معالم إيمانية من يوم عاشوراء
الحمد لله الذي ينجي المتقين من عباده، وناصر الموحدين، وجعل في أياته عظةً للمؤمنين، والصلاة والسلام على خير الشاكرين وإمام الموحدين عبد ربه حتى أتاه اليقين عليه وعلى آله أفضلُ صلاةٍ وأتم تسليم... وبعد...
ما أجمل تلك الأيام التي يقضيها الإنسان في حياته من أعمالٍ طيبة صالحة يقوم أساسها على أصلٍ ثابت غراسه توحيد الله وحده عقيدةً صحيحةً قولاً وفعلاً وعبادته وفق شرعه وإخلاص العمل لوجه الكريم، وفروعها أعمال صالحة فتلك هي الحياة الطيبة قال الله تعالى: { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} [النحل:97]. فتلك أيام خير تعقبها أيام خير أخرى وما ينتهي موسم خير إلا ويطل علينا أخر الموفق لها ليس من أدركها وصامها فقط ولكن الموفق هو من وفقه الله لإدراكها وصيامها والفوزِ بقبولها لأن من أدرك هذه الأيام فربما يصومها عادةً ولكن عندما يعلم المؤمن أن فلاحه وسعادته لن تكتمل إلا بقبول عمله من ربه – جلّ وعلا – ومصداق ذلك قوله تعالى (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) سورة المائدة:27، قال السعدي – رحمه الله تعالى -: أي: المتقين لله في ذلك العمل، بأن يكون عملهم خالصا لوجه الله، متبعين فيه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد خص النبي - صلى الله عليه وسلم - صيام يوم عاشوراء من بين أيام شهر الله المحرم بفضلٍ كبير وهو تكفيرسنةٍ ماضية ففي حديث أبي قتادة لمّا سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال " يكفر السنة الماضية.) [رواه مسلم)
وهذا من فضل الله وكرمه علينا أن أعطانا بصيام يومٍ واحد تكفير ذنوب سنة كاملة ؛ إذا اجتنب المسلم الكبائر ولم يصرّ عليها، والله جوادٌ كريم.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» أن صيام يوم عاشوراء على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: صوم التاسع والعاشر والحادي عشر،وهذا أكملها
المرتبة الثانية: صوم التاسع والعاشر؛ وذلك مخالفة لأهل الكتاب في صيامه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال حين صام رسول الله يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا يا رسول الله، إنه يومٌ تعظّمه اليهود والنصارى فقال رسول الله «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع»، فلم يأت العام المقبل حتى تُوفي رسول الله. رواه مسلم
المرتبة الثالثة: صوم العاشر وحده.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال:ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحقُّ بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه ». رواه البخاري
ونستقي من هذا الحديث مواساة إلى كلِ عالمٍ ومعلمٍ للناس الخير وإلى كلِ آمرٍ بالمعروف وناهٍ عن المنكر وإلى كل داعيةٍ إلى الله وإلى كل مكروب ومهموم تَوَكّلَ على الله وحده وطلب الهداية والتوفيق منه وجعلَ الله عزوجل ملجئه ورغبته إليه فحقٌ على أن ينصره ويُنَجِيّه من كيد الكائدين والطغاة والمتجبرين فمن كان مع الله في الرخاء كان الله معه في وشدتة وأيده وكان له عوناً ونصيراً ومؤيداً وظهيراً... فقصة موسى – عليه السلام – مع فرعون قصةُ إيمانٍ وثباتٍ بنصر الله وأن العاقبة للمتقين وفيها أن ما من عسرٍ وإلا وسيعقبه يسرٍ وما من كربٍ إلا وسيعقبه فرجٍ كلُ ذلك بأمر الله تعالى وتلك الأيام التي مضت شاهدةٌ على صدق ذلك فعن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال كنت خلف النبيّ صلى الله عليه وسلم يوما فقال: " يا غلام إنّي أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشىء لم ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشىء لم يضروك إلا بشىء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وفي رواية غير الترمذيّ: " احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا " ففي هذا الحديث النبوي معالم إيمانية مختصرها أنّ من حفظَ الله حفظه وأن النصر مع الصبر وأنّ مع العسر يسراً وبعد الهم والغم فرجاً وبعد الضيق مخرجاً وفي نجاةِ موسى عليه السلام من فرعون وقومه في يوم عاشوراء آية عظيمة ودليلٌ واضح على أن موسى تعرِّفَ على الله في الرخاء فعرفه الله في الشدة والكرب والضيق فلما أشتد الكرب وعظم البلاء أتى الفرج من العزيز الحكيم قال تعالى (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) الشعراء (61-67).
فهذا يومٌ عظيم نجى الله فيه موسى ومن معه وأغرق فرعون وملأه فصامه موسى – عليه السلام – شكراً لله الذي نجاه، وصامه النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، نحن نصومه إقتداءً بنبينا – صلى الله عليه وسلم – شكراً لله ومخالفةً لليهود بصيامِ يومٍ قبله أو يومٍ بعده.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
مختارات