آداب تلاوة القرآن الكريم
أخي المسلم..
إن تلاوة القرآن الكريم من أجل الطاعات وأعظم العبادات التي يمكن للمسلم أن يتقرَّب بها إلى الله تعالى، ولكل عبادة يقوم بها المسلم جملة من الآداب ينبغي عليه مراعاتها والأخذ بها، ليكون عمله صحيحاً ومقبولاً من الله تعالى وبالتالي ليُجْزَى عليه الجزاء الأوفى..
لذا ينبغي على المسلم إذا تلا القرآن الكريم أن يتلوه حق تلاوته، ويكون ذلك بأن يلتزم آداب تلاوة القرآن كاملة، ليكون بذلك قد ائتمر بأمر الله تعالى وأمر رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، إذ يقول الله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيْلاً﴾[المزمل:4]. ويقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: « إن الله يحب أن يُقْرَأَ القرآن كما أُنْزِلَ ». أخرجه ابن خزيمة في صحيحه.
وفي هذا المعنى يقول الإمام الغزالي – رحمه الله تعالى -: [وتلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزجار والائتمار، فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ].
وقد حرص سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام على تعليم أصحابه رضي الله عنهم القرآن الكريم مُرتَّلاً كما أُنْزِلَ، ومن الصحابة الذين علَّمهم النبي عليه الصلاة والسلام: أبيُّ بن كعب، وعبدالله بن مسعود، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل – رضي الله عنهم أجمعين-.
ولقد قال عليه الصلاة والسلام في أولهم: «أقرؤكم أبي»، وقال في ثانيهم: «من أحب أن يقرأ القرآن غضَّاً طرياً كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد». ويعني بذلك ابن مسعود رضي الله عنه.
إذاً.. فلتلاوة القرآن آداب يجب للمسلم أن يتحلَّى بها هي:
1- أن يقرأ القرآن الكريم مُرَتَّلاً (أي: مُجَوَّداً)، ويكون ذلك بأن يُخْرِج كل حرف من مخرجه الصحيح، فيعطيه حقَّه من الصفات اللازمة للحرف أو العارضة له.. وفق قواعد التجويد المعروفة.. فقد أمرنا الله تعالى بهذا إذ قال: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيْلاً﴾[المزمل:4]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:[لأن أقرأ سورة أرتلها (أي: أقرأها بتَمَهُّلٍ ورَوَيَّة) أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله].
2- الاستعاذة والبسملة عند الابتداء بالقراءة، فقد قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل:98]. ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: «كل أمر لا يُبْدَأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم». أي: أقطع وناقص.
والاستعاذة سنة مستحبة عند عامة العلماء، وقيل بوجوبها وهو الأكمل والأولى.
أما البسملة فالإتيان بها عند الابتداء بالقراءة واجب باتفاق العلماء في جميع سور القرآن باستثناء سورة براءة فلا يقول القارئ لها في بدايتها البسملة، ولكنه إن قرأ آيات من داخل سورة براءة (أي: من الآية الثانية فما بعد) لا من بدايتها فإنه يبسمل قطعاً.
3- تعاهد القرآن الكريم بالتلاوة والمراجعة، وعدم هجره وقطع الصلة به، لئلا ندخل في عداد من شكاهم الرسول عليه الصلاة والسلام لرب العزة والجلال إذ قال: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾ [الفرقان:30]. فقد قال: أهل العلم: [من لم يقرأ القرآن فقد هجره، ومن قرأ القرآن ولم يتدبَّر معانيه فقد هجره، ومن قرأه وتدبَّره ولم يعمل بما فيه فقد هجره].
4- التَّدَبُّر والتفكر أثناء التلاوة فيما جاء في القرآن الكريم، فقد دعنا إلى ذلك ربنا عزوجل في قوله: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد:24] فعلى القارئ أن يجمع عقله وانتباهه وتفكيره في الآيات التي يقرؤها ولا يُشتت ذهنه أو يفكر في أمور دنياه.. فإذا فعل ذلك كان هذا عوناً له على أن ينتبه إلى ما جاء في القرآن من أوامر فيُطبِّقها ونواهي فيبتعد عنها، ويستشعر أن كل آية في القرآن هي موجَّهة إليه، فإذا مَرَّ على آية من آيات الوعيد أو العذاب استجار بالله تعالى واستعاذ به من أن يُعذبه، وإذا مَرَّ على آية من آيات الرحمة وفرح بها وسأل الله تعالى من فضله وعطائه.. وإن مَرَّ بآية فيها نداء للذين آمنوا وقف عندها ليتأمل ما جاء بعدها مما أُمِرَ به أو نُهِي عنه، فينظر أين هو من أمر ربِّه أو نهيه؟؟ فإن كان مُقَصِّراً استغفر ربه وتدارك تقصيره.. وإن كان مطيعاً ممتثلاً شكر ربَّه وسأله الثبات والتوفيق..
وفي هذا المعنى كان عبدالله بن مسعود يقول: [إذا قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ فأرعها – بمعنى أصغي – سمعك، فإنه إما خيرٌ تُؤْمر به أو شَرٌّ تنهى عنه].
5- معرفة عظمة الكلام الذي خاطب الله عزوجل به عباده المؤمنين ويَسَّر لهم فهمه وإداركه، فقد قال الله عزوجل: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [سورة القمر:17]. والأنس بهذا القرآن وعدم الغفلة عنه.
6- أن يكون المسلم عندما يقرأ القرآن على طهارة كاملة في الثوب والبدن والمكان، فيستحب لقارئ القرآن أن يستاك وأن يتوضأ قبل أن يَشْرَع في القراءة ليكون على أكمل حال وهو يناجي ويخاطب ربه جَلَّ وعلا بالقرآن الكريم، فقد كان رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام يفعل كل ذلك، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى ويقرأ القرآن في جميع أحيانه وأحواله، عملاً بقول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً﴾ [آل عمران:190]. فكان يقرأ القرآن قائماً وقاعداً ومضطجعاً، ومتوضئاً ومُحْدِثاً، ولم يكن يمعنه من قراءة القرآن إلا الجنابة.. فلا يجوز للجنب وهو المُحْدِث حدثاً أكبر إن كان رجلاً أو كانت امرأة بأن كانت حائضاً أو نفساء.. لا يجوز لكل أولئك أن يقرؤوا القرآن حتى يتطهروا من جنابتهم.
7- عدم قطع قراءة القرآن إلا لحاجة ماسة أو ضرورة، كرد السلام مثلاً لأنه من حق المسلم على المسلم، فلا يجوز للمسلم إذا أراد أن يقرأ القرآن أن يقطع قراءته أو ينشغل عنها بما لا علاقة له بالقراءة كالأكل أو الشرب أو الكلام مع الغير من غير ضرورة مُلِحَّة، لأن كل ذلك يتعارض مع الخشوع والإقبال على الله تعالى ويُنْقِص الأَجْرَ إن لم يُوْقِع في الوِزْر.
ومن ذلك أيضاً الإمساك عن التلاوة عندما يغلب القارئ عطاس أو تثاؤب أو ما شابه ذلك ولا يستمر بالقراءة لئلا ينطق الحروف بشكل مُشَوَّه وغير سليم..
8- أن يُحْسِنَ القارئ الوقف والابتداء في القراءة بحيث لا يختل المعنى أو يَتَشَوَّه..
فيستحب لقارئ القرآن أن يقف عند نهاية كل آية عموماً، لأنها الصفة التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ بها، فإن كان يقرأ في سورة آياتها قصيرة جاز له أن يقف في أثنائها ولكن بشرط عدم اختلال المعنى أو تشويهه، فلا يجوز للقارئ أن يقف عند قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ﴾ لأن الوقوف عند هذه الآية يشوِّه المعنى ويقلبه بل يجب عليه أن يُكْمِله بالآية التي بعدها وهي: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون:4/5] ثم يقف لِيُتِمَّ المعنى ولا يختل..
وإن كان يقرأ في سورة آياتها طويلة لم يجز له الوقوف إلا حيث يتم المعنى أو لا يختل على الأقل، فلا يجوز له الوقوف عند كلمة الصلاة في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء:42].لأن الوقوف عند هذه الكلمة وقوف قبيح يقلب المعنى ويشوهه..
وكذلك الابتداء بالقراءة فلا يبدأ إلا من موضع يناسب معنى الآيات.. فلا يصح أن يبدأ تلاوته بقوله تعالى: ﴿وَالْـمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء:23].
وقال الإمام النووي: [ينبغي للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أو وقف على غير آخرها أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض، وأن يقف على الكلام المرتبط ولا يتقيَّد بالأعشار والأجزاء، فإنها قد تكون في وسط الكلام المرتبط كالذي في قوله تعالى: ﴿وَالْـمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء:23]. وقول الله تعالى: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الـمُرْسَلُونَ﴾ [الذاريات:31]. فكل هذا وشبهه ينبغي ألا يُبْتَدأ به ولا يُوقَف عليه فإنه مُتعلِّق بما قبله ولا يغْترَّن بكثرة القُرَّاء الغافلين عن هذا، والذين لا يراعون هذه الآداب ولا يفكرون في هذه المعاني.
*******************
• أهم المصادر والمراجع:
- كيف تقرأ القرآن: الشيخ محمد أبو الفرج صادق.
- بُغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن: الشيخ محمد شحادة الغول.
- دروس في ترتيل القرآن الكريم: الشيخ فائز عبدالقادر شيخ الزور.
- التبيان في آداب حملة القرآن: الإمام أبي زكريا يحي بن شرف النووي.
- البرهان في علوم القرآن: الإمام بدر الدين محمد بن عبدالله الزركشي.
مختارات