بين العافية و الابتلاء
ولا أنس أبداً تلك المرأة المسنة التي أبت أن تصلي سنين عدداً خشية أن يهلك أحد أبنائها نعم هي تتصور أن صلاتها مرادف لبلائها وهي تخشى البلاء خصوصا إن كان محله ولدا لها من أحدث ذلك الربط القطعي في ذهنها بين الصلاة أو الصلاح وبين المصائب؟! إنه ذات الخطاب الذي نتحدث عنه خطاب دعوي وعظي لا يراعي حال المخاطب ولا يضع المآلات نصب عينيه ولا يحدث الناس بما يعرفون ويفقهون نعم صحت الأحاديث بأن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل وأيضا ورد أن الله إذا أحب عبدا ابتلاه وذكرت مرويات أخرى تبين أن البلاء قد يصيب العبد المؤمن وقد يختبر بالضراء والخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات حتى يلقى الله وليس عليه ذنب وليبشر الصابرون لكن هل هذا هو الحال المرتبط بالصلاح وحسب أم هو اختبار استثنائي قد يصيب العبد على سبيل الاختبار كما يختبر بالسراء ويبتلى بفتح أبواب الدنيا على مصراعيها؟ هي الثانية بلا شك وهي بالمناسبة ليست خاصة بالصالحين وحسب لقد خُلق الإنسان في كبد وخلق الله الموت والحياة ليبلو الناس أيهم أحسن عملا تأمل... الإنسان.. الناس ليس المؤمن الطائع وحسب بل إن لهذا الأخير بشريات دنيوية أيضا وله ثواب في الدنيا وبركة ورزق وزينة ونصرة وزيادة {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [سورة آل عمران 148] {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[سورة اﻷعراف 96] {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[سورة اﻷعراف 32] {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ۚ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}[سورة المائدة 66] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[سورة محمد 7] {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[سورة إبراهيم 7] كل ما سبق وغيره مما لا يتسع المقام لذكره يمكن تسميته بالأثر الدنيوي للطاعة بالبشريات العاجلة للصالحين الذين إذا أحبهم الله جعل لهم القبول في الأرض وآذن من يعاديهم بالحرب وكان سمعهم الذي به يسمعون وبصرهم الذي به يبصرون ويدهم التي بها يبطشون أولئك الذين رأينا منهم من يؤتى الملك ويوهب ما لا ينبغي لأحد من بعده ويُمكن في الأرض ويؤتى من كل شيء سببا كما رأينا في المقابل من يمسه الضر ويبتلى هناك داوود وسليمان ويوسف وذو القرنين وهناك أيوب.. هذا موجود وذاك أيضا لماذا إذن يحب البعض التركيز على خطاب الابتلاء بهذه الطريقة التي أفرزت مثل هذه المرأة التي تخشى الصلاة بل تخشى الصلاح أعلم أن هناك من سيزعم أن المرأة تتحجج لتهرب من التكليف وربما كانت كذلك هذا لا يعلمه إلا الله الذي يعلم ما تخفي الصدور وهناك من سيرجع رد فعلها لبساطتها أو إن شئت فقل ضحالة تفكيرها وجهلها حسنا لن أنفى عنها المسؤولية كما أسلفت لكن قل لي بربك لماذا تسمع مثلها مثل هذا الخطاب الصادم بل لماذا يسمعه أي أحد أصلا بهذا الشكل القاصر بصدق أخبركم أنني أعرف الكثيرين ممن أرعبهم مثل هذا الخطاب بل لا أخفيكم سرا أنني في لحظات معينة كنت أرتجف لهول الفكرة أيعاقبني لأنني أطعت وقررت أن أحاول سلوك الصراط المستقيم وأن أستقيم؟ وأين ذكر العافية؟ تلك التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نطلبها من ربنا أن نسأله إياها وأن نتذكر أنه ما أعطي أحد بعد الإسلام خيرا منها وأنها الأصل الذي ينبغي للمرء أن يظن بربه أن يعامله به لماذا لا يحرص هؤلاء الأفاضل على بث هذا المعنى في وعظهم وفي أثناء ذكر البلاء المحتوم إن كان لابد من ذكره لماذا لا يحرصون على إيقاظ روح الأمل والفأل الحسن الذي كان يعجب نبينا صلى الله عليه وسلم هذا التوازن أراه من أهم ما ينبغي للداعي أن يراعيه إن كان حقا حريصا على الخلق طامعا في هدايتهم راغبا في خيريتهم وإن كان حقا رافضا لأن يكون منتجه النهائي يشبه تلك المسكينة التي تخاف من قرة العين وتخشى عماد الملة وتر
مختارات