" ليس من التقوى الغلو في العبادة "
" ليس من التقوى الغلو في العبادة "
بعض الذي ينسبون إلى الإسلام يغالون في التعبد ظانين أن ذلك من التقوى، وقد غالى بعض الصحابة في ذلك، فردَّهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جادّة الصواب، فقد ورد أن نفراً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم جاؤوا إلى بيوت الرسول صلى الله عليه وسلم فسألوا عن عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا فكأنهم تقالُّوها، فقالوا: أين نحن من النبي، وتحدثوا عن أنفسهم، فأخبر أحدهم أنه يقوم الليل ويصلي ولا ينام، وأخبر الآخر أنه يصوم الدهر، ولا يفطر، وأخبر الثالث أنه يعتزل النساء، فخطَّأهم الرسول صلى الله عليه وسلم وبيَّن لهم وجه الصواب.
وروى أنس بن مالك رضى الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، و أتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» [البخاري].
وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم لا يقوم الليل كله، ولا يصوم الشهر كله، كان يقوم أدنى من ثلثي الليل، ويقوم نصفه وثلثه " إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ " [المزمل: 20] وكان يصوم من الشهر ويفطر، وكان يتزوج النساء، وأخبر أن الذي هو عليه هو سنّته.
" التعاون على البر والتقوى "
أمرنا ربنا – تبارك وتعالى – بالتعاون على البر والتقوى، فقال: " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى " [المائدة: 2].
والتعاون على البر والتقوى معلم من معالم الأمة المسلمة فيما بينها، وقد ذكرت آية البر التي جعلت البر شاملاً للعقيدة، ولإيتاء المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، وأدخلت في التقوى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ومن التقوى الوفاء بالعهد والصبر في البأساء والضراء وحين البأس، قال تعالى: " لَّيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " [البقرة: 177] وهذه الأعمال شاملة للدين كله، وهي جميعها قابلة للتعاون عليها فيما بين المسلمين.
فالذين يتعاونون فيما بينهم للتعرف على الإيمان بالله والملائكة والكتاب والنبيين، متعاونون على البر والتقوى، ويدخل في ذلك مجال الدارسة والتعلم، ومجال التدريس والتعليم في هذه الموضوعات، كما يدخل في ذلك معالجة المشكلات، وتوضيح الشبهات، ومن ذلك أيضاً التأليف في هذه المجالات.
ومن التعاون على البر والتقوى التعاون في مجال سد حاجات المحتاجين، والإنفاق على من رغَّب الله في الإنفاق عليهم من ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب.
ومن التقوى أن تقيم الصلاة، وتأمر الناس بإقامتها، وتعلم الذين لا يحسنون الصلاة كيف يصلونها على الوجه الصحيح إن كنت تعلمه.
ومن التقوى أن تؤدي الزكاة، وتأمر الناس بأدائها على الوجه الصحيح، وتعلمهم كيف يخرجونها إن كانوا لا يعلمون كيفية إخراجها.
ومن التقوى أن تفي بالعهد، وتأمر الناس بالوفاء به، وأن تصبر في البأساء والضراء وحين البأس.
ومن التقوى الجهاد في سبيل الله، ودعوة الأمة الإسلامية إلى إقامة الجهاد، ودعوة أغنياء المسلمين إلى الإنفاق على المجاهدين، وشراء ما يحتاجونه من سلاح وطعام، والإنفاق على أسر المجاهدين.
مختارات