فقه الفكر والاعتبار في الخلق والأمر (١)
[٦ - فقه الفكر والاعتبار في الخلق والأمر]
قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٣)} [يونس: ٣].
وقال الله تعالى: {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦)} [يونس: ٦].
إن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق هذا الكون العظيم:
سمواته وأرضه.
شمسه وقمره.
ليله ونهاره.
وما في السموات والأرض من خلق.
ومن أمم.
ومن سنن.
ومن جماد ونبات.
ومن إنسان وحيوان.
والله وحده هو الذي خلق هذا الليل الطامي السادل، الشامل الساكن البارد.
وهو سبحانه الذي خلق هذا الفجر الأبيض المتفتح في سدف الليل.
وهو سبحانه خالق هذا الصبح الذي إذا تنفس، دب النشاط في الحياة والأحياء، وتحركت الكائنات في طلب الرزق والمعاش.
وهو سبحانه خالق هذه الظلال الساربة الجارية، يحسبها الرائي ساكنة، وهي تدب سائرة في هدوء ولطف.
وهو سبحانه خالق هذا النبات النامي، المتطلع أبداً إلى النمو والحياة.
وهو سبحانه خالق هذا الطير الرائح الغادي، القافز الواثب، الذي لا يستقر على حال.
فمن هداه إلى داره؟، ومن ساقه إلى طعامه؟، ومن أمسكه في الجو؟.
وهو سبحانه خالق هذه الخلائق الذاهبة الآيبة، الغادية الرائحة، مما لا يحصيه إلا الله من الحيوانات والبهائم والأنعام، وهي تتجول في البر والبحر، في تدافع وانطلاق، وانتظام وانسجام.
وهو سبحانه خالق هذه البشرية كلها من نفس واحدة، وخالق هذه الأرحام التي تدفع، وهذه المواليد التي تتابع، والقبور التي تبلع.
وهو سبحانه خالق هذه الشمس الجارية، والقمر الساري، والكواكب المبثوثة في السماء.
فمن هذا خلقه، ومن هذه قدرته، ومن هذه عظمته، ومن هذا ملكه، أيحتاج إلى البشر، أو إلى عبادة البشر.
؟.
أيليق بالعاقل أن يشرك به، ويعبد معه غيره: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢)} [الأعراف: ١٩١، ١٩٢].
إن هذه الظواهر البارزة الحية هي التي تلمس الحس، وتوقظ القلب، لو تفتح وتدبرها تدبر الواعي المدرك.
إن الله الذي خلق هذه المخلوقات ودبرها، هو الذي يليق أن يكون رباً يدين له البشر بالعبودية، ولا يشركون به شيئاً من خلقه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢)} [الأنعام: ١٠٢].
إن القرآن الكريم يعمد مباشرة إلى إيقاظ القلوب والعقول، لتدبر ما في هذا الكون من العجائب والآيات، والبصائر والعبر.
إن هذه المخلوقات العظيمة الواسعة من الصور والأشكال.
والحركات والأحوال.
والمجيء والرواح.
والبقاء والفناء.
والحياة والممات.
والذبول والنماء.
والشروق والغروب.
والحركة الدائبة في هذا الكون الهائل، التي لا تسكن ولا تتوقف لحظة من ليل أو نهار.
إن هذا كله ليستجيش كل خالجة في كيان الإنسان للتأمل والتدبر والتفكر.
فمتى يستيقظ القلب ويتفتح لمشاهدة الآيات العظام، المبثوثة في ظواهر الكون وحناياه؟: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠١)} [يونس: ١٠١].
إن الإنسان لو وقف لحظة واحدة، يرقب ما خلق الله في السموات والأرض، ويستعرض هذه المخلوقات العظيمة التي لا تحصى، من الأنواع والأجناس، والهيئات والأحوال، والأوضاع والأشكال، لو وقف لحظة واحدة، لامتلأ قلبه بالإيمان، وفاض بما يغنيه في حياته كلها، ويشغله بالتدبر والتفكر والتأثر ما عاش.
ولا يدرك هذا إلا أهل التقوى، التقوى التي تجعل القلوب سريعة التأثر، سريعة الاستجابة لخالق هذه المخلوقات كما قال سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠)} [آل عمران: ١٩٠].
مختارات

