" ما المقصود بالترف وما حده ؟ "
" ما المقصود بالترف وما حده؟ "
أصحاب اللغة يقولون أنَّ:
الترَفُ: هو التَّنَعُّمُ، و المُتْرَفٌ من كان مُنَعَّمَ البدنِ مُدَلَّلاً، وهو: الذي قد أَبْطَرَتْه النعمةُ وسَعة العيْشِ، وأَتْرَفَتْه النَّعْمةُ أَي أَطْغَتْه، وهو: الـمُتَنَعِّمُ الـمُتَوَسِّعُ في مَلاذِّ الدنيا وشَهواتِها.
يقول الراغب الأصفهاني: الترف: التوسع في النعمة.
قال الله تعالى: " أترفناهم في الحياة الدنيا " [المؤمنون/33].
وقال تعالى: " واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه " [هود/116].
وقال تعالى: " ارجعوا إلى ما أترفتم فيه " [الأنبياء/13].
وقال تعالى: " أخذنا مترفيهم بالعذاب " [المؤمنون/64].
وهم الموصوفون بقوله سبحانه: " فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول رب أكرمن وأمَّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول رب أهانن كلا " [الفجر/15-16].
فالمترف من توسع في التنعم بشهوات الدنيا وملذاتها، ومن شأن ذلك أن يؤثر في شخصيته، فتراه مدللا، يفارق الرجال في القوة والاحتمال، مخنث العزم، مائع الإرادة، فالدنيا عنده كأس وغانية، نهم في طلب شهوات الدنيا، يعيش لنفسه، منطقه " اليوم خمر وغدًا أمر "، شعاره " عش الحياة اليوم فتمتع بكل ما فيها ووقت الله يدبرها الله "
وهذا الوصف تراه يغلب على شباب الأمة اليوم، الذين ضاعوا أمام تيارات التغريب والغزو الثقافي، الذين نشأوا وسط عالم مادي بحت، فالدين مغيَّب، والدين أفيون الشعوب، والدين مجموعة من الشعائر يؤديها المرء ـ إن شاء ـ في بيت العبادة، فلا علاقة للدين بالحياة، والإنسان مخلوق حر، والحرية مكفولة لكل أحد، فلا غضاضة ولا حرج إنْ سارت النساء كاسيات عاريات، ولا شيء في أن يتشبه الرجال بالنساء، ولا مانع من الاختلاط، والزنا بالتراضي لا يدخل في حكم القاضي، ومقصود الإنسان في هذه الحياة هو " الرخاء والرفاهية " ومن أجلها توضع الخطط الحكومية، فهي ضمان السعادة، والمال هو السلاح الأقوى، وقيمة المرء بما في جيبه لا ما يتقنه.
ولعلك تسمع كل يوم هذه الشعارات، ويدندون حولها في جميع وسائل الإعلام، حتى صدقها الناس وصارت كالحقائق التي لا تقبل النقاش، وكل من يخرج عن هذا الإطار فهو متخلف رجعي أصولي متطرف إرهابي، يريد لنا أن نعيش بالطريقة التي لم نخترها، يريد لنا أن نعيش في الكهوف ونعود للعصور الوسطى … إلى آخر هذه الطنطنات التي يرددها من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، من صارت الحياة همَّه وشغله، ونسي أنَّ الحياة دار ابتلاء لا دار إخلاد، فهؤلاء هم الذين أخلدوا إلى الأرض واتبعوا أهواءهم ولم يفكروا فيما بعد الحياة، لم يؤمنوا بالآخرة فلم يعملوا لها، ولسان حالهم " ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق "، يريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة، وصفهم الله لنا فقال: " َولَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ "
فلا تتبع من أغفلنا قلبه واتبع هواه وكان أمره فرطًا.
مختارات