منشطــات إيمانيـــة
بحسب تعريف الأطباء فإن المنشطات هي الأدوية التي تحفز وظائف الجسم، ويتوَّلد عن هذا التنشيط الانتباه واليقظة وزيادة الحركة.. وحينما تشكو من دنو الهمة والفتور في الطاعات.. وعندما تشعر بالذلِّ والهوان بسبب وقوعك في الذنوب والمعاصي، بعد أن اصطفاك الله عزَّ وجلَّ بنعمة الإسلام والالتزام..
كما كان الحسن البصري إذا ذكر أهل المعاصي، يقول:
" هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم " [ذم الهوى (1:184)]
فإنك بحاجة إلى منشطات لترفع من همتك وتُزيد من طاقتك الإيمانية.. ولكنها ليست تلك العقاقير التي يتعاطاها الرياضيون، وإنما أنت بحاجة إلى..
منشطــات إيمانيـــة
1) ارفع رأسك واحلم بالجنـَّــة..
قال تعالى {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]
لا تنشغل بسفاسف الأمور، واجعل هدفك الفردوس الأعلى من الجنة..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ قَالَ ".. إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ؛ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ " [صحيح البخاري]
وقد أمرنا الرسول أن نسأل الله الجنة على الأقل ثلاث مرات في اليوم.. عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله " من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات، قالت النار: اللهم أجره من النار " [رواه الترمذي وصححه الألباني]
فمن كانت الجنة هدفه، كانت شغله الشاغل في كل وقت.. وكلما رأى شيئًا من متاع الدنيا، سأل الله الجنة.. وأقبل على الله تعالى فاجتهد في الطاعة وترك جميع المعاصي، طمعًا في الوصول إليها..
فأكثِر من ذكر الجنة، والسماع عن وصفها.. وكلما اشتاقت نفسك لشيءٍ ما، سَلِّ الله الجنة،،
2) الخـــــوف من عقوبــات الذنـوب..
إن كانت نفسك تغلبك على التكاسل والوقوع في المنكرات، فاجعل لها سوط يوقظها وسائق يقودها إلى الله عزَّ وجلَّ.. وأعظم ما يجعل نفسك تستقيم على الطاعات، هو الخـــوف.. فتذكر دومًا عقوبة الذنوب، واجعل نفسك تتعظ بقصص موت الفجأة وسوء الخاتمة والعياذ بالله..
فلا أحد يأمن من سوء الخاتمة، مهما كان ظاهره صالحًا.. قال رسول الله ".. فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا " [صحيح مسلم]
تأمَّل تلك القصة التي تقشعر لها الأبدان..
الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْبَكَّاءُ كَانَ مَشْهُورًا بِالصَّلَاحِ وَالْعِبَادَةِ.. وَذُُكِرَ أَنَّ سَبَبَ بُكَائِهِ الْكَثِيرِ أَنَّهُ صَحِبَ رَجُلاً كَانَتْ لَهُ أَحْوَالٌ وَكَرَامَاتٌ، وَأَنَّهُ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ بَغْدَادَ، فَانْتَهَوْا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَى بَلْدَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَغْدَادَ مَسِيرَةُ سَنَةٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ قَالَ لَهُ: إِنِّي سَأَمُوتُ فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ، فَاشْهَدْنِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ حَضَرْتُ عِنْدَهُ وَهُوَ فِي السِّيَاقِ، وَقَدِ اسْتَدَارَ إِلَى جِهَةِ الشَّرْقِ، فَحَوَّلْتُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَاسْتَدَارَ إِلَى الشَّرْقِ فَحَوَّلْتُهُ أَيْضًا، فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: لَا تَتْعَبْ فَإِنِّي لَا أَمُوتُ إِلَّا عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ. وَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الرُّهْبَانِ حَتَّى مَاتَ، فَحَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ إِلَى دَيْرٍ هُنَاكَ فَوَجَدْنَاهُمْ فِي حُزْنٍ عَظِيمٍ، فَقُلْنَا لَهُمْ: مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: كَانَ عِنْدَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمَ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ. فَقُلْنَا لَهُمْ: خُذُوا هَذَا بَدَلَهُ وَسَلِّمُوا إِلَيْنَا صَاحِبَنَا. قَالَ: فَوَلَّيْنَاهُ فَغَسَّلْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ وَدَفَنَّاهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَوَلُوا هُمْ ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَدَفَنُوهُ فِي مَقْبَرَةِ النَّصَارَى، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى حُسْنَ الْخَاتِمَةِ. [البداية والنهاية (17:502،503) بتصرف]
وأنت يا مسكين، متى أخذت صك الأمان الذي سيحميك من سوء الخاتمة والعياذ بالله؟!
إذا وقر الخوف من العقوبة وسوء الخاتمة في قلبك، ستبـــادر وتســـــابق كي تعتق رقبتك من النار..
اللهمَّ أعتق رقابنا من النار،،
3) معرفة فضائــل الطاعات..
فمعرفتك بالأجر والنعيم الذي ستناله إذا فعلت الأعمال التي رغبَّك بها الله تعالى ورسوله، سيزيل عنك الكسل ويجعلك تهمَّ بفعلها دون تباطؤ..
أعمال يسيــرة بأجــــور عظيمة
وإليك بعض الأعمال اليسيرة، التي ستكون عنوان صدقك في طلب رضوان ربِّكَ عزَّ وجلَّ:
بيت في الجنة، بصلاتك 12 ركعة.. عن أم حبيبة قالت: قال رسول الله " من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة؛ أربعًا قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر " [رواه الترمذي وصححه الألباني، مشكاة المصابيح (1159)]
آية الكرسي دُبر كل صلاة، ولك الجنــة.. عن أبي أمامة قال: قال رسول الله " من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت " [رواه النسائي وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2:1595)]
براءةٌ من الشرك.. عن فروة بن نوفل عن أبيه: أن النبي قال لنوفل: " اقرأ قل يا أيها الكافرون ثم نم على خاتمتها؛ فإنها براءة من الشرك " [رواه أبو داوود وصححه الألباني]
اغرس نخلة في الجنة، بقول " سبحان الله العظيم وبحمده ".. عن جابر قال: قال رسول الله " من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة " [رواه الترمذي وصححه الألباني، مشكاة المصابيح (2304)]
مليار الحسنات باستغفارك للمؤمنين والمؤمنات.. قال رسول الله " من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات، كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة " [رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الجامع (6026)]
زُر أخاك في الله وتبوأ من الجنة منزلاً.. عن أبي هريرة أيضا قال: قال رسول الله " من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه منادٍ بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً " [رواه ابن ماجه وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2:2578)]
وإن عجزت عن الإنفاق ومكابدة الليل، فاكثر من " سبحان الله وبحمده ".. قال الرسول " من ضن بالمال أن ينفقه وبالليل أن يكابده فعليه بسبحان الله وبحمده " [رواه أبو نعيم وصححه الألباني، صحيح الجامع (6377)]
فهل لك من عذرٍ بعد ذلك؟!
4) مصاحبـــة أهل الهمم العاليـــة..
وهو من أهم المنشطات الإيمانية، فإن المنشطات السابقة ستعطيك الطاقة الكافية للعمل لمدة قصيرة.. أما الصحبة الصالحة فهي التي ستدفعك للمحافظة على الطاعات في كل وقتٍ وحين..
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله " الرجل على دين خليله، فلينظر أحد كم من يخالل " [رواه الترمذي وحسنه الألباني]
وكان الحسن البصري يقول " إخواننا أحبُّ إلينا من أهلينا، فإخواننا يذكروننا بالآخرة، وأهلونا يذكروننا بالدنيا "
اغتنم صحبة الصالحين؛ لتعلو همَّتك بهم.. وإيـــــاك ورفقة أهل الهمم الدنية،،
5) القراءة والسماع عن سير الصالحيـــن..
فلابد أن تتخذ في طريقك قدوة وأسوة حسنة، ولا يوجد خير من سلفنا الصالح أصحاب الهمم العالية كي تتأسى بهم..
يقول ابن الجوزي " إني طالعت عشرين ألف مجلد، كان أكثر، وأنا بعد في الطلب، فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر همهم، وحفظهم، وعباداتهم، وغرائب علومهم، ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب ولله الحمد " [صيد الخاطر (1:13)]
فمعرفتك بسير السلف الصالح، تُشْحِذ همتك وتُثبتك على الطريق،،
نصائح مهمة لتنشيط العزائم والهمم
أولاً: ابتعد عن كل ما يُضْعِف هِمَّتك..
فكلما وجدت أن رفقائك يثبطونك ويُضْعِفون من هِمَّتك، تذكَّر قصة الرجل الذي قتل مائة نفس وكيف إنه نجى من النار لأنه ترك قوم السوء ونازع حتى يصل إلى أرض القوم الصالحين.
ثانيًا: احرص على وقتـــك..
فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها.. فاحذر أن تجعل حياتك فوضى وعبثية، والزم نفسك بمنهج تتبعه..
كيف يكون منهجك صحيحًا؟
قال تعالى {وَالْعَصْرِ (*) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (*) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1،3]
فلابد أن تحقق ثلاثة شروط، وإلا صرت في خسران:
1) الإيمان.. بأن تتعلم دينك وتفهمه فهمًا صحيحًا.. بأن تجعل القرآن منهج حياتك، فتتقن تلاوته ويكن لك حظًا من حفظه وتدبره.. بأن تُرسخ عقيدتك.. وتتفقه في عباداتك.
2) الأعمال الصالحة.. بأن يصير لك حالاً مع الله سبحانه وتعالى.. بأن تستشعر جوده عليك، وتتعرَّف عليه بأسماءه وصفاته فتناجيه وتتودد إليه بها..
اسجد واقترب من ربِّك جلَّ علا.. فطالما إنك بعيدًا عنه، ستظل الرؤية عنك محجوبة وستظل حيرانًا تائهًا،،
3) الدعوة إلى الله تعالى.. كُن مباركًا أينما كنت.. فكِّر كيف تدعو أهلك وأقاربك وجميع من حولك، واجعل من دعوتهم إلى الهداية قضية حياتك.
عِش لإسلامك، واجعل هدفك الوحيد: رضـــا ربَّك عنك..
فأنت لم تُخلَق لتكون شاردًا بعيدًا عن ربِّك كغثاء السيل..
اللهمَّ ارزقنا الصدق والإخلاص في طلب رضـــاك،،
مختارات