المغفرة في ليلة النصف من شعبان
مواسم الطاعات تتكرر وليالي المغفرة تقرع أبواب المؤمنين بين الحين والآخر ؛ لتنبه الغافلين وتشجع الطائعين وتفتح الباب للمتنافسين { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.
وهذه الليالي والمواسم أشبه بمحطات التنقية والتطهير للقلوب من الأحقاد والذنوب وهي سبب للتقرب إلى علام الغيوب.
بين يدينا ليلة اختصها الله ﷻ بمزية المغفرة والعفو والإحسان؛ وهي ليلة النصف من شعبان.
قال رسول الله ﷺ: " يطَّلِعُ اللهُ إلى عبادِه ليلةَ النِّصفِ من شعبانَ ؛ فيغفِرُ للمؤمنين،ويُمهِلُ الكافرين، ويدَعُ أهلَ الحقدِ بحقدِهم حتى يدَعوه ".
وفي رواية: " يطَّلِعُ اللهُ إلى جميعِ خلقِه ليلةَ النِّصفِ من شعبانَ، فيَغفِرُ لجميع خلْقِه إلا لمشركٍ، أو مُشاحِنٍ ".
الحديثان هما أصح ما روي في فضل ليلة النصف من شعبان
وقد صححهما جمع من أهل الحديث.
ولكن لم يصح تخصيصها بقيام أو عبادة معينة.
والبشارة في هذه الأحاديث تتجلى في شمولية المغفرة التي ينزلها الله ﷻ على خلقه، فهي من أعظم الفرص لمسح أدران القلوب والتخلي عن السيئات والذنوب.
والتحذير في هذه الأحاديث من خطر الشحناء التي جاءت معطوفة على الشرك: " إلا لمشرك أو مشاحن ".
والمطلوب من المسلمين تحقيق التوحيد والابتعاد عن الشرك والحذر مما خفي منه وما ظهر.
أما الشحناء فإنها تكاد تكون داء الأمة اليوم ومرض كثير من المسلمين، فكيف نستقبل رمضان بقلوب مثقلة بالأحقاد والبغضاء !!؟
سُئِل ابن مسعود رضي الله عنه: " كيف كنتم تسقبلون شهر رمضان؟ قال: ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم ".
لم يسبقنا السلف إلى الله بكثرة الركوع والسجود فقط ولكنهم سبقونا بنقاء القلوب وسلامة الصدور.
قيل للإمام أحمد نكتب عن محمد الطوسي؟ قال إذا لم تكتب عنه فعمّن يكون ذلك؟ قالها مراراً فقيل له: إنه يتكلم فيك. قال رجل صالح ابُتلي فينا فما نعمل؟
ما أجمله من خلق يحمل في طياته صدقًا ونقاءً منقطعي النظير.
وقال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يومًا في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة؟
نعم ألا يستقيم أن نكون إخوة وإن اختلفت آراؤنا !!
تذكروا أنه في ليلة النصف من شعبان سيحرم أناس من المغفرة
والرحمة لأنهم ملؤوا قلوبهم حقدًا على إخوانهم، وجعلوا همهم التقاط العثرات لاتخاذها ذريعة ومبررًا للطعن فيهم وهجرانهم.
قال لي أحد الإخوة وهو يعمل في المشفى ؛ سمعت أن داعية إسلامياً تم إدخاله المشفى حيث أعمل، فأردت زيارته وأخبرت صاحبي كي نذهب معًا للجناح الذي يرقد فيه.
فتفاجأت بصاحبي يرفض الذهاب ويبرر ذلك ؛بأن هذا الشيخ محسوب على الجماعة الفلانية (على خلاف مع جماعته)!!!؟
أين نحن من أخلاق السلف !!
وكيف نريد مغفرة الله وعفوه وقلوبنا مازالت مملوءة حقدًا وغلًا وشحناء.
إخواني وأخواتي وأحبتي في الله أذكركم ونفسي ضرورة الصفح والتسامح قبل ليالي المغفرة كي لا نحرم ثوابها.
{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [سورة النور: ٢٢]
وأختم بأبيات الشافعي رحمه الله:
لما عفوت ولم أحقد على أحدٍ أرحت نفسي من هم العداوات
إني أحيي عدوي عند رؤيته أدفع الشر عنـي بالتحيـات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه كما أن قد حشى قلبي محبات
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات.
مختارات