اسم الله المسعر
من أسماء الله الحسنى : ( المسعِّر ) :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، وهو اسم ( المسعر ) .
1 – ورود اسم ( المسعِّر ) في السنة النبوية :
ما هو العلم ؟
هذا الحديث الشريف الصحيح له أبعاد كثيرة ، نبدأ بحقيقة ثابتة وهي : أن تعريف العلم ما أفضى بك إلى قانون ، والقانون هو العلاقة الثابتة بين متغيرين ، مقطوع بصحتها ، تطابق الواقع عليها دليل ، فإن لم تطابق الواقع كان الجهل ، وإن لم يكن عليها دليل كان التقليد ، وإن لم يكن مقطوعاً بصحتها كان الوهم والشك والظن .
فالعلم يقيني ، العلم شمولي ، العلم مطّرد ، علاقة ثابتة بين متغيرين ، تفضي إلى قانون ، هذه العلاقة مقطوع بصحتها ، ليست شكاً ، ولا وهماً ، ولا ظناً ، ولكنها يقين ، مقطوع بصحتها ، تطابق الواقع ، لو لم تكن كذلك لكانت جهلاً عليها دليل ، ولو لم يكن الدليل لكان التقليد .
في الكون في قوانين :
إذاً : في الكون في قوانين .
النقطة الأولى أيها الإخوة ، أن هذه القوانين التي تصل إلى المليارات ثبتها الله عز وجل ، ثبتها كي تستقر حياتنا ، مليارات القوانين ، الفيزيائية ، والكيميائية ، والفلكية ، ودوران الفلك ، وخصائص المواد ، أية علاقة ثابتة بين شيئين هي قانون ، مليارات القوانين ثابتة من آدم إلى يوم القيامة .
مثلاً : يمكن أن تقول : في عام 2700 ـ يوم 28 شباط الشمس تشرق 5 و3 دقائق ، لأن دورة الأفلاك ثابتة ، بالثواني ، خصائص المواد ، الحديد له خصائص ، أنشأنا بناء من مئة طابق ، لو أن الحديد يغير خصائصه لانهار البناء ، تشتري سبيكة ذهبية بمبلغ كبير جداً ، لو أن الذهب يغير خصائصه لفقدت هذه السبيكة قيمتها .
هناك نِعم لا تعد ولا تحصى ، قوانين ثابتة ، تزرع فاكهة معينة ، ثم تأتي الثمرة من هذه الفاكهة ، لأن قوانين الإنبات ثابتة ، وقوانين الأفلاك ثابتة ، وقوانين الدوران ثابتة ، وقوانين الليل والنهار ثابتة ، وخصائص المواد ثابتة ، وقوانين الزراعة ثابتة ، هذه نعمة لا تعدلها نعمة ، فكل هذه القوانين ثابتة مطّردة ، شاملة ، لا تتغير ، ولا تتبدل ، وهي محل اتفاق في العالم كله ، فقانون التمدد لا علاقة له بالسياسة ، في الشرق ، والغرب ، والشمال ، والجنوب ، وقديماً وحديثاً ، في بلد متخلف ، وفي بلد متقدم ، القانون هو القانون ، هناك نِعم لا تعد ولا تحصى منها ثبات القوانين لتكون حياتنا مستقرة ، والتعامل مستمرا .
الحكمة الربانية اقتضت تحريك قانون الرزق والصحة :
ولكن لحكمة بالغة بالغةٍ بالغة حرك الله بعض القوانين ، من هذه القوانين الرزق ، هذا قانون متبدل ، والصحة ، والإنسان حريص على صحته حرصاً لا حدود له ، وحريص على رزقه حرصاً لا حدود له ، ولعل الحكمة من ذلك أن الله عز وجل يريد أن يكون الرزق والصحة وسيلتين من وسائل التربية .
هذه الطاولة مثلا صنعت لاستخدام لا يزيد على بضع مئات من الغرامات ، لكن يمكن أن يقف عليها ستة أشخاص ، معنى ذلك أن فيها احتياط ألف ضعف عن استعمالها ، إذاً يمكن أن تعيش مئات السنين كما هي ، لأنه فيها احتياطًا على مهماتها ألف ضعف .
كان من الممكن أن يكون لكل جهاز في جسمنا ولكل عضو احتياط ألف ضعف ، فلا مرض ، والإنسان بالتعبير المعاصر سريع العطب ، أحيانا خثرة في الدماغ تنهي حياته ، أو سكتة قلبية فجأة ، فكان من الممكن لإنسان أن يعيش مليون سنة كما هو شاب تماماً ، لكن شاءت حكمة الله أن يكون المرض ، والصحة متبدلة .
الرزق متبدل ، فنحن في بلدنا الطيب يمكن في عام مجموع إنتاج القمح 650 ألف طن ، في أعوام ستة ملايين ، الإنتاج متبدل .
2 – معنى ( المسعَِّر ) :
ما معنى الله ( المسعر ) ؟ بالتعبير الاقتصادي الكم له علاقة بالسعر ، فأحيانا تكون كميات المحاصيل فلكية ، السعر ينخفض ، وأحيانا يكون الكم قليلا ، فيرتفع السعر .
أول ملاحظة أن الله عز وجل ثبت الأشياء ، وحرك أشياء ، الذي حركه من أجل أن يربينا ، لأن الإنسان في الأصل خلق هلوعاً ، هذا ضعف في أصل خلقه ، وهو ضعف لصالحه ، من أجل تربيته ، لو لم يكن الإنسان هلوعاً لما تاب بعد شدة ، ولا ما اصطلح مع الله بعد عسر ، لأن العسر يقلقه ، والشدة تقلقه ، والخوف يقلقه .
الإنسان هلوعٌ جزوعٌ ضعيف :
هكذا خلق . بل الذي أراه والله أعلم إن دخلت إلى مسجد ، ورأيت فيه آلافاً مؤلفة فاعتقد يقيناً أن تسعة أعشار هؤلاء جاؤوا إلى الله عقب تدبير حكيم ، لاح له شبح مرض ، ليس له إلا الله فأقبل عليه ، وتاب إليه ، لاح له شبح فقر ، فاعتصم بالله ، ودعا الله عز وجل ، فهناك شريحة من البشر كبيرة جداً لا تستجيب إلا عقب الشدة ، فالله سبحانه وتعالى بدّل قوانين الرزق ، وقوانين الصحة .الإنسان أحياناً يسعد بصحته ، فإذا لاح له شبح مرض لجأ إلى الله ، وهذا من فضل الله علينا .
وخلق ضعيفاً . لأنه إذا كان ضعيفاً افتقر في ضعفه ، فسعد بافتقاره ، ولو خلقه الله قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه .
أحياناً يكون الإنسان قويًا ، وغنيا ، يتوهم أنه مستغنٍ عن الله ، وكل إنسان يعتدّ بحجمه المالي ، أو بصحته ، أو بمكانته ، أو بقوته ، أو بمنصبه ، لحكمة بالغةٍ بالغة يؤتى الحذر من مأمَنه ، من جهة أمنه ، من جهة ثقته ، من جهة قوته ، قد يصاب ، لذلك عرفت الله من نقض العزائم .
أحيانًا إنسان عنده اختصاص نادر ، يتوهم أنه لن يصيبه مكروه باختصاصه ، يفاجأ أنه في اختصاصه أصابه مكروه ، يؤتى الحذر من مأمنه .
فكلمة ( المسعِّر ) تعني أن الله عز وجل بيده الرزق ، الأمطار بيده ، لو أن الله سبحانه وتعالى أصاب بلاداً بالجفاف ، هؤلاء القادة الذين في البلاد ، والزعماء ، ليجتمعوا ، وليتخذوا قرارا بإنزال المطر .
زرت بلدا في إفريقيا فوجدت أن ما يهطل من أمطار في الليلة الواحدة يساوي أمطار دمشق في عامين ، 400 مم ، وفي أماكن أخرى الأمطار فيضانات مهلكة ، وفي أماكن الريح مدمرة .
بالتعبير المستخدم حديثاً الخيارات التي عند الله لا تعد ولا تحصى ، الشيء الثمين جداً الذي هو قوام الحياة كالهواء يغدو مدمراً ، والماء مدمر ، فقلّته مدمرة ، وكثرته مدمرة ، بحكمة حكيم ، وقدرة قدير ، وعلم عليم .
فلذلك الحديث مرة ثانية : " غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، سَعِّرْ لَنَا ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ " .
هذا أمر تكويني ، وأنتم تعلمون أيها الإخوة ، أن هناك أمراً تكوينياً هو فعل الله ، وأن هناك أمراً تكليفياً هو أمره ، الله عز وجل أمر العباد في بيعهم وشرائهم ألاّ يظلموا .
الإسلام حريص على السعر المعتدل :
بالمناسبة ، ما من نشاط يمارسه الإنسان أوسع من نشاط البيع والشراء ، فالبيع والشراء أوسع نشاط بشري ، أنت مضطر أن تشتري طعامك وشرابك ، وأن تشتري لباسك ، وحاجاتك ، وأجهزتك ، فالبيع والشراء عمل مستمر يومي ، وأخطر ما في البيع والشراء السعر .
لذلك كان سيدنا عمر رضي الله عنه إذا سأل الولاة يسألهم : " كيف الأسعار عندكم ؟ لأن رحمة الله تتجلى في الأسعار ، وقد تجد كل شيء متوفرا ، لكن الأسعار فوق طاقة المشتري ، كيف الأسعار عندكم ؟
" يا رسول الله : غَلا السِّعْرُ ، فَسَعِّرْ لنا "
لما يضع الإنسان السعر يظلم به البائع ، وأحيانا يكون السعر أقلَّ من الكلفة ، فإذا باع الحاجة بسعر أعلى من الكلفة قليلاً فلأنه تحت سيف القانون ، وأحيانا التسعير ظالم ، وأحياناً يكون الاستيراد ممنوعا ، فيغلو العيش ، يغلو ، ولو سمح باستيراده عاد إلى السعر الطبيعي ، إلى القانون الذي يسمونه قانون العرض والطلب .
في الإسلام مثلاً مئات الأحاديث التي تمنع الغش ، والاحتكار ، والإيهام ، والتدليس ، ومعاصي البيع والشراء لا تعد ولا تحصى ، لو أننا تلافيناها جميعاً ، واستقمنا على أمر الله جميعاً لفوجئنا أن السعر أصبح معتدلاً في كل شيء ، لأن السعر بيد الله ، بحسب الكم وبحسب الحاجة ، الكم والحاجة يتداخلان ، ويتفاعلان فيشكلان السعر ، وهناك مواد كثيرة كان ممنوعا استيرادها فبلغت سعرا خياليا ، فلما سُمح باستيرادها أخذت سعراً طبيعياً جداً ، وهو سعر السوق كما يسمونه ، والآن هو نظام السوق ، وتجارة السوق ، ففي في السوق عرض وطلب ، أما إذا منعت شيئاً ، أو احتكرته ، أو أوهمت الناس بشيء ، أو دلست عليهم السعر يغلو عندئذٍ .
لذلك الإسلام من عظمته حرص حرصاً شديداً على أن يبتعد المسلم عن كل المعاصي في البيع والشراء ، فإذا ابتعد كان السعر طبيعياً ، ولا يحتاج إلى تسعير .
3 – إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ :
التسعير في حالات الأزمة والشدة لا ينافي أن الله هو المسعر :
إن الدراسة المطولة حول هذا الموضوع تؤكد أن ولي أمر المسلمين في مناسبات معينة ، في أيام الشدة ، في أيام الحروب ، من حقه أن يسعر ، حفاظاً على مصالح المسلمين ، هذا الاستثناء لا يلغي القانون ، القانون أن الله هو ( المسعر ) لكن أحياناً تكون أزمات اقتصادية طاحنة ، وهناك مخزون كبير جداً من هذه البضاعة ، لكنه رهن الاحتكار وعدم البيع ، وهذه معصية كبيرة .
حقائق مستنبطة من اسم الله ( المسعِّر ) :
1– التسعير القسري قد يمنع الخير :
فلذلك الحقيقة أن الله جل جلاله هو ( المسعِّر ) أما أن يكون الناس في رخاء وفي بحبوحة ، والمواد موفورة ، والناس في غنى ، وتأتي أنت ولي الأمر لتضع أسعارا هابطة فتعيق الناس عن أرباحهم ، فهذا ظلم ، من هنا تبين أن النبي عليه الصلاة والسلام رفض أن يسعِّر لما قيل له : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، سَعِّرْ لَنَا ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ " لذلك إذا كان الناس في رخاء ، وفي بحبوحة ، والمواد متوافرة ، والناس في غنى ، فالتسعير القسري قد يمنع الخير عن معظم الناس ، فالنبي عليه الصلاة والسلام أبى أن يسعر ، لأنه بيّن أن التسعير أحياناً يقع في حالة من الظلم لا يرضاها النبي لنفسه .
2 – جواز التسعير في حالات الجشع وغلاء الأسعار تحقيقًا للمصلحة العامة :
ولكن هناك حالة ثانية أقرها الفقهاء ، حينما يكون البائع جشعاً ، ويريد أن يربح أرباحاً طائلة ، ويحتكر المواد ، ويقنن على الناس بغية ارتفاع الأسعار ، ومضاعفة الأرباح ، حينئذٍ يتدخل ولي الأمر لرحمة الناس ، ولتوفير المواد فيسعر .
إذاً : عندنا تسعير ظالم ، و تسعير يعدّ حكيماً من قِبل ولي الأمر .
دائماً الشريعة كما قال بعض العلماء : " عدل كلها ، رحمة كلها ، حكمة كلها مصلحة كلها ، فأية قضية خرجت من المصلحة إلى المفسدة ، من العدل إلى الجور ، ومن الحكمة إلى خلافها ، فليست من الشريعة ، ولو أدخلت عليها بألف تأويلٍ وتأويل .
فالحقيقة الأولى في هذا اللقاء : أن التسعير إذا كان مؤدياً إذا ظلم عميم فالنبي حرمه ، أما إذا تدخل ولي الأمر بإنقاذ الفقراء من جشع الأغنياء ، ومن رفع الأسعار رفعاً مفتعلاً عن طريق الاحتكار ، ومنع بيع البضاعة ، أو الإيهام ، أو التدليس ، عندئذٍ أقر الفقهاء لولي الأمر في حالات يقع فيها ظلم شديد أن يسعر .
إذاً : التسعير الذي يؤدي إلى الظلم حرمه النبي عليه الصلاة والسلام ، أما التدبير الحكيم الذي يؤدي إلى إيصال المواد إلى المستهلك الفقير بغية أن تقوم حياته على شكل معقول فقد أقره الفقهاء استثناء من هذا الحديث .
3 – معنى ( المسعِّر ) :
نحن في معاني كلمة المسعر والسعير :
" وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً "
لذلك علماء المسلمين قاطبة رأوا أن الإيمان باليوم الآخر هو إيمان إخباري ، أن النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديثه ، وأن القرآن في أخباره أخبرنا عن يوم آخر تسوى فيه الحسابات ، ولكن الحقيقة التي ينبغي أن تكون واضحة أن بعض العلماء وعلى رأسهم ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ يرى أن الإيمان باليوم الآخر إيمان عقلي ، لأنه لا يعقل أن يكون في الأرض غني وفقير ، وقوي وضعيف ، وظالم ومظلوم ، وتنتهي الحياة هكذا من دون تسوية حسابات .
إذاً : لا بد من يوم تسوى فيه الحسابات ، جاءت الآية الكريمة : " وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً " .
هؤلاء الذين استغلوا ، وظلموا ، وأخذوا ما ليس لهم .
4 – الدعاء باسم ( المسعِّر ) :
" وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا "
فكل دعاء يقول : اللهم ارزقني هو دعاء باسم ( المسعِّر ) اللهم ارزقني .
" وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا "
" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي "
والنبي عليه الصلاة والسلام أيضاً كان يدعو فيقول : " اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ ، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ ـ دققوا في هذا المعنى ـ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ اللَّهُمَّ ، وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ " .
في كل الحالات الشيء الذي تحبه إذا أكرمك الله به ليكن في سبيل الله ، والامتحان الذي أبينه لكم دائماً أنك ممتحن فيما أعطاك الله ، وممتحن فيما زوى عنك ، أي شيء منحك الله إياه أنت ممتحن به .
لأن الدنيا في الأصل دار ابتلاء ، إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل دار الآخرة دار عقبة ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي .
إذاً : حينما تقول : اللهم ارزقني فقد دعوت الله عز وجل ( المسعر ) بمعنى هذا الاسم ، وهو الرزق ، والإنسان حريص على صحته ، وحريص على رزقه ، والله عز وجل هو الرزاق .
وكنت أقول دائماً : تفاحة على غصن في شجرة في بستان ، هذه لك ، ولكن طريقة انتقالها إليك باختيارك ، يمكن أن تأكلها ضيافة ، ويمكن أن تأكلها هدية ، ويمكن أن تأكلها شراء ، أو تهدى إليك ، أو أن تأكلها ضيافة ، ويمكن ـ لا سمح الله ولا قدر ـ أن يأكلها بعض الناس سرقة ، ويمكن أن يأكلها بعض الناس تسولاً ، فهي إما تسول ، أو سرقة ، أو شراء ، أو ضيافة ، وهكذا .
إذاً : طريقة انتقال الرزق إليك باختيارك ، أما هو فلك ، لذلك :
وفي زيادة : " واستجملوا مهنكم " .
بين الكسب والرزق :
إذاً : أيها الإخوة ، قضية المال قضية خطيرة ، تُسأل عن المال مرتين : مرة من أين اكتسبته ؟ ومرة فيمَ أنفقته ؟
الحلال صعب ، والحرام سهل :
لا تضجر من كسب الحلال فهو صعب .
هناك امرأة تعمل طوال النهار لتأخذ 500 ليرة ، وامرأة أخرى تأخذها في دقائق ، فالكسب الحرام سهل ، والحلال صعب ، هذه حكمة بالغة في الدنيا ، فهذا الذي يبحث عن الحلال مؤمن ورب الكعبة ، هذا الذي يقول : معاذ الله يعتقد أن الله هو الغني .
رَحِمَ اللهُ رجلاً سَمْحاً إذا باع ، وإذا اشترى :
لذلك ورد في بعض الآثار :
سبعة صفات وردت في بعض الآثار تجعل أطيب الكسب كسب التجار ، لذلك :
وورد : " أحب ثلاثاً ، وحبي لثلاث أشد ، أحب الطائعين ، وحبي للشاب الطائع أشد ، أحب الكرماء ، وحبي للفقير الكريم أشد ، أحب المتواضعين ، وحبي للغني المتواضع أشد ، وأبغض ثلاثة ، وبغضي لثلاث أشد ، أبغض العصاة ، وبغضي للشيخ العاصي أشد ، أبغض المتكبرين ، وبغضي للفقير المتكبر أشد ، أبغض البخلاء ، وبغضي للغني البخيل أشد " .
لذلك ورد أيضاً : " أن العدل حسن ، لكن في الأمراء أحسن ، فأجمل صفة في الأمير العدل ، وأن الورع حسن ، لكن في العلماء أحسن ، وأن الحياء حسن ، لكن في النساء أحسن ، وأن السخاء حسن ، لكن في الأغنياء أحسن ، وأن الصبر حسن ، لكن في الفقراء أحسن ، وأن التوبة حسن ، لكن في الشباب أحسن " .
خاتمة :
إذاً : أيها الإخوة ، الله هو ( المسعر ) بفعله التكويني ، وولي أمر المسلمين حينما يرى في مصلحة أمتي أن يسعر ، يسعر بتدبيره الفقهي ، ولأن الإنسان مطلوب أن يدعو في هذا الاسم بمعنى هذا الاسم حينما يقول : " اللهم ارزقني طيباً ، واستعملني صالحاً " .
وأن الكسب شيء ، وأن الرزق شيء آخر ، الرزق ما انتفعت به ، والكسب مال حصلته ولم تنتفع به ، وسوف تحاسب عليه ، وأن من أدق الحسابات يوم القيامة حساب المال ، من أين اكتسبه ؟ وفيمَ أنفقته ؟
أيها الإخوة الكرام ، نسأل الله جل جلاله أن يرزقنا طيباً ، ويستعملنا صالحاً .