الأصل التاسع : دوما فى المعاملة السحب من الرصيد
الأصل التاسع : دوما فى المعاملة السحب من الرصيد
فى المعاملة مع الله – جل جلاله – دائما السحب من الرصيد .
قال الله – تعالى – " فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون "
( سورة المائدة : 49 ) .
وأنت سائر فى طريقك إلى الله تفاجأ بأنك قد تعثرت عليك طاعة لست قادرا على قيام الليل مثلا ونسأل ما السبب ؟! .
قال سفيان : اغتبت إنسانا فحرمت قيام الليل شهرا .. وقال بعضهم : أصبت ذنبا فأنا منذ أربع سنين إلى ورا .. أرع سنين فى النازل بسبب ذنب .. قال الله " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا " ( آل عمران : 155 ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك .. تعرف الى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة " .. هذا هو معنى كلمة " السحب من الرصيد " .
فلابد أن يكون لك عند الله رصيد سابق من الخيرات يثمر خيرات جديدة يقبلك الله بكلتيهما ويكونان رصيدا لك فى المستقبل .
وهكذا .. " والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم " ( محمد : 17 ) , فكلما ازدادوا هدى آتاهم تقوى , وكلما ازدادوا تقوى زادهم هدى .
إن التعامل مع ربنا الكريم عظيم , وكلما كان رصيدك عنده أعلى كان رزقك منه فى الخيرات أوفر .
انظر الى الثلاثة الذين نزلت عليهم الصخرة فى الغار لما كانوا فى الاصل وأول الامر مخلصين ,بدليل أنهم توسلوا بأعمال كانوا فيها مخلصين , وفقهم الله للتوسل بها .. يعنى : كى يوفقك الله فلابد أن يكون لديك عمل , قال – سبحانه وتعالى - " وهو وليهم بما كانوا يعملون " ( الانعام : 127 ) . فالولاية تحتاج للعمل إذا فحينما تأتى لتبدأ فى التعامل مع الله فأنت تسحب من رصيدك السابق من أعمال عنده , فتستجلب بها الزيادة والجديد .
والبداية – لاشك – تحتاج إلى معاناة , لذا يقول العلماء " من كانت له بداية محرقة , كانت له نهاية مشرقة " .. أن تكون الانطلاقة الاولى قوية ومؤثرة وصحيحة ..
قال أحد السلف : عالجت قيام الليل عشرين سنة ثم تمتعت به عشرين سنة .. وقال آخر : حرست قلبى عشرين سنة فحرسنى عشرين سنة .. نعم : لابد دائما أن يكون السحب من الرصيد .
كنت مرة فى سفر لبلد غربى فرأيت فى المسجد شابا قد امتلأ وجهه بنور الايمان , فتعجبت من أن أجد فى هذا الجو وجها يذكّر بالله , فقلت له : من أنت وما الذى جاء بك إلى هنا ؟, قال لى : منذ شهر وأنا ماكث فى المسجد لا أخرج .. لماذا ؟! .. قال : لأننى عندما سافرت إلى هذا البلد انبهرت , وطبعا كنت اعيش فى بلدى فى الكبت , فلما جئت إلى هنا وجدت الانفتاح , ولا أحد يقول لى : أين تذهب أو من أين أتيت ؟, فالحياة مفتوحة , فشرب للخمر وزنا وسرقة وكل شىء .
يقول : حتى مرضت مرضا شديدا جدا .. كنت أظل أسعل حتى أسقط من على السرير وأنا فى الشقة وحدى .. وفى لحظة سعلت فوقعت فحاولت أن أقوم فلم أستطع .. فقلت : يا رب يا رب يا رب وبكيت .. ثم أفقت وقلت : يا رب !! لكن بأى وجه أنادى ربى ؟!! .. فأنا لا أصلى ولا أصوم ولا أعرف ربنا .. أقول يا رب بماذا ؟! .. قال : وساعة أن وقعت فى ذهنى هذه الكلمة , ارتعشت وخرجت أجرى بسرعة أبحث عن مسجد , فوجدت هذا المسجد فدخلت فيه ولم أخرج حتى الآن !!
فالذى أعجبنى – يا شباب – من هذا الموقف هو كلمة هذا الشاب : أقول : يا رب , لكن يا رب بم ؟! " .. ماذا لدىّ عند الله كى أدعوه ؟!.. وهذا هو معنى : " تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة " .. هذا هو معنى الكلمة التى أقولها لكم دائما : " إياك أن تبيعه فيبيعك " .
وهو أيضا معنى حديث النبى صلى الله عليه وسلم : " وأما الثالث فأعرض , فأعرض الله عنه " [أخرجه مسلم]
ومعنى قول الله عز وجل : " نسوا الله فنسيهم " ( التوبة : 67 ) .
فماذا قدمت وما رصيدك لكى تطلب ؟! , وهل تريد من الله وأنت لست على ما يريد ؟!! ..
قال ابن القيم – عليه رحمة الله - : " كن لله كما يريد , يكن لك فوق ما تريد " .. فلذلك دوما فى المعاملة السحب من الرصيد .
عن الشعبى : أن قوما من المهاجرين خرجوا متطوعين فى سبيل الله , فنفق حمار رجل منهم , فأرادوه على أن ينطلق معهم فأبى , وانطلق أصحابه مرتحلين وتركوه , فقام فتوضأ وصلى , ثم رفع يديه فقال : اللهم إنى خرجت من الدفينة ( مكان بين مكة والبصرة ) مجاهدا فى سبيلك وابتغاء مرضاتك , وأشهد أنك تحيى الموتى وتبعث من فى القبور . اللهم فأحى لى حمارى . ثم قام إلى الحمار فضربه , فقام الحمار ينفض أذنيه , فأسرجه وألجمه ثم ركبه , فأجراه حتى لحق بأصحابه , فقالوا له : ما شأنك ؟ , قال : شأنى أن الله بعث لى حمارى ..
نعـم : هذا هو الرصيد الذى سحب منه , ولذلك استجيب دعاؤه . وهذا معنى التوسل بالعمل الصالح , " ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للايمان ان آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا " ( آل عمران : 193 ) .. انظر إلى فاء الترتيب فى قوله – تعالى - : " ربنا فاغفر " أى نتوسل لك بسرعة استجابتنا لمناديك أن تستجيب دعاءنا .
وانظر إلى البراء بن مالك الذى لقى المشركين وقد أوجعوا فى المسلمين , فقالوا له : يا براء , إن رسول الله قال : " إنك لو أقسمت على الله أبرك " فاقسم على ربك , فقال : أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم , وألحقتنى بنبيك , فمنحوا أكتافهم , وقتل البراء شهيدا .. نعم : مجاب الدعوة ..
يسال ربه النصر للمسلمين , ولنفسه الشهادة , فيجاب وينالها .. سبحان الله العظيم يقسم على الله فيجيب فى التو واللحظة .. نعم – إخوتاه - : لأن له فى الاصل رصيدا يسحب منه .
والواعظ البر عمر بن ذر , قال عنه كثير بن محمد : سمعت عمر بن ذر يقول : اللهم إنا أطعناك فى أحب الاشياء إليك أن تطاع فيه : الايمان بك والاقرار بك , ولم نعصك فى أبغض الاشياء أن تعصى فيه : الكفر والجحد بك . اللهم فاغفر لنا بينهما , وأنت قلت : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت " ( النحل : 38 ) , ونحن نقسم بالله جهد أيماننا لتبعثنّ من يموت , أفتراك تجمع بين أهل القسمين فى دار واحدة ؟. نعم : قدم الطاعة والايمان وابتعد عما يغضب الرحمن , فحرى أن يستجاب له .
وعامر بن عبد قيس الذى كان يسأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه , فكان لا يبالى أذكرا لقى أم أنثى .. استجاب الله دعاءه , لأن له عند الله رصيدا كبيرا من الصالحات .. فما رصيدك أنت لكى تطلب ؟!
حبيبى فى الله , أدلك على ما يزيد فى رصيدك من الحسنات ؟ .. القرآن .. القرآن معين لا ينضب .. هو أفضل الذكر وأحسن الطاعات , فعض عليه يساعدك فى القيام بالصالحات .
أخى فى الله , قدم صالحا تجد صالحا .. املأ رصيدك لتسحب منه عند الحاجة , فدوما فى المعاملة مع الله السحب من الرصيد .
* * *