الصفة العاشرة من صفات المؤمنين التصديق بيوم الدين
من صفات الإنسان المحمودة التي تستحق الثناء: " التصديق بيوم الدين " ، والتصديق بيوم الدين هو أن يوقن المسلم بالمعاد والحساب والجزاء، فيعمل عمل مَن يرجو الثواب، ويخاف العقاب.
وهذه الصفة إنما تكون لمن عصمه الله ووفقه وهداه إلى الخير، ويسّر له أسبابه، وإلا فالإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم، ومجبول على الأخلاق الدنيئة إذا مسه الضرّ فزع وجزع، وانخلع قلبه من شدة الرعب، وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير، وإذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره، ومنع حق الله -تعالى- فيها إلا من عصمه الله، فأدام الصلاة، وصدّق بيوم الدين، وخاف من عذاب الله، واتصف بالصفات الحميدة التي جاء بها الإسلام.
قال الله -تعالى-: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ - إلى قوله تعالى-: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ.
هكذا -أيها المسلم- يكون التصديق بيوم الدين من أوصاف الإنسان المحمودة التي يستحق المدح والثناء عليها، كيف لا وهو حافز قوي على التحلّي بمكارم الأخلاق، وتطبيق تعاليم الإسلام السمحة، والبعد عن سفاسف الأمور ودنايا الأخلاق، كيف لا والتصديق بيوم الدين من الإيمان بالغيب الذي أثنى الله على أهله، وأخبر أنهم مهتدون، ومن أهل الفلاح، قال الله -تعالى-: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ - إلى قوله: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
فلا عجب بعد هذا أن يعد الله من صدق بيوم الدين مع بقية الأوصاف الأخرى بالإكرام في الجنات، قال الله -تعالى-: أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ.
وما ذاك يا أخي المسلم إلا لأن المصدق بيوم الدين يعلم أنه بعد انقضاء هذه الحياة الدنيا سيكون هناك معاد وبعث للأجساد من قبورها، ثم وقوف بين يدي الله -عز وجل-، ثم حساب على الصغير والكبير والحسن والسيئ، ثم جزاء عليها جزاء على الحسنة بالثواب وعلى السيئة بالعقاب: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
وهناك ميزان توزن فيه أعمال العباد صغيرها وكبيرها، حتى الخردلة: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ، وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.
فمن عمل صالحًا ثقلت موازينه فأفلح وفاز بالجنات، ومن عمل سيئًا خفت موازينه فهلك وخسر وخاب بدخول النار وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ.
والتصديق بيوم الدين يبعث على العمل الصالح ويزجر عن السيئات، هذا التصديق بهذا اليوم العظيم، وهو يوم الدين الذي هو قائم بالقلب يبعث على العمل رغبة ورهبة، رغبة فيما عند الله من الكرامة ورهبة فيما عنده من العقوبة والعذاب الشديد.
فإذا أيقن المسلم بيوم الدين، وصدق تصديقًا جازمًا لا يعتريه شك عَمِل على نجاة نفسه، وتخليصها من أوضارها ودنسها الذي يهلكها، والنهوض بها إلى ما فيه عزها وكرامتها، كيف لا هو يقرأ قول الله -تعالى- في جزاء الكافرين والمؤمنين في الآخرة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا.
تالله إن آيات القرآن لو خوطب بها جبل لتصدع: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فكيف بالإنسان ذي الإحساس والشعور، فكيف بالمسلم الذي هذّب الإسلام نفسه، وصفى سريرته، وجعله رقيبًا على نفسه، وسما به إلى الإيمان بالمغيبات، فصدق بيوم الدين، فوعده الله على ذلك الإكرام في الجنات.
إن المصدّق بيوم الدين -أخي المسلم- يتحتَّم عليه أن يراقب الله في سرّه وعلنه، وأن يحافظ على آداب الإسلام وتعاليمه فيرعاها، إن المصدق بيوم الدين يسارع إلى الخيرات ويضْرع إلى الله بالدعاء رغبة ورهبة، ليكون في عداد من قال الله فيهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ.
إن المصدق بيوم الدين وجل القلب من الله، يخشى عقابه فيجتنب محارمه ومساخطه ومناهيه، إن المصدق بيوم الدين يعتز بإسلامه، فقد رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -عليه الصلاة والسلام- رسولًا ونبيًا، إن المصدق بيوم الدين يقيم إسلامه بأركانه الخمسة؛ فيشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت مع الاستطاعة.
إن المصدق بيوم الدين يتصوّر وقوفه بين يدي الله للحساب فيتمسك بما جاء به الإسلام من تصورات ومُثُل وسلوك، لاعتقاده أن الفخر والاعتزاز بما جاء به الإسلام كيف لا، وقد رضيه الله لنا دينا: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ولا يقبل الله من أحد دينًا سواه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ.
إن كل ما سبق يا أخي الكريم نتيجة حتمية للتصديق بيوم الدين. وضعفه أو نقصه من ضعف، أو نقص التصديق بيوم الدين.
مختارات