فضائل يوم عرفة والأعمال المستحبة فيه
بسم الله الرحمن الرحيم
يوم عظيم من أيام الله تعالى، إنه يوم الرحمة والمغفرة، إنه يوم الحج الأكبر، إنه يوم التهليل والتكبير والتحميد، إنه يوم استجابة الدعاء، إنه يوم تسكب فيه العبرات وتنزل فيه الرحمات، إنه يوم العتق من النار، إلا وهو يوم عرفة هذا اليوم العظيم الذي هو أفضل أيام العام له فضائل كثيرة جداً ما أحوجنا إلى التعرف عليها والعمل بها واغتنام هذا اليوم في طاعة الله، فمن فضائل هذا اليوم أنه أحد أيام الأشهر الحرم قال الله عز وجل-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [سورة التوبة: 39]. والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب ويوم عرفه من أيام ذي الحجة، ويوم عرفة أحد أيام أشهر الحج قال الله - عز وجل-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) [سورة البقرة: 197] وأشهر الحج هي: شوال، ذو القعدة، ذو الحجة، ويوم عرفة أحد الأيام المعلومات التي أثنى الله عليها في كتابه قال الله - عز وجل-: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [سورة الحج:28]. عن الحسن قال: الأيام المعلومات عشر ذي الحجة والمعدودات أيام التشريق، وعن سعيد بن جبير قال: الأيام المعلومات أيام العشر، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: في أيام معلومات قال: العشر، وعن قتادة قال: الأيام المعلومات أيام العشر والأيام المعدودات أيام التشريق.(فضل عشر ذي الحجة: للطبراني صـ4).
ومن فضائل يوم عرفة أن الله عز وجل أقسم به في كتابه العزيز والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) (البروج: 3)، وأخرج الإمام الترمذي في سننه بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم المشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة).
ويوم عرفة أحد الأيام العشر التي أقسم الله بها منبها على عظم فضلها وعلو قدرها قال الله - عز وجل-: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [سورة الفجر:2]. قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: إنها عشر ذي الحجة، ويوم عرفة أحد الأيام العشر الأول من ذي الحجة التي فضلت عن غيرها من الأيام والعمل الصالح فيها ثوابه، وذلك لما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر) قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء).
ويوم عرفة هو اليوم الذي أكمل الله عز وجل فيه الدين وأتم علينا فيه النعمة، وذلك لما أخرجه البخاري في صحيحه عن طارق بن شهاب قال: قال رجل من اليهود لعمر: يا أمير المؤمنين، لو أن علينا أنزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) لأتخذنا ذلك اليوم عيداً، فقال عمر: " إني لأعلم أي يوم نزلت هذه الآية، نزلت يوم عرفة، في يوم الجمعة " ففي هذا اليوم أكمل الله دينه وأتم نعمته، فمن الواجب علينا أن نشكر الله على إتمام نعمته علينا والتقرب إليه بالفرائض والنوافل على ضوء ما جاء بالكتاب والسنة.
ويوم عرفة يوم العيد لأهل الموقف، أخرج الإمام أبو دواد في سننه بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام)، ويوم عرفة يوم العتق من النار، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء»؟
قال الإمام النووي رحمه الله:«هذا الحديث ظاهر الدلالة في فضل يوم عرفة، وهو كذلك».
ويوم عرفة يوم الحج الأكبر: فالوقوف بعرفة في هذا اليوم العظيم هو ركن الحج الأعظم، ولا تصح هذه الفريضة العظيمة بدونه، وذلك لما أخرجه ابن ماجة في سننه بسند صحيح عن بكير بن عطاء قال: سمعت عبد الرحمن بن يعم، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو واقف بعرفة، وأتاه ناس من أهل نجد، فقالوا: يا رسول الله كيف الحج؟ قال:
" الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر، ليلة جمع، فقد تم حجه، أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين، فلا إثم عليه، ومن تأخر، فلا إثم عليه، ثم أردف رجلاً خلفه، فجعل ينادي بهن ".
الأعمال المستحبة في يوم عرفة:
يستحب اغتنام هذا اليوم بالأعمال الصالحة التي رغب فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومنها: صيام يوم عرفة لغير الحاج: فيوم عرفة هو أحد أيام تسع ذي الحجة التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيامها وذلك فيما أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه بسند صحيح عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر "، وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: " يكفر السنة الماضية والباقية ".
ويستحب الإكثار من الدعاء في هذا اليوم العظيم، وذلك لما أخرجه الترمذي في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ". قال الإمام أبو الوليد الباجي رحمه الله: قوله: " أفضل الدعاء يوم عرفة " يعني: أكثر الذكر بركة وأعظمه ثوابا وأقربه إجابة، ويحتمل أن يريد به الحاج خاصة؛ لأن معنى دعاء يوم عرفة في حقه يصح، وبه يختص، وإن وصف اليوم في الجملة بيوم عرفة فإنه يوصف بفعل الحاج فيه، والله أعلم " (المنتقى شرح الموطأ1/ 358).
ويستحب الإكثار من ذكر الله تعالى في هذا اليوم فهو أحد الأيام المعلومات التي أمر الله فيها بذكره قال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [سورة الحج: 27-28]، وقال - تعالى -: (وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) [سورة البقرة: 203] عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: في أيام معلومات قال: العشر، وعن قتادة قال: الأيام المعلومات أيام العشر والأيام المعدودات أيام التشريق.[فضل عشر ذي الحجة: للطبراني صـ4]، وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من أيام أعظم ولا أحب إليه العمل فيهن عند الله من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد). قال الإمام البخاري- رحمه الله -: " كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما- يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ".
مختارات