ائذن لي في الزنا!
يا لها من كلمة..!
كيف جرؤ الشاب أن يُقدِم على قولها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
أي شهوة مستعِّرة تلك التي تلظَّى لهيبها في قلبه اليافع.. وأدَّت به إلى ذلك المسلك العجيب ودفعته لذلك الجهر الرهيب؟
- مه مه يا هذا!
تصاعدت أصوات تلك الهمهمات الغاضبة زاجرة الفتى عما يخوض فيه بين يدي إمام المتقين وسيد الأطهار المتبتلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم..
لكن صوتًا حانيًا قطع كل تلك الهمهمات الزاجرة داعيا الفتى المستأذن بالزنا لآخر ما يتصوره جافٍ أو قاسي القلب..
لقد تكلَّم الحبيب..
ولقد قال كلمة تقاطر منها الحنو الحاسم..
قال: «ادنه».. أي: اقترب.
تعالى إلى جوار من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم..
أقبِل على من قيل فيه: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3]..
ادن من صاحب الخُلق العظيم.. وسيد ولد آدم أجمعين..
هكذا عامله رسول ربّ العالمين..
دعاه ليقترَّب..
ناداه لينهل من حنانه.. وحُسن منطقه.. وعذوبة حديثه.. وحكمة دعوته..
- «أَتُحبُّه لِأُمِّكَ؟».
- لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَك.
قال: «ولا الناسُ يُحبونَه لأُمهاتِهم. أفتُحبُّه لابنتِك؟».
- لا واللهِ يا رسولَ، اللهِ جعلني اللهُ فداءَك.
«لأختك؟».. «لعمتك؟».. «لخالتك؟»..
منطقٌ هادئٌ سديد.. وحكمة دعوية رائقة.. وحُسن معشر.. ولين جانب.. وخفض جناح..
هكذا كان سيدي وقرة عيني بأبي هو وأمي..
ها هو يُكلِّل حُسن دعوته بلمسةٍ حانية.. ومودة عملية صافية..
ها هو يمد يده ليمسح بيده الشريفة على صدر الفتى المستعِّر بالشهوة.. ويشفع مخاطبته الأولى لعقله بتربيتٍ رحيم على محل عاطفته.. ومكمن مشاعره.. ليتكامل خطاب المنطق مع ملامسة الفطرة.. وليخرج الغلام وقد زالت وساوس الشيطان من صدره.. وهدأ قلبه وارتاحت نفسه..
هكذا تعامل حبيبي صلوات ربي وسلامه عليه..
وهكذا.. دعا، وفنَّد، وأقنع..
أفلا نتأمَّل ونقتدي ونتدبَّر..
وعليه نُصلي ونُسلِّم..
مختارات