الوثنية في العلاج بالطاقة
تتعدد الوثنيات في كل أمة بحسب ما تنتجه أدوات الإضلال بين كل فترة وأخرى، وتتطور أساليبها المعرفية، ومؤسساتها الراعية، حتى تصل إلى أن تخرج بأشكال علمية، أو طبية، أو روحانية، وفي ظل الكم الثقافي الذي تحمله العولمة فقد تسورت الحضارة الإسلامية جيوش من الأفكار والثقافات الأخرى، منها الضار، ومنها النافع، فكان لا بد من آلة التمييز القائمة على التوازن بين الانفتاح الثقافي والحفاظ على الهوية الإسلامية.
ومن سنوات ليست بالبعيدة انتشرت في بلدان إسلامية كثيرة دورات في التنمية البشرية تدعو للعلاج بالطاقة، وأخذت مسميات عدة، كالجذب، والريكي، واليوجا، ويمكن تلخيص الفكرة الفلسفية التي تقوم عليها بقولهم: إن الكون طاقة، يحوي ذبذبات موجبةً طبعُها الإيجابية والفاعلية والبناء، وأخرى سالبة طبعها السلبية والهدم. فالأولى: تجذب السعادة والحب والغنى والفرح والتوفيق والصحة؛ والأخرى: تجذب الخوف والمشاكل والكوارث، والمعاناة، والمصائب، والمرض.
وحين نعود إلى أبرز الوثنيات القديمة نجد على سبيل المثال الوثنية المجوسية قائمة على اعتقاد إن (يزدان) إله النور و(أهرِمَن) هو الظلام، وأن النور والظلمة أصلان متضادان وهما مبدأ موجودات العالم، وحصلت التراكيبُ من امتزاجهما، وحدثت الصور من التراكيب المختلفة.
ونجد وثنية الصين قائمة على اعتقاد أن الكون وما فيه هو نتيجة تفاعل «طاقتين قطبيتين» إحداهما تدعى «يِن» (yin) وتمثل «العنصر المؤنث والسلبي والضعيف والهدام»، والأخرى تدعى «يانج» (yang) وتمثل «المذكر والإيجابي والفاعل والبناء»
ومن خلال هذه المقارنة السريعة نتعرف على أن العلاج بالطاقة يقوم على فلسفة وثنية من جنس الوثنيات القديمة، من خلال الاعتقاد بأن ما يحصل للإنسان من أقدار الخير هي من فعل الذبذبات الموجبة، وما يحصل له من أقدار الشر هي من فعل الموجبة السالبة، إذن فأين هذا مما قرره القرآن من القطعيات المحكمة التي تنص نصا قاطعا بأن كل شيء يحصل في هذا الكون من خير أو شر إنما هو من تقدير الله تعالى كقوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَر) [القمر 49]، وقوله تعالى: (وَٱللَّهُ خَلَقَكُم وَمَا تَعمَلُونَ) [الصافات 95-96].
وغاية ما يفعلونه هو التستر على هذه الوثنية وراء مصطلحات علمية تجعل المتابع لهم يظن أنها عملية رياضية أو روحية لا علاقة لها باعتقاد وثني أو أيدلوجية إلحادية، وبهذه الطريقة تم التغرير بكثير من المسلمين، لا سيما مع ضعف القراءة والاطلاع فتمرر هذه الأفكار دون وعي من الكثير بمخاطرها الاعتقادية والفكرية.
ومقتضى قانون الجذب الذي يردده المروجون للعلاج بالطاقة القول بأن العبد هو من يجذب الخير لنفسه بنفسه بواسطة الذبذبة الموجبة التي يتولد منها الإيجابية وأنواع الخير، وأنه بنفسه من يجذب الشر لنفسه بنفسه بواسطة الذبذبة السالبة التي يتولد منها السلبية وأنواع الشر، وهذه وثنية واضحة تتنافى مع التوحيد القائم على أساس التسليم بأن الله وحده هو من يدبر الكون، ويصرف المقادير وفق علمه الأزلي وحكمته البالغة.
ونلاحظ أن العلاج بالطاقة وفق هذا المعتقد قد يصل إلى الإلحاد، فإذا كان العبد خالق لأقداره، فيصبح الخالق والمخلوق سواء، وبالتالي ينكرون التكاليف وينكرون البعث والحساب، وإنما هو عبارة عن انتقال الأرواح من جسد إلى جسد، وهكذا يتسلسلون وصولاً إلى فكرة الإلحاد المطلق.
بينما نجد الذين يؤسلمونها يحاولون التسويق لها بالحديث عن أن الشخص الإيجابي يستطيع جذب الأشياء الإيجابية لحياته، وأن الشخص السلبي بخلافه، وهذه مغالطة؛ لأن أصل الفكرة هي أن الخير والشر نتاج التفاعل بين الذبذبات الموجبة والسالبة، فهي من توجد الخير والشر، فيتولد عنها الإيجابية والسلبية.
وقد يستغرب البعض ممن يمارس هذه التدريبات بأنه لا يلمس هذه الوثنية التي نتحدث عنها، لا سيما وأنها قد تلامس بعض الجوانب النفسية التي قد يتحقق معها بعض النتائج الإيجابية، فمن الطبيعي أن الإنسان إذا خضع لبرنامج غذائي صحيح، وتمارين بدنية، وتأملات روحانية فإنه إذا كان مسلما سيحقق مكاسب نفسية عالية، فيرتبط ذلك عنده باليوجا، وليس الأمر كذلك، بل لأنه يملك أساسا إيمانيا صحيحا، فكانت تلك البرامج مثمرة من هذه الجهة، وهذا لا يعني أنها لا تقوم على مبدأ فلسفي عقائدي، ولا ينفي ذلك عنها التفنن في تطويع الفكرة بحسب البيئة وبحسب المتلقي، ففي الغرب المادي الذي لا يؤمن بالدين صُدِّرت إليه منزوعة العنصر الديني والروحي، باسم الاهتمام بالرياضة البدنية، وفي الشرق المتدين جعلوها تأملات روحانية ورياضات عقليه، وحين يتوفر لدى المتدرب عنصر القناعة يكشفون له عن مراحلها الاعتقادية ليصل إلى مراحل الاتصال بالإله المطلق، ثم يوقعونه في عقائد وحدة الوجود، وتناسخ الأرواح، وغيرها من الأفكار المتناقضة مع التوحيد والإيمان.
مختارات