فن التعامل مع الأبناء في مرحلة المراهقة وتعديل سلوكهم
إعداد الدكتور:
عبد الرحمن بن محمد الصالح
المستشار النفسي والأسري
والمشرف العام على مركز التنمية الأسرية بشمال الرياض
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،،،،،
أيها الإخوة القراء الأعزاء والأخوات الكريمات سنتحدث في هذه الأوراق عن أسلوب التعامل مع أبنائنا في مرحلة المراهقة، وأسلوب التعامل معهم وتعديل أخطائهم.
كثير من الآباء والأمهات يشتكون من صعوبة التعامل مع المراهقين وصعوبة توجيههم بل إن عدداً من الآباء والأمهات يتألمون كثيرا حيث إنهم ربوا أبناءهم على الأدب والخلق ونشؤوهم نشأة حسنة، ولكن الأبناء فاجؤوهم في مرحلة المراهقة بسلوكيات غريبة وأفكار عجيبة وتمرد على البيت والأسرة والمدرسة.
وهذا قد يكون نتيجة لعدم المعرفة بالمرحلة العمرية التي يمرون بها وأسلوب التعامل معها.
ولأهمية الموضوع وإمكانية الاستفادة منه في التعامل مع الأبناء وتعديل أخطائهم يسر الباحث أن يطرح ما يلي:
1 – معنى المراهقة.
2- نماذج من الهدي النبوي في التعامل مع المراهقين.
3 – خصائص النمو لدى الأبناء في مرحلة المراهقة وفنيات التعامل معها.
4 – توجيهات للتعامل مع الأبناء وتعديل سلوكهم.
أرجوا الله أن يبارك في الجهود وأن يجعل أبناءنا قرة عين لنا ومشاعل خير وصلاح، والله الموفق.
معنى المراهقة:
يمر الأبناء بمرحلة عمرية مهمة هي مرحلة المراهقة. وقد ورد في لسان العرب معان كثيرة لكلمة رهق ومنها: راهق الغلام أي قارب البلوغ. والمراهقة وهي الفترة بين البلوغ ومرحلة الطفولة، وهي الفترة ما بين الثانية عشرة إلى الحادية والعشرين وهي مرحلة يكتمل بها نمو الأعضاء المختلفة، فهي مرحلة نمو شامل لجميع أجهزة الجسم. يقول الله سبحانه وتعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) الروم54.
يقول ابن كثير في تفسير الآية: " ينبه تعالى على تنقل الإنسان في أطوار الخلق حالاً بعد حال فأصله من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم يصير عظاماً ثم تكسى العظام لحماً وينفخ فيه الروح ثم يخرج من بطن أمه ضعيفاً نحيفاً ثم يشب قليلاً قليلاً حتى يكون صغيراً ثم حدثاً ثم مراهقاً ثم شاباً- راشداً – وهو القوة بعد الضعف ثم يشرع في النقص فيكتهل ثم يشيخ ثم يهرم وهو الضعف بعد القوة فتضعف الهمة والحركة والبطش وتشيب اللمة وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة ".
وقد بالغ عدد من الباحثين إذ اعتبروا مرحلة المراهقة فترة طيش وسفه وتهور. وهذا غير صحيح؛ فرغم ما يحدث في مرحلة المراهقة من تغيرات يصحبها آثار نفسية وسلوكية مختلفة مثل: سرعة الانفعال والغضب أو الانعزال، بعضها ناتج عن تغيرات عضوية وبعضها ناتج عن إهمال في التربية أو استخدام أساليب تربوية غير سليمة أو رفقة سيئة، إلا أن مرحلة المراهقة تمر لدى كثير من الأبناء وهم على مستوى سلوكي جيد ومستوى تحصيلي متميز.
ويحفل واقعنا بنماذج عديدة أثبتت أن الأبناء والبنات في مرحلة المراهقة يمكن أن يعطوا عطاء متميزاً، فكثير منهم متفوقون في دراستهم، ومنهم حفظة لكتاب الله ومتميزون في السلوك والقيم والإبداع في مجال المواهب والقدرات؛ ومن ثم فلا ينبغي أن يُبرر كل انحراف من الأبناء المراهقين بأنه نتيجة لمرحلة المراهقة أو أن يقرهم المربون على الوقوع في المخدرات والشهوات. بل لا بد أن يوجهون توجيهاً سليماً يتناسب مع طبيعة المرحلـة التي يمـرون بها والتي سوف نبين شيئاً منها.
نماذج من الهدي النبوي في التعامل مع المراهقين:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ فقال للغلام (أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً فتلَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده) رواه مسلم.
وموقف الشاب الذي رغب أن يأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم في فعل فاحشة الزنا فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن عقد معه جلسة حوارية تصحيحية تخللتها مجموعة من الأسئلة والردود عليها والتعقيبات على الردود حتى اقتنع الشاب وخرج وهو كاره لذلك السلوك ولا يفكر فيه.
خصائص النمو لدى الأبناء في مرحلة المراهقة وأساليب التعامل معها:
1- النمو الجسمي:
يحدث خلال مرحلة المراهقة نمو متصاعد لجميع الأعضاء الجسدية ويشمل النمو ثلاثة جوانب وهي: الحجم، الوزن، الطول. ورغم أن نسبة ذلك تختلف بين الذكور والإناث إلا أنها بشكل عام تشمل الخصائص الجنسية الأولية ونمو الأعضاء التناسلية وحصول الاحتلام، والخصائص الجنسية الثانوية مثل: تغير الصوت، ظهور الشعر، ازدياد الوزن نتيجة زيادة نمو الأعضاء وزيادة الدهون وأنسجة الجسم.
2– الخصائص الانفعالية:
يحصل في هذه المرحلة من المراهقين حساسية مرهفة وتوتر انفعالي شديد نتيجة للنمو السريع وللتغيرات التي تحصل لهم فمثلاً: الشباب الذين ينمون بسرعة يشعرون بالاعتزاز والفرح، أما البنات فيشعرن بالخجل غير الطبيعي، نتيجة للتغيرات التي تطرأ على الجسم، فيخجلن من نظر الآخرين لهم؛ لذا يرغبون في الانعزال، ويخجلن من القراءة الجهرية نتيجة لتغير أصواتهم إذا لم يتم احتواؤهم وإشعارهم أن ذلك أمر طبيعي.
وكذلك نقصان الثقة بالنفس، فالطفل قبل المراهقة شديد الثقة بنفسه، أما في المراهقة فتنقص الثقة بالنفس لأسباب هي:
أ – نقص المقاومة الجسمية والقابلية للتعب.
ب – الضغوط الاجتماعية التي تطلب منه أكثر مما يؤديه.
ويلاحظ على المراهقين كثرة أحلام اليقظة وهي التي كثيراً ما يقضي المراهقون أوقاتهم فيها نتيجة تكاملهم العضوي والعقلي، فهم يملكون ما يملكه الكبار، ولكن ينقصهم الخبرة والقدرة، وبشكل عام تتميز الانفعالات لدى المراهقين بالشدة، والحساسية، ويُفسر معظم ما يسمعونه من الآخرين بأنه موجه لهم.
3- الخصائص العقلية:
تعتبر مرحلة المراهقة مرحلة تكامل فطري في تكوين الوظائف العقلية العليا لدى الفرد؛ مما يؤهله لحياة منتجة وتميز في دراسته وخصوصا حينما يتم اختيار تخصص مناسب، وأداء دور فعال في أسرته.
4– الخصائص الاجتماعية:
لعل من أهم مطالب النمو في هذه المرحلة تحقيق التكيف الاجتماعي، ويحرص المراهقون على تكوين الصداقات مع زملاء تجمعهم ميول مشتركة، أو هوايات موحدة؛ إذ يقضي المراهقون كثيراً من وقتهم مع رفاقهم حضورياً أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنهم يميلون إلى الاعتماد على أنفسهم، ويسعون إلى جعل المحيطين بهم يدركون أنهم أصبحوا كبارا، فهم يعتزون بأنفسهم وبمظهرهم، لذا ينبغي الاهتمام بنوعية الأصدقاء، فهم محضن تربوي ونفسي وعملي لهم يتوجهون لهم لإعطائهم الرأي وبلورة الفكرة ومن هنا يبرز الدور الفعال الذي يمكن أن تقوم به المدارس وحلقات تحفيظ القرآن والدور النسائية والمجال الذي يمكن أن تؤثر من خلاله.
توجيهات للتعامل مع الأبناء المراهقين:
إن ما يبذله الآباء والأمهات والمعلمون والمصلحون من جهود لتربية أبنائهم أثمرت ثماراً يانعة ولله الحمد وخرجت أجيالاً من العلماء والمبدعين والمربين والمصلحين. والأمة في حاجة إلى مزيد من الجهود لكي يرتقي مستوى العطاء فيها.
أولاً: لقد سبق شرعنا المطهر في توجيه المربين والدعاة إلى الرفق والحكمة في ذلك واختيار العبارات المحببة إلى النفس فالمراهقون يحتاجون من يحتويهم ويتحدث معهم ويتغافل عن بعض أخطائهم وسرعة غضبهم. لذا ينبغي أن يستخدم المربي الأساليب التربوية المناسبة، وألا نكثر من التوجيه المباشر واللوم وأن نكون قدوة حسنة لهم في ذلك.
وقد تفنن أعداء الإسلام في استغلال الأساليب المؤثرة والبرامج الإلكترونية والألعاب لجذب الشباب والفتيات إلى ألوان من الانحراف والمنكرات، وبعض المربين والآباء يقطب جبينه ويستخدم أغلظ الألفاظ في التخاطب مع أبنائه وتوجيههم
ثانياً: المراهقون يحتاجون إلى أحد يستمع لهم وينصت إلى معاناتهم التي يرون أن لا أحد يقدرها ولا يهتم بها؛ لذا ينبغي أن يهتم المربون بذلك حيث إن الأبناء المراهقين يحبون المصارحة، ويمكن أن يبوحوا بكل ما لديهم ويتقبلوا التوجيه ممن يحسون أنه يهتم بهم ويسمع لهم ويصحح أفكارهم. بخلاف من يعنفهم ويصطدم معهم.
ثالثاً: الأبناء والبنات في هذه المرحلة يحتاجون الى من يظهر لهم الحب والحنان ويحتضنهم ويقبلهم. ولا يعذر الآباء والأمهات بانشغالهم بالعمل أو كبر أبنائهم وبناتهم بعدم إظهار الحب لهم؛ فإن ذلك يسبب فراغا كبيراً، وقد يكون سببا لسعي الفتى أو الفتاة إلى الآخرين لكي يسمع منهم عبارات الحب والتقدير ومن ثم يكون لهم نتائج سلبية على سلوكهم.
رابعاً: المراهقون يكونون قد انتقلوا من الفردية وأصبحوا يحبون الخلطة ويندفعون إلى الرفقة، فمن المهم ربطهم برفقة صالحة يكتسبون منهم الخلق والآداب والقدوة.
خامساً: عدم التركيز على أسلوب التوجيه المباشر واستخدام أسلوب الحوار والمناقشة التي تشبع حاجات المراهقين وتجيب على أسئلتهم.
سادساً: تصنيف الأبناء حسب قدراتهم العقلية وتقديم التوجيه الذي يناسبهم ويثري جوانب الاهتمام لديهم، واختيار المبدعين ورعايتهم حسب جوانب إبداعهم سواء على مستوى الأسرة أو التنسيق مع المدرسة لترشيحهم في برامج رعاية الموهوبين.
سابعاً: ينبغي أن يلاحظ المربون الجوانب السلوكية والقصور لدى الأبناء ومعالجتها وتقديم التوجيه إلى السلوك نفسه وليس إلى شخصية الابن أو البنت لأنهم يتضايقون من كثرة اللوم والتوبيخ أو توجيه الأسئلة المباشرة لهم.
ثامنا: المراهقون يحبون من يفتح المجال لهم لتحقيق ذواتهم، ويشركهم معه في المهام والأعمال المناسبة لهم، ويشعرهم أنهم مهمون لكي يتفاعلوا ويندمجوا معه ويصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع.
أساليب فعالة لتعديل السلوك:
أ- قد نواجه من الأبناء في مرحلة المراهقة مقاومة السلطة الأبوية، وهذا لا يعني التمرد وإنما إثبات الذات؛ فلنتحاور معهم ونكسبهم.
ب- بناء العلاقة مع الابن وتقدير رأيه فإن ذلك أدعى إلى أن يحترم وجهة نظرنا ويأخذ بتوجيهنا.
ت- استخدام أسلوب الحوار الفعال وتصحيح الأفكار الخاطئة فهذا يساعد على تعديل الأخطاء، فهي مجرد أفكار سلبية يمكن تجاوزها وتعديلها. مثل: من يدخن ويرى أن التدخين غير ضار، أو من يرى أن الدراسة ليس لها أهمية فيهمل أو ينقطع.
ث- تحديد السلوك الخاطئ الذي تريد منه تعديله ومساعدته على ذلك.
ج- إعطاؤه فرصة لطرح الحلول، فهو قادر على حل مشكلته واختيار الحلول المناسبة وتطبيقها.
ح- التعزيز الإيجابي لتعديل سلوكه والاستمرار على ذلك.
خ- المتابعة والتشجيع حتى ينتهي السلوك السلبي من حياته.
وفق الله الجميع إلى كل خير وسدد خطانا وصلى الله على نبينا محمد
مراجع علمية للاستفادة
1- حامد عبدالسلام زهران: علم نفس النمو، الطفولة والمراهقة، عالم الكتب، القاهرة، مصر، 1999م.
2- عبدالحميد محمد الهاشمي: علم النفس التكويني أسسه وتطبيقه من الولادة إلى الشيخوخة والهرم، 1400هـ.
3- عبدالعلي الجسماني: سيكولوجية الطفولة والمراهقة وخصائصها، 1414هـ، الدار العربية للعلوم.
4- عمر عبدالرحمن المفدى: علم نفس المراحل العمرية من الحمل إلى الشيخوخة والهرم، 1421هـ، دار الزهراء.
مختارات