القلب الحى
فائدة
إذا ذُكِر الله وجل قلبه: أحياء القلوب إذا تليت عليهم آيات الرحمن خرُّوا سجدا وبكيّا بينما غيرهم خرَّ عليها صمّا وعميانا، لأنهم أصحاب حياة يسمعون بقلوبهم قبل أسماعهم، ولذا قال ابن زيد في قوله ﴿ وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 12] واعية: " إنما تعي القلوب ما تسمع الآذان من الخير والشر ". قال ابن القيِّم: " فالوعي توصف به الأذن كما يوصف به القلب، يقال: قلب واع وأذن واعية لما بين الأذن والقلب من الارتباط، فالعلم يدخل من الأذن إلى القلب، فهي بابه والرسول الموصل إليه العلم ؛ كما أن اللسان رسوله المؤدي عنه، ومن عرف ارتباط الجوارح بالقلب علم أن الأذن أحقها أن توصف بالوعي، وأنها إذا وعت وعى القلب "
فائدة
انتفاضة الأحياء: فمع أن العين مبصرة لما حولها، لكنها لو رأت مشهدا محرّما فلن يُمكِّن القلب الحي الخواطر منه بحال، ومع أن الأذن مصغية ؛ لكنه لو كان الحرام لارتعدت وجلا، وبنت على الفور سدا منيعا وحجابا حاجزا بينها وبين ما يُغضب الله، وإذا جلس صاحب هذا القلب مجلسا وتسلل إليه الحرام للمحه على الفور وتسلل خارجا في الحال إن لم يقدر على التغيير والمواجهة، وهذا هو مصدر سلامة هذا القلب وعنوان نقائه. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201]
فائدة
انتفاضة الأحياء: حلو اللسان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالا يرفع الله بها درجات ». والبال هو القلب، وتأمل قوله « لا يُلقي لها بالا »، أي أنها تخرج رغما عنه دون تفكير أو تدبر ودون أن يُمرَّها على قلبه، ومع ذلك تخرج منه طيبة نقية، لأن كل وعاء بما فيه ينضح، وحديقة الورد لا يفوح منها غير شذى الورد، إن حي القلب يتذوَّق كل كلمة بقلبه قبل النطق بها، فإن كانت حلوة علم أن طعمها في الآخرة سيكون أحلى فأطلقها، وإن كانت مُرَّة عرف أن طعمها في الآخرة أشد مرارة فسكت. واسمع إلى طهارة لا تدانيها طهارة، وقلب طهور كالماء الطهور طاهر ومطهِّر لما حوله من القلوب، وهو قلب عبد الله بن عون الذي قال عنه خارجة بن مصعب: " صحبتُ عبدالله أربعا وعشرين سنة، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة ". أن العين مبصرة لما حولها، لكنها لو رأت مشهدا محرّما فلن يُمكِّن القلب الحي الخواطر منه بحال، ومع أن الأذن مصغية ؛ لكنه لو كان الحرام لارتعدت وجلا، وبنت على الفور سدا منيعا وحجابا حاجزا بينها وبين ما يُغضب الله، وإذا جلس صاحب هذا القلب مجلسا وتسلل إليه الحرام للمحه على الفور وتسلل خارجا في الحال إن لم يقدر على التغيير والمواجهة، وهذا هو مصدر سلامة هذا القلب وعنوان نقائه. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201]
فائدة
غزير الدمع: أخي المريض.. إن ساعدك الدمع وإلا فتباكَ، فليس مثل الدموع علامة على القلب الحي، وإنما يحصد الزرع يوم القيامة من روَّى أرض قلبه قبل الندامة، فماذا أنت حاصد إذا حُرِمت الدموع؟! حي القلب يبكي شوقا وقلقا: قال عبد الواحد بن زيد: " يا إخوتاه! ألا تبكون شوقا إلى الله؟ ألا إنه من بكى شوقا إلى سيده لم يحرمه النظر إليه.. يا إخوتاه! ألا تبكون خوفا من النار؟ ألا إنه من بكى خوفا من النار أعاذه الله منها.. يا إخوتاه! ألا تبكون خوفا من العطش يوم القيامة؟ ألا إنه من بكى خوفا من ذلك سُقِي على رؤوس الخلائق يوم القيامة.. يا إخوتاه! ألا تبكون؟ بلى فابكوا على الماء البارد أيام الدنيا لعله أن يسقيكموه في حظائر القدس مع خير الندماء والأصحاب من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا "، ثم جعل يبكي حتى غُشِي عليه!.
فائدة
همومه أخروية: فإن فات حي القلب ورده من قرآن أو صلاة وجد لفواته ألما أشد من فوات ماله، وتقلَّب بالليل على فراش كالجمر، فما عسانا نقول لمن ليس له ورد بالأساس؟! بل ماذا عسانا نقول لمن إذا فاتته الصلاة المفروضة لم يجد ألما ولا حسرة؟! وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخاطب بالحديث التالي إلا أحياء القلوب حين يقول: « الذي تفوته صلاة العصر كأنما وُتِر أهله وماله ». أي كأنما فقد أهله وماله وهلكوا، فصاحب القلب الحي فحسب هو من يشعر بهذا وأما غيره فهيهات هيهات، ولما كان حاتم الأصم رجلا كريما من أرباب القلوب الحية، فقد أراد أن يبعث الحياة في قلوب من حوله، فكان أن روى لنا تجربته قائلا وهو يحمل هَم فوات الخير: " فاتتني صلاة الجماعة مرة فعزاني أبو إسحق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزَّاني أكثر من عشرة آلاف ؛ لأن مصيبة الدين عندهم أهون من مصيبة الدنيا ".
فائدة
توحيد الخوف: حي القلب لا يخشى إلا الله، فلا خوف من بشر ولو كان جائرا، ولا من حدث ولو كان قاهرا، ولا خوف على رزق أو أجل، ولا خوف على ولد أو متاع، بل وبسبب حياة قلبه ؛ كلما علا وعزَّ من أمامه كلما هوى وهان في عينيه، وهكذا كان طاووس اليماني، فعن الصلت بن راشد قال: كنت جالسا عند طاووس فسأله سلم بن قتيبة عن شي فانتهره قال: قلت هذا سلم بن قتيبة صاحب خراسان. قال: " ذلك أهون له علي ". ولا يخاف أحد من غير الله إلا لمرض في قلبه، وقد حكى الله أن من صفات الذين في قلوبهم مرض أنهم قالوا: ﴿ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ﴾ [المائدة: 52]، وحكى أن أحياء القلوب الذين سلمت قلوبهم قالوا: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173].