولا حلّت به نقمة إلا بذنب كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع بلاء إلا بتوبة، وقد قال تعالى " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ".
وقال تعالى " ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ".
فأخبر الله تعالى إنه لا يغير نعمته التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فيغير طاعة الله بمعصيته وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه فإذا غيّر غيّر الله عليه جزاءً وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد.
وقال تعالى " ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ".
فأخبر الله تعالى إنه لا يغير نعمته التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فيغير طاعة الله بمعصيته وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه فإذا غيّر غيّر الله عليه جزاءً وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد.
حكمــــــة
فائدة: الأشياء الثمانية التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الهم والحزن والكسل والعجز والجبن والبخل وضِلع الدين وغلبة الرجل، وكل اثنين منها قرينان، فالهمّ والحزن قرينان، فإن المكروه والوارد على القلب إن كان من أمر مستقبل يتوقعه أحدث الهم وإن كان من أمر ماض قد وقع أحدث الحزن، والعجز والكسل قرينان فإنّ تخلّف العبد عن أسباب الخير والفلاح إن كان لعدم قدرته فهو العجز وإن كان لعدم إرادته فهو الكسل، والجبن والبخل قرينان فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن وإن كان بماله فهو البخل، وضلع الدين وقهر الرجال قرينان، فإن استيلاء الغير عليه إن كان بحق فهو من ضلع الدين، وإن كان بباطل فهو من قهر الرجال
من عقوبات الذنوب:
أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة، أو تعوقه وتوقفه عن السير فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة، هذا إن لم ترده عن وجهته إلى ورائه، فالذنب يحجب الواصل ويقطع السائر وينكس الطالب، والقلب إنما يسير إلى الله بقوة قلبه، فإذا مرض القلب بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيّره فإن زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعا يصعب تداركه
من عقوبات الذنوب:
ومن عقوباتها: أنها سبب لنسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهنالك الهلاك الذي لا يُرجى معه نجاة، قال الله" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون. ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون "، فأمر بتقواه ونهى أن يتشبه عباده المؤمنون بمن نسيه بترك تقواه، وأخبر أنه عاقب من ترك التقوى بأن أنساه نفسه أي أنساه مصالحها وما ينجيها من عذابه، وما يوجب له الحياة الأبدية وكمال لذتها وسرورها ونعيمها، فأنساه الله ذلك كله جزاءً لما نسيه من عظمته وخوفه والقيام بأمره.
من عقوبات الذنوب:
ومنها: حرمان دعوة الملائكة، فإن الله قال " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات " فهذا دعاء الملائكة للمؤمنين المتبعين لكتابه وسنة رسوله الذين لا سبيل لهم غيرهما فلا يطمع غير هؤلاء بإجابة هذه الدعوة إذا لم يتصف بصفات المدعو له.
من عقوبات الذنوب:
ومنها: أن العبد لايزال يرتكب الذنوب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه، وذلك علامة الهلاك فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله، وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار.
من عقوبات الذنوب:
ومنها: أنه ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه، حتى يفتخر أحدهم بالمعصية ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها فيقول يا فلان عملت كذا وكذا، وهذا النوع من الناس لا يعافون وتسد عليهم طريق التوبة وتغلق عنهم أبوابها في الغالب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من الجهار أن يستر الله على العبد ثم يصبح يفضح نفسه ويقول يا فلان عملت يوم كذا وكذا وكذا فيهتك نفسه وقد بات يستره ربه.
من عقوبات الذنوب:
ومنها: حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا إنه يصد عن الطاعة، ويقطع طريق طاعة أخرى فينقطع عليه طريق ثالثة ثم رابعة، وهلم جرا فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها، وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضاً طويلاً فمنعه من عدة أكلات أطيب منها، والله المستعان.
من عقوبات الذنوب:
ومنها: ظلمته يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا أدلهم، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره، فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سواداً في الوجه حتى يراه كل أحد.
قال عبد الله بن عباس: إن للحسنة ضياءً في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق
قال عبد الله بن عباس: إن للحسنة ضياءً في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق
من عقوبات المعاصي:
ومنها: الوحشة التي تحصل له بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير منهم فإنه يجد وحشة بينه وبينهم، وكلما قويت تلك الوحشة ابتعد عنهم ومن مجالستهم، وحُرم بركة الانتفاع بهم وقرُب من حزب الشيطان بقدر ما يبعد من حزب الرحمن.
وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه، وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشاً من نفسه.
قال بعض السلف: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خُلق دابتي وامرأتي.
وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه، وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشاً من نفسه.
قال بعض السلف: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خُلق دابتي وامرأتي.
من عقوبات المعاصي:
ومنها: وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لايوازنها ولايقارنها لذة أصلاً ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة، وهذا أمر لايحس به إلا من في قلبه حياة فلو لم تُترك الذنوب إلا حذراً من وقوع تلك الوحشة لكان العاقل حرياً بتركها، وقد شكى رجل إلى بعض العارفين وحشة يجدها في نفسه، فقال له: إذا كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس.
وليس على القلب أشد من وحشة الذنب على الذنب
وليس على القلب أشد من وحشة الذنب على الذنب
حكمــــــة
في مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإن رسول الله ضرب لهن مثل كمثل القوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيئ بالعود حتى جمعوا سواداً وأججوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها.
حكمــــــة
ذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمرو الصنعاني قال: أوحى الله إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك أربعين الفاً من خيارهم وستين ألفا من شرارهم.
قال: يارب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار ؟
قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم.
وذكر أبو عمر بن عبد البر عن أبي عمران قال: بعث الله عز وجل ملَكين إلى قرية أن دمّراها بمن فيها فوجدا فيها رجلاً قائماً يصلي في مسجد فقالا: يا رب إن فيها عبدك فلاناً يصلي فقال الله عز و جل: دمّراها ودمّراه معهم فإنه لم يتمعر وجهه فيّ قط.
قال: يارب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار ؟
قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم.
وذكر أبو عمر بن عبد البر عن أبي عمران قال: بعث الله عز وجل ملَكين إلى قرية أن دمّراها بمن فيها فوجدا فيها رجلاً قائماً يصلي في مسجد فقالا: يا رب إن فيها عبدك فلاناً يصلي فقال الله عز و جل: دمّراها ودمّراه معهم فإنه لم يتمعر وجهه فيّ قط.
حكمــــــة
الدنيا كلها من أولها الى آخرها كنفس واحد من أنفاس الآخرة كما في مسند أحمد والترمذي من حديث المستورد بن شداد قال قال صلى الله عليه وسلم: ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع.
فإيثار هذا النقد على هذه النسيئة من أعظم الغبن وأقبح الجهل، وإذا كان هذا نسبة الدنيا بمجموعها إلى الآخرة فما مقدار عمر الإنسان بالنسبة إلى الآخرة، فأيما أولى بالعاقل إيثار العاجل في هذه المدة اليسيرة وحرمان الخير الدائم في الآخرة.
فإيثار هذا النقد على هذه النسيئة من أعظم الغبن وأقبح الجهل، وإذا كان هذا نسبة الدنيا بمجموعها إلى الآخرة فما مقدار عمر الإنسان بالنسبة إلى الآخرة، فأيما أولى بالعاقل إيثار العاجل في هذه المدة اليسيرة وحرمان الخير الدائم في الآخرة.
حكمــــــة
عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتَ الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ثم تلى قوله عز وجل " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ".
وقال بعض السلف: إذا رأيتَ الله عز و جل يتابع عليك نعمة وأنت مقيم على معاصيه فاحذره فإنما هو استدراج.
وقال بعض السلف: إذا رأيتَ الله عز و جل يتابع عليك نعمة وأنت مقيم على معاصيه فاحذره فإنما هو استدراج.
حكمــــــة
في المسند من حديث أنس بن مالك قال قال صلى الله عليه وسلم: مررتُ ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت من هؤلاء ؟ قالوا: خطباء من أمتك من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم أفلا يعقلون.
وفيه أيضا من حديثه قال صلى الله عليه وسلم: لما عُرج بي مررتُ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم.
وفيه أيضا من حديثه قال صلى الله عليه وسلم: لما عُرج بي مررتُ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم.
حكمــــــة
وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه وضيّعوا أمره ونهيه ونسوا أنه شديد العقاب وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند.
وقال بعض العلماء: من قطع عضواً منك في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة على نحو هذا، وقيل للحسن: نراك طويل البكاء ؟ فقال: أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي.
وقال بعض العلماء: من قطع عضواً منك في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة على نحو هذا، وقيل للحسن: نراك طويل البكاء ؟ فقال: أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي.
حكمــــــة
وقد دلّ العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى رب العالمين وطلب مرضاته والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر فما استُجلبت نعم الله واستُدفعت نقمة الله بمثل طاعته والتقرب إليه والإحسان إلى خلقه.
حكمــــــة
من الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه: أن يستعجل العبد ويستبطئء الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل يتعاهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله.
وفى البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لاحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي
وفى البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لاحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي
حكمــــــة
وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً فإن السهم يخرج منه خروجاً ضعيفاً، وإما لحصول المانع من الاجابة من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها.
حكمــــــة
ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيراً عجيباً في الشفاء، وقد مكثتُ بمكة مدة تعتريني أدواء ولا أجد طبيباً ولا دواءً فكنتُ أعالج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيراً عجيباً فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً وكان كثير منهم يبرأ سريعاً.
ولكن ههنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يُستشفى بها ويُرقى بها هي في نفسها نافعة شافية ولكن تستدعي قبول المحل، وقوة همّة الفاعل وتأثيره فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء
ولكن ههنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يُستشفى بها ويُرقى بها هي في نفسها نافعة شافية ولكن تستدعي قبول المحل، وقوة همّة الفاعل وتأثيره فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء
حكمــــــة
ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء.
وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ باذن الله.
وفي مسند أحمد من حديث أسامة بن شريك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله.
وفي لفظ: إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا. قالوا يا رسول الله: ما هو ؟ قال: الهرم.
قال الترمذي هذا حديث صحيح، وهذا يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها
وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ باذن الله.
وفي مسند أحمد من حديث أسامة بن شريك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله.
وفي لفظ: إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا. قالوا يا رسول الله: ما هو ؟ قال: الهرم.
قال الترمذي هذا حديث صحيح، وهذا يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها

