" الأعمال المثقلة للميزان : العمل الثاني والعشرون : أن تحمل هَمَّ تثقيل ميزانك "
" الأعمال المثقلة للميزان: العمل الثاني والعشرون: أن تحمل هَمَّ تثقيل ميزانك "
الذي يحمل هم تثقيل ميزانه لا أظنه سيفكر في تضييع دقائق يومه فضلا عن ساعاته في غير طاعة، لأنه مهموم ومشغول في تثقيل ميزانه، ستجده أبعد الناس عن اللغو، وأبعدهم عن المعصية، ولو وقعت منه زلة بادر للاستغفار منها، خوفًا أن تلحق الضرر بحسناته.
جرب أن تحمل هذا الهَمَّ ليوم واحد فقط، وسترى كيف تمضي يومك، ولا أبالغ إذا قلت أنك ستكون إنسانًا آخر.
المفاضلة بين الأعمال:
ينبغي لمن كان همه تثقيل ميزانه اختيار العمل الأكثر ثوابًا إذا كثرت أمامه الأعمال وتعارضت.
قال التابعي الجليل جابر بن زيد رحمه الله تعالى: لأن أتصدق بدرهم على يتيم أو مسكين أحب إليَّ من حجة بعد حجة الإسلام.اهـ (صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
ورأى محمد بن المنكدر رحمه الله تعالى أن بره لوالدته أحب إليه من قيام ليلة حيث قال: بت أغمز رجل أمي، وبات عمر يصلي، وما يسرني أن ليلتي بليلته.اهـ (حلية الأولياء).
وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: وقد تضافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة، ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر تكون الصدقة أفضل اهـ ( فتح الباري).
وذكر ابن القيم رحمه الله تعالى تباين العلماء في تعريف الميزان الصحيح لأفضلية العبادة على أربعة أحوال، ومال إلى ترجيح أحدها وهو القول الرابع منها فقال:
الصنف الرابع قالوا: إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادات في وقت الجهاد؛ الجهاد، وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن.
والأفضل في وقت حضور الضيف مثلاً القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب، وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل.
والأفضل في أوقات السحر الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار.
والأفضل في وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل الإقبال على تعليمه والاشتغال به.
والأفضل في أوقات الأذان ترك ما هو فيه من ورده والاشتغال بإجابة المؤذن.
والأفضل في أوقات الصلوات الخمس الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه، والمبادرة إليها في أول الوقت، والخروج إلى الجامع، وإن بَعُدَ كان أفضل.
والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو البدن أو المال الاشتغال بمساعدته وإغاثة لهفته وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك.
والأفضل في وقت قراءة القرآن جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه حتى كأن الله تعالى يخاطبك به، فتجمع قلبك على فهمه وتدبره، والعزم على تنفيذ أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك.
والأفضل في وقت الوقوف بعرفة الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك.
والأفضل في أيام عشر ذي الحجة الإكثار من التعبد لا سيما التكبير والتهليل والتحميد فهو أفضل من الجهاد غير المتعين.
والأفضل في العشر الأخير من رمضان لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم، حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء.
والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته عيادته وحضور جنازته وتشييعه وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيتك.
والأفضل في وقت نزول النوازل وأذاة الناس لك أداء واجب الصبر مع خلطتك بهم دون الهرب منهم، فإن المؤمن الذي يخالط الناس ليصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه، والأفضل خلطتهم في الخير فهي خير من اعتزالهم فيه، واعتزالهم في الشر فهو أفضل من خلطتهم فيه، فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله أو قلله فخلطتهم حينئذ أفضل من اعتزالهم، فالأفضل في كل وقت وحال إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه اهـ (دارج السالكين).
مختارات