تحقيق الشهادتين (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) لمحمد جميل زينو رحمه اله
تحقيق الشهادتين (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)
قال الإمام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم:
قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾. [الكهف: 110].
هذان الأصلان [1]هما تحقيق الشهادتين اللتين هما رأس الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله.
1- فإن الشهادة لله بأنه لا إله الا هو: تتضمن إخلاص الألوهية له، فلا يجوز أن يتألَّه القلب غيره: لا بحب، ولا خوف، ولا رجاء، ولا إجلال، ولا إكبار، ولا رغبة، ولا رهبة، بل لا بُد أن يكون الدين كله لله.. فإنْ كان بعض الدين لله وبعضه لغيره كان في ذلك من الشرك بحسبه.
2- والشهادة بأن محمدًا رسول الله: تتضمن تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، فما أثبته وجب إثباته، وما نفاه وجب نفيه. كما يجب على الخلق أن ثبتوا ما أثبته الرسول لربه من الأسماء والصفات، وينفوا عنه ما نفاه عنه من مماثلة المخلوقات وعليهم أن يفعلوا ما أمرهم به، وينتهوا عما نهى عنه، ويُحلوا ما أحله ويحرموا ما حرمه، فلا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله، ولهذا ذم الله المشركين في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما لكونهم حرموا ما لم يحرمه الله، ولكونهم شرعوا دينًا لم يأذن به الله.. وقد قال تعالى لنبيه: ﴿ إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلى اللَّهِ بِإذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 46].
فأخبره بأنه أرسله داعيًا إليه بإذنه:
فمن دعا إلى غير الله فقد أشرك، ومَن دعا إليه بغير إذنه فقد ابتدع، والشرك بدعة، والمبتدع يَؤول إلى الشرك.
ولم يوجد مبتدع إلا مر فيه نوع من الشرك كما قال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31].
وكان مِن شركهم: أنهم أحَلّوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم: قال تعالى: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29].
ففرق بعدم إيمانهم بالله واليوم الآخر: أنهم لا يُحرِّمون ما حَرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق، والمؤمنون صدَّقوا الرسول فيما أخبر به عن الله واليوم الآخر: فآمنوا بالله واليوم الآخر وأطاعوه فيما أمر ونهى، وحَلل وحَرم، فحَّرموا ما حَرم الله ورسوله، ودانوا دين الحق.
فإن الرسول يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويُحرم عليهم الخبائث، فأمرهم بكل معروف، ونهاهم عن كل منكر، وأحل لهم كُل طيب، وحرَّم عليهم كل خبيث. "انظر كتاب الصرط المستقيم لابن تيمية".
الأنبياء دينهم واحد:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: اقتضاء الصراط المستقيم:
(ولما كان أصل الدين الذي هو دين الإسلام واحدًا وإن تنوعت شرائعه: قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد، والأنبياء إخوة وإن أولى الناس بابن مريم لأنا، فليس بيني ويينه نبي). "معنى الحديث متفق عليه".
فدينهم واحد: وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو يُعْبَد في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت: وهو دين الإسلام في ذلك الوقت فمن خرج عن شريعة موسى قبل النسخ[2] لم يكن مسلمًا، ومن لم يدخل في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد النسخ لم يكن مسلمًا.
ولم يشرع الله لنبي من الأنبياء أن يعبد غير الله البته: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ ﴾ [الشورى: 13].
مختارات