2. فوائد من كتاب ورثة الأنبياء لعبد الملك بن محمد عبد الرحمن القاسم
حكمــــــة
همم عالية: رحم الله وكيع بن الجراح فقد كان يومه كله في طاعة؛ كان يصوم الدهر، وكان يبكر فيجلس لأصحاب الحديث إلى ارتفاع النهار ثم ينصرف فيقيل إلى وقت صـلاة الظـهر، ثم يخرج فيصلي الظهر ويقصد طريق المشرعة التي كان يصعد منها أصحاب الروايا فيريحون نواضحهم، فيعلمهم من القرآن ما يؤدون به الفرض إلى حدود العصر، ثم يرجع إلى مسجده، فيصلي العصر، ثم يجلس فيدرس القرآن ويذكر الله إلى آخر النهار، ثم يدخل إلى منزله فيقدم إليه إفطاره(تاريخ بغداد).
حكمــــــة
هذا الإمام الحاكم يصف الرحالين لطلب العلم فيقول: آثروا قطع المفاوز والقفاز على التنعم في الدمن والأوطان، وتنعموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة أهل العلم والأخبار، جعلوا المساجد بيوتهم، وجعلوا غذاءهم الكتابة، وسمرهم المعارضة، استرواحهم المذاكرة، وخلوقهم المداد، ونومهم السهاد، وتوسدهم الحصى. فالشدائد مع وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء، ووجود الرخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بؤس! فعقولهم بلذاذة السنة غامرة، وقلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة، تعلم السنن سرورهم، ومجالس العلم حبورهم، وأهل السنة قاطبة إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم(معرفة علوم الحديث).
حكمــــــة
عن كثير بن قيس قال: كنت جالساً عند أبي الدرداء في مسجد دمشق. فأتاه رجل، فقال: يا أبا الدرداء! أتيتك من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدث به، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فما جاء بك تجارة؟ قال: لا، ولا جاء بك غيره؟ قال: لا، قال: فإن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له طريقاً على الجنة»(رواه ابن ماجه) الحديث.
حكمــــــة
أحد العلماء: (منصور بن عمار) يصف حال الرحلة في طلب العلم وأهلها فيقول عنهم: هم يرحلون من بلد إلى بلد، خائضين في العلم كل واد، فلو رايتهم في ليلهم وقد انتصبوا لنسخ ما سمعوا، وتصحيح ما جمعوا، هاجرين الفرش الوطئ والمضجع الشهي، غشيهم النعاس فأنامهم، وتساقطت من أكفهم أقلامهم، فانتبهوا مذعورين، ودلكوا بأيديهم عيونهم، ثم عادوا إلى الكتابة حـرصاً عليها، لعلمت أنهم حراس الإسلام وخزان الملك العلام، فـإذا قضوا من بعض ما راموا أوطارهم انصرفوا قاصدين ديارهم، فلزموا المساجد وعمروا المشاهد.
حكمــــــة
رحل الإمام الحافظ محمد بن طاهر المقدسي في طلب العلم، وكان ما قال واصفاً حاله أثناء رحلته: بلت الدم في طلبي للحديث مرتين: مرة ببغداد ومرة بمكة؛ وذلك أني كنت أمشي حافياً في سفري لطلب العلم في شدة الحر وعلى الرمضاء المحرقة، فأثر ذلك في جسدي فبلت دماً، وما ركبت دابة قط في طلب الحديث إلا مرة واحدة، وكنت دائماً أحمل كتبي على ظهري في أثناء سفري، حتى استوطنت البلاد وما سألت في حال طلبي للعلم أحداً من الناس مالاً، وكنت أعيش على ما يأتيني الله به من رزق من غير سؤال(تذكرة الحفاظ).
حكمــــــة
كان إسحاق بن منصور المروزي من تلاميذ الإمام أحمد، وقد كتب عن الإمام أحمد مجموعة من المسائل الفقهية ثم رجع إلى بلده نيسابور، ثم إنه بلغه أن الإمام أحمد قد رجع عن تلك المسائل وصار يفتي بغيرها، فوضع إسحاق صحفه وكتبه التي فيها تلك المسائل في جراب، وحملها على ظهره، وخرج راحلاً على قدميه من نيسابور إلى بغداد، حتى لقي الإمام أحمد وسأله عن تلك المسائل فأقر له أحمد بما أفتاه به أولاً، وأعجب الإمام أحمد به(تذكرة الحفاظ).
حكمــــــة
قال أحمد بن سنان الواسطي: بلغني أن أحمد بن حنبل رهن نعله عند خباز على طعام أخذه منه، عند خروجه من اليمن.وسرقت ثيابه وهو باليمن، فجلس في بيته ورد عليه الباب، وفقده أصحابه، فجاءوا إليه فسألوه فأخبرهم، فعرضوا عليه ذهباً فلم يقبله، ولم يأخذ منهم إلا ديناراً واحداً، ليكتب لهم به ـ أي أخذ الدينار على أن يكون أجرة لما ينسخه لهم من الكتب ـ فكتب لهم بالأجر، رحمه الله تعالى(البداية والنهاية).
حكمــــــة
الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما حضرته الوفاة قال لجاريته: ويحك! هل أصبحنا؟ قالت: لا، ثم تركها ساعة، ثم قال: انظري، فقالت: نعم، فقال: أعوذ بالله من صباح إلى النار، ثم قال: مرحباً بالموت، مرحباً بزائرٍ جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل، ولظمأ الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر(جامع بيان العلم وفضله).
حكمــــــة
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» (رواه البخاري ومسلم).
حكمــــــة
قال ابن الجوزي في كتابه «صيد الخاطر» مخـبراً عن حاله في أيام طلبه للعلم: ولقد كنت في حلاوة طلبي للعلم ألقى من الشدائد ما هو أحلى عندي من العسل لأجل ما أطلب وأرجو، كنت في زمن الصبا آخذ معي أرغفة يابسة، فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى ببغداد فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء (لقسوتها وصلابتها) فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم، ولقد كنت أدور على المشايخ لسماع الحديث فينقطع نفسي من العدو لئلا أسبق، وكنت أصبح وليس لي مأكل وأمسي وليس لي مأكل، ما أذلني الله لمخلوق قط، ولو شرحت أحوالي لطال الشرح.
حكمــــــة
قال الإمام ابن الجوزي في كتابه «لفتة الكبد في نصيحة الولد»، متحدثاً لولده عن نشأته ومبتدأ حاله: واعلم يا بني، أن أبي كان موسراً وخلف ألوفاً من المال، فلما بلغت دفعوا لي عشرين ديناراً ودارين، وقالوا لي: هذه التركة كلها، فأخذت الدنانير واشتريت بها كتباً من كتب العلم، وبعت الدارين وأنفقت ثمنها في طلب العلم، ولم يبق لي شيء من المال. وما ذل أبوك في طلب العلم قط، ولا خرج يطوف في البلدان من الوعاظ، ولا بعث رقعةً إلى أحدٍ يطلب منه شيئاً قط، وأموره تجري على السداد: " وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ".
حكمــــــة
عن مسعر بن كدام قال: أتيت أبا حنيفة في مسجده فرأيته يصلي الغداة، ثم يجلس يعلم الناس العلم إلى الظهر، ثم يصلي ويجلس للناس طول نهاره إلى العشاء، فقلت في نفسي: متى يتفرغ هذا للعبادة، لأتعاهدنه الليلة، فتعاهدته، فلما كان الليل انتصب في المسجد قائماً إلى الصباح فصلى الفجر ثم جلس للناس إلى العشاء الآخرة، ثم فعل في الليلة الآتية كفعلة في الماضية، ثم تعاهدته ففعل ذلك أياماً كثيرة، فقلت: لألزمنه حتى أموت. فيقال: إن مسعرًا مات في مسجد أبي حنيفة وهو ساجد(تاريخ بغداد).
حكمــــــة
الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما حضرته الوفاة قال لجاريته: ويحك! هل أصبحنا؟ قالت: لا، ثم تركها ساعة، ثم قال: انظري، فقالت: نعم، فقال: أعوذ بالله من صباح إلى النار، ثم قال: مرحباً بالموت، مرحباً بزائرٍ جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل، ولظمأ الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر(جامع بيان العلم وفضله).
حكمــــــة
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» (رواه البخاري ومسلم).
حكمــــــة
قال ابن الجوزي في كتابه «صيد الخاطر» مخـبراً عن حاله في أيام طلبه للعلم: ولقد كنت في حلاوة طلبي للعلم ألقى من الشدائد ما هو أحلى عندي من العسل لأجل ما أطلب وأرجو، كنت في زمن الصبا آخذ معي أرغفة يابسة، فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى ببغداد فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء (لقسوتها وصلابتها) فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم، ولقد كنت أدور على المشايخ لسماع الحديث فينقطع نفسي من العدو لئلا أسبق، وكنت أصبح وليس لي مأكل وأمسي وليس لي مأكل، ما أذلني الله لمخلوق قط، ولو شرحت أحوالي لطال الشرح.
حكمــــــة
قال الإمام ابن الجوزي في كتابه «لفتة الكبد في نصيحة الولد»، متحدثاً لولده عن نشأته ومبتدأ حاله: واعلم يا بني، أن أبي كان موسراً وخلف ألوفاً من المال، فلما بلغت دفعوا لي عشرين ديناراً ودارين، وقالوا لي: هذه التركة كلها، فأخذت الدنانير واشتريت بها كتباً من كتب العلم، وبعت الدارين وأنفقت ثمنها في طلب العلم، ولم يبق لي شيء من المال. وما ذل أبوك في طلب العلم قط، ولا خرج يطوف في البلدان من الوعاظ، ولا بعث رقعةً إلى أحدٍ يطلب منه شيئاً قط، وأموره تجري على السداد: " وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ".
حكمــــــة
عن مسعر بن كدام قال: أتيت أبا حنيفة في مسجده فرأيته يصلي الغداة، ثم يجلس يعلم الناس العلم إلى الظهر، ثم يصلي ويجلس للناس طول نهاره إلى العشاء، فقلت في نفسي: متى يتفرغ هذا للعبادة، لأتعاهدنه الليلة، فتعاهدته، فلما كان الليل انتصب في المسجد قائماً إلى الصباح فصلى الفجر ثم جلس للناس إلى العشاء الآخرة، ثم فعل في الليلة الآتية كفعلة في الماضية، ثم تعاهدته ففعل ذلك أياماً كثيرة، فقلت: لألزمنه حتى أموت. فيقال: إن مسعرًا مات في مسجد أبي حنيفة وهو ساجد(تاريخ بغداد).
حكمــــــة
عن معن بن عيسى قال: كان مالك إذا أراد أن يجلس للحديث اغتسل، وتبخر، وتطيب، فإن رفع أحد صوته في مجلسه قال: قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ " فمن رفع صوته عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم (تهذيب الأسماء واللغات).
حكمــــــة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والله سبحانه جعل مما يعاقب به الناس على الذنوب سلب الهدى والعلم النافع، كقوله: " وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ "، وقال: " وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ " وقال: " وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ " وقال: " فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا " وقال: " فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ " (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية).
حكمــــــة
ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه «مدارج السالكين» في منزلة الخشوع: ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية ـ قدس الله روحه ـ من ذلك أمراً لم أشاهده من غيره، وكان يقول كثيراً: ما لي شيء، ولا مني شيء، ولا في شيء، وكان كثيراً ما يتمثل بهذا البيت: أنا المكدي وابن المكدي وهكذا كان أبي وجدي قدس الله روحه. فهو يرسم صوراً عملية من التواضع، وإلا فهو من أئمة السلف ومن عائلة علم ودين نفع الله بها الإسلام والمسلمين، ولا تزال مؤلفات عائلة ابن تيمية في الأمة، تصدر عنها وترجع إليها؛ لما فيها من علم والتزام بمنهج السلف الصالح القائم على الكتاب والسنة.
حكمــــــة
من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زيد في علمه زيد في تواضعه ورحمته، وكلما زيد في عمله زيد في خوفه وحذره، وكلما زيد في عمره نقص من حرصه، وكلما زيد في ماله زيد في سخائه وبذله، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم، وعلامات الشقاوة أنه كلما زيد في علمه زيد في كبره وتيهه، وكلما زيد في علمه زيد في فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه، وكلما زيد في عمره زيد في حرصه، وكلما زيد في ماله زيد في بخله وإمساكه، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في كبره وتيهه. وهذه الأمور ابتلاء من الله وامتحان يبتلي بها عباده فيسعد بها أقوام ويشقى بها أقوام(الفوائد).
حكمــــــة
قال ابن الجوزي مفصلاً الأمر: ما أعرف للعالم قط لذة ولا عزًا ولا شرفاً ولا راحة ولا سلامة أفضل من العزلة؛ فإنه ينال بها سلامة بدنه ودينه وجاهه عند الله عز وجل وعند الخلق؛ لأن الخلق يهون عليهم من يخالطهم، ولا يعظم عندهم قدر المخالط لهم، ولهذا عظم قدر الخلفاء لاحتجابهم وإذا رأى العوام أحد العلماء مترخصاً في أمر مباح هان عندهم. فالواجب عليه صيانة علمه وإقامة قدر العلم عندهم.
حكمــــــة
روى ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد عن عبد الرحمن البغوي قال: مر علي أحمد بن حنبل جائياً من الكوفة ومعه كيس فيه كتب فقلت له: إلى متى وأنت تطلب العلم؟ إذا كتب الرجل ثلاثين ألف حديث ألا يكفيه ذلك؟ فسكت عني، فقلت: ستين ألف؟ فسكت عني، فقلت: مائة ألف حديث؟ فقال أحمد: إذا كتـب مـائة ألف حـديث فحينئذ يكون قد عرف شيئاً من العلم.
حكمــــــة
قال الإمام أبو هلال العسكري: إذا كنت أخي ترغب في سمو القدر ونباهة الذكر، وارتفاع المنزلة بين الخلق، وتلتمس عزاً لا تثلمه الأيام والليالي، وإذا كنت تلتمس هيبة من غير سلطان، وغنى من غير مال، ومنعة بغير سلاح، وعلاء من غير عشيرة، وأعواناً بغير أجر، وجنداً بلا ديوان وفرض «أي راتب» فعليك بالعلم، فاطلبه في مظانه تأتيك المنافع عفواً، وتلق ما يعتمد منها صفواً، واجتهد في تحصيله ليالي قلائل، ثم تذوق حلاوة الكرامة مدة عمرك.
حكمــــــة
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «مفتاح دار السعادة» وهو يحدث عن سلطان العلم وهيبته وعزته في النفوس والقلوب فيقول: سلطان العلم أعظم من سلطان اليد، ولهذا ينقاد الناس للحجة ما لا ينقادون لليد، فإن الحجة تنقاد لها القلوب، وأما اليد فإنما ينقاد لها البدن، فالحجة تأسر القلب وتقوده، بل سلطان الجاه إذا لم يكن معه علم يساس به فهو بمنزلة سلطان السباع والأسود ونحوها، قدرة بلا علم ولا رحمة، بخلاف سلطان الحجة فإنه قدرة بعلم ورحمه وحكمة وسلطان العلم نراه واقعاً ملموساً في حياتنا لا يحتاج إلى بسط وإيضاح، فمن يذهب للعلماء للسلام عليهم أكثر بكثير ممن يذهب إلى الوزراء والحكام وغيرهم من أهل الدنيا!!
حكمــــــة
قال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء بن أبي رباح عشرين سنة! وقال إسماعيل بن أمية: كان عطاء يطيل الصمت، فإذا تكلم خيل إلينا أنه مؤيد. وكان أسود، أعور، أفطس، أشل، أعرج، ثم عمي! ففي جسمه ستة عيوب، ولكنه كان ركناً من أركان العلم والدين والصلاح والقدوة، وكان ثقة فقيهاً، حج نيفا على سبعين حجة(تذكرة الحفاظ).
حكمــــــة
جمع معاذ بن جبل رضي الله عنه فضائل العلم فقال: تعلموا العلم، فإن تعلمه حسنة، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، ألا إن العلم سبيل منازل أهل الجنة، وهو المؤنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء، والمعين على الضراء، والزين عند الأخلاء، والسلام على الأعداء، يرفع الله له أقواماً فيجعلهم في الخير قادة أئمة، تقتفى آثارهم، ويقتدى بأفعالهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسهم، ويصلي عليهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوام الأرض وسباع البر والبحر والأنعام، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصباح الأبصار من الظلمة، وقوة الأبدان من الضعف، ويبلغ بالعبد منازل الأخيار والأبرار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل بالصيام، ومذاكرته تعدل بالقيام، وبه توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، وهو إمام والعمل تابعه، ويلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء(تنبيه الغافلين).
حكمــــــة
قال ابن القيم في مدح الفقهاء والعلماء: فقهاء الإسلام ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام، الذين خصوا باستنباط الأحكام، وعنوا بضبط قواعـد الحـلال مـن الحرام، فهم في الأرض بمنـزلة النجوم في السماء، بهم يهتدى في الظلماء، حاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ " قال ابن عباس رضي الله عنهما في إحدى الروايتين عنه، وجابر بن عبد الله، والحسن البصري وأبو العالية، وعطاء والضحاك، ومجاهد في إحدى الروايتين عنه: أولو الأمر هم العلماء. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: هم الأمراء. وهي الرواية الأخرى عن ابن عباس. والتحقيق: أن الأمراء إنما يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم، فطاعتهم تبع لطاعة العلماء (إعلام الموقعين لابن القيم).
حكمــــــة
قال الإمام الآجري: فما ظنكم - رحمـكم الله - بطريق فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء، فإن لم يكن فيه ضياء وإلا تحيروا، فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت طبقات من الناس، لابد لهم من السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح فبقوا في الظلمة، فما ظنكم بهم؟ هكذا العلماء في الناس، لا يعلم كثير من الناس كيف أداء الفرائض ولا كيف اجتناب المحارم، ولا كيف يعبد الله في جميع ما يعبد به خلقه إلا ببقاء العلماء، فإذا مات العلماء تحير الناس، ودرس العلم بموتهم، وظهر الجهل(أخلاق العلماء).
حكمــــــة
عن محمد بن سلام الجمحي قال: قيل للخليفة المنصور: هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تحصله؟ فقال: بقيت خصلة أن أقعد على سرير المدرس وحولي طلاب الحديث فيقول المستملي: حدثنا، فأقول: حدثنا فلان عن فلان..... عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال محمد بن سلام: فلما كان الصباح غدا الوزراء وأبناؤهم، ومعهم المحابر والدفـاتر، ودخـلوا على المنصور ليكتبوا عنه الحديث ويحققوا له ما تمناه، فلما رآهم المنصور قال: لستم بأصحاب الحديث الذين أريدهم إنما هم الدنسة ثيابهم، المشققة أرجلهم، الرحالون في البلدان(تاريخ الخلفاء).
حكمــــــة
توعد الله عز وجل من أعرض عن العلم الواجب عليه وعن تعلمه بوعيد شديد فقال تعالى: " وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ". قال ابن القيم رحمه الله والمعنى أن من نسي ربه أنساه الله ذاته ونفسه، فلم يعرف حقيقته ولا مصالحه، بل نسي ما به صلاحه وفلاحه في معاشه ومعاده، فصار معطلاً مهملاً بمنـزلة الأنـعام السائبة، بل ربما كانت الأنعام أخبر بمصالحها منه. ونسيان الإنسان لربه بمعنى إعراضه عن دينه وتركه لتعلم شرعه وأوامره.
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله: العلم حياة ونور، والجهل موت وظلمة، والإنسان إنما يتميز عن غيره من الحيوانات بفضيلة العلم والبيان، وإلا فغيره من الدواب والسباع أكثر أكلاً منه وأقوى بطشاً، وإنما ميز على الحيوانات بعلمه، فإذا عدم العلم بقي معه القدر المشترك بينه وبين سائر الدواب وهي الحيوانية المحضة فلا يبقى فيه فضل عليهم. والمقصود أن الإنسان إذا لم يكن له علم بما يصلحه في معاشه ومعاده كان الحيوان البهيم خيراً منه لسلامته في المعاد مما يهلكه دون الإنسان الجاهل.