" كثرة التعبد "
" كثرة التعبد "
ثمرة العلم العمل، واللذة في الحياة بالإكثار من عمل الصالحات، وآية الإخلاص الإكثار من الطاعات، وزيادة المنازل في الجنة على قدر التزود من الفضائل، وكان أفاضل البشر هم القدوة في الإكثار من الطاعات، فإبراهيم عليه السلام مدحه الله بكثرة تعبده له فقال: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا " [النحل: 120] فوصفه بالقنوت وهو دوام الطاعة.
وداود عليه السلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأثنى الله على زكريا وزوجته ويحيى بقوله: " فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ " [الأنبياء: 90] وكان سلف الأمة يكثرون من التعبد لله.
يقول ابن القيم (الوابل الصيب): " وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت وقال: هذه غدوتي ولو لم أتغد هذا الغداء لسقطت قوتي ".اهـ.
وقال شيخ الإسلام عن نفسه (العقود الدرية لابن عبد الهادي): " إنه ليقف خاطري في المسألة والشيء أو الحالة التي تشكل علي، فأستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر، وينحل إشكال ما أشكل " قال: " وأكون إذ ذاك في السوق أو المسجد أو الدرب أو المدرسة لا يمنعني ذلك من الذكر والاستغفار إلى أن أنال مطلوبي " وقال ابن كثير(البداية والنهاية): عن ابن القيم: " ولا أعرف من أهل العلم في زماننا أكثر عبادة منه، وكانت له طريقة في الصلاة يطيلها ويمد ركوعها وسجودها، ويلومه كثير من أصحابه في بعض الأحيان، فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك ".اهـ.
والطاعة نور يُقذف في الصدور، فأكثر من التعبد لله والخضوع له، فهي نعم العون على تحقيق المبتغى، وعليك الإكثار من ذكر الله وتلاوة كتابه والقيام في ظلم الليل، فالقلب إذا صُفِّى أثَّر، وإذا تكدَّر أضرَّ.
* ما هي العبادات التي أكثر منها؟
أفضل الأعمال بعد الفرائض هي النوافل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى قال: من عادي لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولأن استعاذني لأعيذنه» (رواه البخاري).
* ومن أفضل النوافل التي يفعلها العبد:
1- قيام الليل:
نوافل الصلوات من أزكى الأعمال عند الله، والليل ثمين بدجاه، وقيامه من نعوت الصالحين المبشرين بجنة النعيم، وهو دليل على رجحان العقل والإيمان، وقربة إلى رب العالمين.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (رواه الترمذي وقال حسن صحيح).
ومن محاسن أهل الإيمان القيام لله في الظُّلَم: " كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ " [الذاريات: 17] في دجى الأسحار تصفو الأوقات وقد تنافس الصالحون في ظلمائه، يقول أبو سليمان الداراني: " والله لولا قيام الليل ما أحببت الدنيا " ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل في سفر أو حضر وكان يصليه قائماً وقاعداً وعلى راحلته في أسفاره ولو إلى غير القبلة، وكان الصالحون يعيبون على من ترك قيام الليل، يقول الحسن البصري: " ما ترك أحد قيام الليل إلا بذنب أذنبه " وذلك نابع من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما حيث قال له: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فكان ابن عمر لا ينام من الليل إلا قليلاً» (متفق عليه) وقال لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما «يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل» (متفق عليه) ومن شرف العبودية التعبد ليلاً، والنفس لا تشرف إلا بعبوديتها لله، ولا يليق بشاب مستقيم أن يدع قيام الليل ولو نصف ساعة قبيل الفجر يناجي فيها ربه زَمَن فتح أبواب السماء، ولم يكن السلف يدعون قيام السحر يقول طاووس: " كنت أظن أن لا يدع أحد قيام السحر ".
2- الإكثار من الذكر:
ذكر الله ميزان الرفعة والتكريم، وهو خير ما يعطر به اللسان، وهو باب مفتوح بين العبد وبين ربه ما لم يغلقه العبد بغفلته، يقول ابن القيم (الوابل الصيب): " إنه ـ أي الذكر ـ يورثه ذكر الله تعالى له، كما قال تعالى: " فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ " [البقرة: 152] ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلاً وشرفاً " بالإكثار من الذكر يسمو العبد عند ربه، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه. بالذكر سعادة القلب والأنس بالله، يقول ابن القيم (الوابل الصيب): " وقال لي مرة شيخ الإسلام: لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر ".
3- تلاوة القرآن الكريم:
الكتاب العزيز عُمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، بتلاوته والعمل به يعلو الشأن، ويزهو القدر ويزيد الإيمان، والقرآن العظيم أصل العلوم وأسها، ومنه تؤخذ الأخلاق والآداب، وحفظ كتاب الله حفظ بإذن الله للعبد من الشرور والفتن، وحصن من الشبهات والشهوات، فاجعل تلاوة القرآن على لسانك متدبراً لها بقلبك.
4- صيام ثلاثة أيام من كل شهر:
ربنا جل وعلا متصف بالشكر، يضاعف بالعمل اليسير الأجر الجزيل، وأمة محمد عليه الصلاة والسلام أمة مرحومة تعمل قليلاً في عمر قصير وتُجزى كثيراً، وتسبق الأمم في الآخرة، فصيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام جميع الشهر، كل يوم بعشرة أيام كرماً من الله ومنة، وصيامها هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة، يقول أبو هريرة رضى الله عنه: " أوصاني خليلي بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام " (متفق عليه).
مختارات