النسمة الخامسة - أين الله (8)
5. الاستبشار بثواب عبادة السر: ومن أساليب التدريب على استشعار مراقبة الله الاستبشار بثواب العبادة الخفية، وكفى من ثوابها أن ثلاثة من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله هم من أصحاب عبادات السر، «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».
وهذا الثواب راجع إلى أن عبادة السر الأقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء، وأكسر لحظ النفس من الشهرة والعجب، ولهذا جاء فى بعض الآثار أن عبادة السر تفضل عبادة العلن بسبعين ضعفا، فاسشعر قدر هذا الثواب يهن عليك حفظ محارم الله فى السر والعلن وتكن عند الله من المقربين الأبرار.
ولهذا يبشرك كعب الأحبار بقوله: من تعبد لله ليلة حيث لا يراه أحد يعرفه خرج من ذنوبه كما يخرج من ليلته.
بل قال عمرو بن العاص: ركعة باليل خير من عشرة بالنهار.
ويأتيك بالثالثة حذيفة بن قتادة فيقول: إن أطعت الله فى السر أصلح قلبك، شئت أم أبيت.
غضبة تميمية: قال رجل لتميم الداري: ما صلاتك بالليل؟ فغضب غضبا شديدا، ثم قال: والله لركعة أصليها في جوف اليل في السر أحب إلى من أن أصلي الليل كله ثم أقصه على الناس.
مرؤءة خفية: كان عبد الله بن المبارك كثيرا ما يسافر إلى الرقة، وينزل في خان فيها، فكان شاب يأتي إليه.. ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث، فقدم عبد الله الرقة مرة.. فلم ير ذلك الشاب، فسأل عنه، فقالوا: إنه محبوس لدين ركبه، فقال عبد الله: وكم مبلغ دينه؟ فقالوا: عشرة آلاف درهم، فدعا عبد الله صاحب المال ليلا وأعطاه عشرة آلاف درهم.. وحلفه أن لا يخبر أحدا ما دام حيا، وقال له: إذ أصبحت أخرج الرجل من الحبس، فلما خرج الفتى من الحبس.. قيل له: عبد الله بن المبارك كان ها هنا.. وكان يسأل عنك، فخرج الفتى في إثره، فلما قابله قال له عبد الله: يا فتى.. أين كنت؟! لم أرك فى الخان. قال: كنت محبوسا بدين. قال: فكيف كان سبب خلاصك؟! قال: جاء رجل فقضى ديني، ولم أعلم به حتى أخرجت من الحبس، فقال له عبد الله: احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك، ثم فارقه ومضى.
مختارات