تابع " كيف أستقيم ؟! وسائل الاستقامة "
تابع " كيف أستقيم؟! وسائل الاستقامة "
سادسًا: الدعاء بثبات القلب على الطاعة:
قال تعالى: " وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ " [الأنفال: 24] (انظر: الفوائد ص118. وقال ابن عباس في تفسير الآية: «يحول بين المؤمن وبين المعصية التي تجره إلى النار»، وانظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي) فيدعو الموفقُ ربَّه أن يثبته على دينه والتزام طاعته؛ فإن العبد له حالات؛ إما أن يقع في الذنب، أو يكون على طاعة؛ فالمذنب تجب عليه التوبة، والتوبة واجبة من كل ذنب وفي كل حين كما قرّر العلماء، والمحسن عليه أن يعيش بين الخوف والرجاء ويسأل الله القبول ثم يدعو الله أن يثبته على الدين.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو رسول الله المغفور له ما تقدم وتأخر من ذنبه، وسيّد المستقيمين - يدعو الله أن يثبت قلبه على الدين؛ فتارة يدعو ويقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (انظر: صحيح الجامع).
وتارة يقسم بذلك: «لا ومقلّب القلوب» (انظر: المشكاة) لأنه يعلم أنه: «لقلب ابن آدم أشد انقلابًا من القِدَرِ إذا استجمعت غليانًا» (انظر: صحيح الجامع) وكما تقدم، فالقلب ملك الأعضاء وسيدها، فإذا استقام القلب استقامت الجوارح، ولهذا في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحلال بَيِّنٌ والحرام بَيِّنٌ، وبينهما أمور مشتبهات؛ فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه – إلى أن قال – ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي: القلب»؛ فصلاح القلب صلاح لبقية الأعضاء والجوارح، وفي الحديث إشارة مهمة إلى أن التقوى والورع المعينان على حصول الفرقان، والنور الذي يفرق فيه العبد بين الحق والباطل عند اشتباه الأمور واختلاطها إنما محلهما القلب؛ فالحلال معروف والحرام كذلك؛ ولكن هناك أمورًا مختلفٌ فيها أو فيها شبهة، فمن الذي يتقيها؟! ومن يتجنبها ولا يتساهل فيها ويحتاط لدينه ! هو صاحب القلب السليم... صاحب التقوى... والتقوى محلها القلب، قال صلى الله عليه وسلم: «التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا» وأشار إلى صدره، كما في صحيح مسلم.
نسأل الله أن يثبتنا على دينه، ويرزقنا القلب السليم النقي التقي الخفي، إنه سميع مجيب.
سابعًا: حفظ اللسان:
تقدم معنا في تعريف الاستقامة ذكر علامة إرشادية ترشد وتدل على الاستقامة، وهي حفظ اللسان من آفاته؛ فاللسان دليل استقامة القلب، والقلب دليل استقامة وإيمان العبد.
كما تقدم أن القلب ملك الأعضاء وسيدها، وأنه إذا صلح صلح الجسد كله، وبالتالي نجح يوم القيامة، قال تعالى: " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " [الشعراء: 88، 89] فكذلك اللسان هو الترجمان لهذا القلب؛ فالقلب ملك الجميع، واللسان أمير الأعضاء والجوارح، وهو ترجمان القلب للجوارح.
فليتأمل العبد هذا المشهد المثير، والموقف الرهيب، كيف تخاطب الأعضاء اللسان وتذكره بالله كل صباح وتقول له: «اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا» وليأخذ من هذا المشهد الدرس والعظة والعبرة، ولا يخون عهده مع ربه أولاً، ثم مع الأعضاء ثانيًا، فيطلق لسانه ذات اليمين والشمال في اللغو، والغيبة، والنميمة، والكذب على الله ورسوله، أو الكذب المحرم بين الناس، والسخرية، والاستهزاء، والضحك المنهي عنه، والمراء والجدل العقيم غير الشرعي، والخصومة واللعن، والسباب، والمزاح المذموم، والغناء، والشعر القبيح وإفشاء السر الذي لا يجوز ذكره، وإتيان الناس بوجهين ولسانين، والقول على الله بغير علم، والفتوى بجهل، والخوض في الباطل، والكلام فيما لا يعني، وفضول الكلام (وانظر: «آفات اللسان في الكتاب والسنة» لسعيد بن وهف القحطاني).
ولهذا جعل الله «البعد عن اللغو» من صفات المؤمنين من أعظم ركنين من أركان الإسلام بين الصلاة والزكاة، قال تعالى: " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ " [المؤمنون: 1-4].
وإطلاق العنان للسان له آثاره الوخيمة، وعواقبه السيئة في الدارين.
فهذا من موانع الاستقامة وعقباتها؛ لأنه يولد الحقد، والبغضاء، والكراهية، والميوعة، والفسق، والمجون، والاستهانة بالأعراض والفواحش، وهذه كلها عقبات في طريق الاستقامة سببها اللسان، وفي الآخرة يكون سببًا في كبَّ الناس في النار على وجوههم ومناخرهم، كما قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين سأله: أونحن مؤاخذون بما نقول؟! قال: «ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس على وجوههم أو مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» [رواه الترمذي، انظر: الصحيحة 3/115].
وهو أيضًا محرقة للحسنات والطاعات ومضيع لها !!
ويجعل صاحبه يوم القيامة مفلسًا من أعماله العظيمة التي هي كالجبال، من صلاة وصوم وزكاة وغيرها؛ كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته وقبل أن يُقضى عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار». [مختصر مسلم 1836].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفًا» (صحيح الجامع، ورواه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة. وانظر: الحديث الآخر في صحيح الجامع).
إذًا فحفظه سبب للاستقامة، ولهذا في حديث معاذ المتقدم بيان أن حفظ اللسان ملاك الأعمال كلها يحفظها من الضياع ويعين على طريق الاستقامة كما تقدم، قال: «ألا أخبرك ملاك ذلك كله؟ أمسك عليك هذا» وأشار إلى لسانه، وهذا بعد أن ذكر له الإسلام والصلاة والجهاد والصوم والبر والأعمال الصالحة، قال له: «بملاك ذلك كله !».
فلنتق الله في هذا العضو الصغير في حجمه، الكبير في جرمه؛ ولكنه عظيم في نفعه للمستقيم على دين الله، الثابت على شرعه، وصدق rصلى الله عليه وسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت». كما في الصحيحين من حديث أبي شريح الخزاعي رضى الله عنه.
تنبيه مهم:
يظن بعض الناس أن الخير كل الخير في الصمت مطلقًا ويقول: لا تتكلم فيما لا يعنيك! فاللسان خطره عظيم وجسيم؛ فالواجب والأولى ترك الكلام مطلقًا ! حتى لو رأى المعاصي والمنكرات !!
ونقول: هذا فهم سقيم وورع فاسد، كورع من لا يكفَّر إبليس ويقول: أكف لساني عن القول في شخص ما لا أعلم !! وهذا من أفسد الورع كما قال ابن الجوزي؛ فينبغي أن نتدبر قوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت». فليس لك الصمت مطلقًا؛ وإنما يجب عليك قول الخير والكف عن الشر، وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: «فليقل خيرًا» فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب شرعي؛ فلا يجوز السكوت عن المنكر؛ بل يجب أن تنصح وتأمر وتنهى حسب الاستطاعة الشرعية التي رتبها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان» [مختصر مسلم (34) عن أبي سعيد الخدري].
وهذا هو صمام الأمان للأمة كما في حديث السفينة المشهور، سفينة المجتمع: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها فكان الذي [وفي رواية: الذين] في أسفلها إذا استقوا من الماء فمروا على من فوقهم فتأذوا به [وفي رواية: فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء، فيصيبون على الذين أعلاها، فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا]، [وفي رواية: ولم نمر على أصحابنا فنؤذيهم] فأخذ فأسًا فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا: مالك؟ قال: تأذيتم بي، ولا بد لي من الماء، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا» (رواه البخاري وغيره عن النعمان بن بشير، وانظر: صحيح الجامع، والصحيحة).
فلا بدَّ من الأمر والنهي والدعوة إلى الله وقول الحق، ولهذا قيل: «الساكت عن الحق شيطان أخرس» وليس بحديث (يرويه البعض عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم – ولكن ليس له أصل) وكان «من أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» (انظر: صحيح الجامع).
والله يقول: " وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [آل عمران: 104] فغيرهم خاسر بلا شك، وهم التاركون لفريضة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا نحتج بقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ " [المائدة: 105] لأن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسَّر الآية وشرح معناها، فقال: «أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه يوشك الله – عز وجل – أن يعمهم بعقابه» (انظر: تفسير ابن كثير) وكذلك لا يحتج أحدهم بحديث أبي هريرة الذي رواه الترمذي وحسنه: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» بل هو حجة عليه؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، كل هذه الأمور مما أوجبها الله علينا حسب الاستطاعة، فهي مما يعنينا ويهمنا.
لهذا نقول: إن من وسائل الاستقامة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضوابطه الشرعية وبالحكمة المرعية، وإذا تأملت نصوص الاستقامة في كتاب الله تجدها مرتبطة بالدعوة إلى الله والأمر والنهي، كما قال تعالى: " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " [فصلت: 33] كانت بعد قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا " [فصلت: 30]... الآية، وكذلك قوله تعالى: " أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ " [الأعراف: 165] كانت بعد قوله تعالى: " فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ " [هود: 112] بآيات كما في سورة هود.
والخلاصة:
أن من آفات اللسان السكوت عن الحق وكتمان العلم لغير مصلحة شرعية راجحة، كما بينها أهل العلم، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – [في المجلد 20 من الفتاوى ص58-61] وترك الدعوة إلى الله - عز وجل – على بصيرة وفهم وعلم وحكمة، كما أن الغيبة والنميمة وغيرها من آفات اللسان تمامًا قال صلى الله عليه وسلم: «من سُئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» (انظر: صحيح الجامع).
ثامنًا: الصبر وكثرة ذكر الله تعالى:
الصبر نصف الإيمان، والشكر نصفه الآخر، وصحَّ في الحديث: «الإيمان الصبر والسماحة» فبالصبر تنال عظام الأمور:
لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
وقال آخر:
وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسام
فالصبر ملاك الأعمال كلها ولا يمكن للعبد أن يستقيم أبدًا دون صبر؛ فلا علم إلا بالصبر، ولا عمل إلا بالصبر، ولا دعوة إلا بالصبر؛ فالصبر ملاك العلم والعمل والدعوة، فهو ملاك الأمر كله كما ذكر ابن القيم – رحمه الله، بل كما بيَّن المولى تعالى في سورة العصر بعد أن بين أن الناس كلهم في خسارة إلا من حقق هذه الأمور:
1- العلم الشرعي والإيمان: وهو معرفة الله ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.
2- العمل الصالح بذلك.
3- الدعوة إليه.
ثم قال بعد ذلك كله: وتواصوا بالصبر، قال تعالى: " وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ " [العصر: 1-3].
فالصبر ملاك ذلك كله، ولا يمكن الحصول على شيء منه إلا بالصبر بعد توفيق الله؛ ولهذا قال تعالى: " وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا " [الإنسان: 12] ولم يقل بما صلوا أو صاموا أو علوا؛ لأنه لا قيام لصلاة ولا صيام ولا ذكر، ولا انتهاء عن منكر وفاحشة إلا بالصبر، ولهذا كان جزاء الصابرين عظيمًا، كما قال تعالى: " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ " [الزمر: 10].
وذكر الله الصبر في قرابة تسعين موضعًا من كتابه، كما قال الإمام أحمد. كل هذا دليل على أهميته العظمى، ولسنا في صدد بيان الصبر، وفضله وأنواعه، وكيف يكون، وأدلة ذلك، فإن هذا له موضع آخر؛ ولكنا قصدنا بيان أن الصبر من أهم الأمور المعينة على الأعمال وهو من أهم عوامل الثبات والاستقامة، ولا يمكن عمل شيء منها إلا بالصبر بعد فضل الله والإخلاص لله عز وجل.
ونقصد بالصبر أنواعه الثلاثة: الصبر على الطاعة، وعن المحارم، وعلى المصائب والأقدار، فهذه الأنواع الثلاثة من حققها فقد حقق الاستقامة المطلوبة شرعًا؛ ولهذا عندما أنزل الله الوحي والرسالة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليعمل بها ويبلغها أمره بالصبر... لماذا؟ لأنه لا يستطيع القيام بها بدون الصبر، قال تعالى: " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا " [الإنسان: 23، 24].
فلا يمكن أن يتخلص من شهواتهم وشبهاتهم إلا بالصبر على العلم النافع، والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، قال تعالى: " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ " [الكهف: 28].
بل: «بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين» كما قال الفضيل، وابن تيمية – رحمهما الله، ودليلهما قوله تعالى: " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ " [السجدة: 24] (انظر: تفسير ابن كثير).
ثم الذكر الشرعي الصحيح...
فذكر الله – عز وجل – من أهم ما يساعد على الصبر، ولهذا قال – بعد الوصية بالبر -: " وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا " [الإنسان: 25] فهو مما يقوي الصبر ويدعمه؛ ففي الصباح والمساء، في كل وقت وحين ينبغي على المرء أن يكون ذاكرًا لله ذكرًا شرعيًا لا بدعيًا؛ قال تعالى: " وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " [الأحزاب: 35] ولما جاء عبد الله بن بسر للنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فدلني على عمل أتشبث به، قال: «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله» (رواه الإمام أحمد وغيره، انظر: «صحيح الكلم الطيب» للألباني، وانظر: صحيح الجامع) فذكر الله الذكر الشرعي الصحيح، من أهم ما يثبت العبد ويعينه على الصبر والاستقامة على دين الله، قال تعالى: " أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " [الرعد: 28] وقال تعالى مبينًا أهمية الذكر، وأنه مما يعين على الثبات في مواطن البأس والشدة – قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [الأنفال: 45].
وقد ذكر ابن القيم – رحمه الله – في «الوابل الصيب» أن للذكر مائة فائدة، ثم قال: ولو لم يكن في فضل الذكر إلا قوله تعالى: " فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ " لكفى... وصدق - رحمه الله ؛ فإن معنى الآية كما قال ابن عباس – رضي الله عنهما: اذكروني بطاعتي، أذكركم بمعونتي.
وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: «من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه...».
والذكر الشرعي يمنح صاحبه – بفضل الله – نورًا وطمأنينة وسعادة وراحة وقوة في القلب والبدن وانشراحًا في الصدر... إلخ. والله الموفق.
وقفة مع آية من سورة الإنسان:
ويجدر بنا أن نذكر الآية السابقة التي حثت على الصبر بتمامها؛ لأنها – في نظري، والله أعلم – ذكرت أهم ما يعين الداعية على دعوته ويثبته على طاعة الله؛ قال تعالى: " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا * إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا " [الإنسان: 23: 27].
فدلت الآيات أن على الداعية صاحب الأمانة وحامل الرسالة العظيمة، أن يتحلى بالصبر والذكر بمفهومه الشامل ذكر القلب واللسان والجوارح؛ فالصلاة والصوم والأعمال كلها ذكر، كما سمّى الله الصلاة والجمعة ذكرًا، وهكذا؛ فالعبادات إنما شرعت لإقامة ذكر الله، قال تعالى: " فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي " [طه: 14] وقال تعالى: " فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ " [الجمعة: 9].
وكذلك لا بد من قسط كاف لتربية نفسه لتحمل مشاق الدعوة؛ وذلك بالقيام؛ قيام الليل المعين على الطاعات والدعوة وشدائدها بعد عون الله، وكذلك قصر الأمر والتفكر في الآخرة ويوم القيامة وأهوالها، وما أعده الله للمستقيم، وما توعد به المنحرف، فهذه كلها عوامل تثبت وتعين الداعية إلى الله – عز وجل – في دعوته وطاعته؛ نسأل الله التوفيق والثبات.
كن كالصحابة في زهد وفي القوم هم ما لهم في الناس أشبـاه
عباد ليل إذا جن الظلام بهـم كم عـــابد دمعــــه علـى الخد أجـراه
وأسد غاب إذا نادى الجـــهاد هبــوا إلــى مــــوت يستلقـون رؤياه
تاسعًا: الصحبة الصالحة:
ولعلها من أعظم ما يعين بإذن الله – تعالى – على ما تقدم؛ فهي تذكّره بالله إذا نسي وتعينه إذا ذكر، وقل لي مَنْ تصاحب؟ أُخبرك مَنْ أنت !
عن المرء لا تسأل وسل عن فكل قرين بالمقارن يقتدي
ولهذا ذكر الله الكلب وهو كلب في القرآن لصحبته الصالحين (أصحاب الكهف)، وخير وأحسن من الشعر قوله صلى الله عليه وسلم: «الرجل على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل» (رواه الترمذي وحسنه عن أبي هريرة، وأبو داود، وحسنه الألباني في الصحيحة) وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحب إلا مؤمنًا» (سنن أبي داود، والترمذي وحسنه).
وكان السلف يحرصون على هذه الصحبة أشد الحرص؛ بل إذا رأى أحدهم العلماء الصالحين نشط في العبادة أيامًا عديدة؛ كما قال أحدهم: «كنتُ إذا رأيتُ محمد بن واسع ازددت نشاطًا في العبادة أسبوعًا» ! والأمر واضح جدًا في الصحبة الصالحة، وأنها من أعظم الأمور المعينة على الاستقامة؛ لأن الذئب إنما يأكل من الغنم القاصية.
والصحبة الصالحة تعين المرء على الإخلاص، والصلاة والنوافل، والصبر، والذكر، وحفظ اللسان، والعلم، وهي تذكرك بالله وتساعدك على الطاعة والبر والصلة، ولهذا صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم: «المؤمن مرآة أخيه» (انظر: صحيح الجامع).
ولكن لا بد لها من شروط، ولا بد لاختيار الصاحب والجليس من مواصفات شرعية؛ ليتحقق لك ذلك كله أو جلّه، ثم بعد ذلك لا بد من مراعاة حقوق وآداب الأخوة لتستمر وتدوم، وتكون على منهاج النبوة والسلف الصالح.
وذكر شروط الصحبة وصفات الصاحب وحقوق وواجبات الأخوة وبيان آفات الجلساء، حتى بعض الصالحين، وما يحدث من تزيين بعضهم لبعض، أو مجاملة بعضهم للآخر، وعدم حصول النصح والتذكير بالله، وإنما تكون صحبة مؤانسة ومؤاكلة ومشاربة كما يحصل كثيرًا؛ فلا ينتفع المرء بصحبته، وإن ظهر عليهم علامات الصالحين، ولا ترى فيه زيادة علم ودين وإيمان إلا قليلاً، ولو سار معهم سنين.
أقول: ذكر ذلك كله يطول شرحه، وأنصح إخواني بقراءة ما كتبه أهل العلم في ذلك كابن تيمية في الفتاوى، وتلميذه ابن القيم وغيرهم من الأئمة، وأرشد المبتدئ ببعض الرسائل الميسرة، ومن أجملها – فيما أعلم - رسالة الشيخ/ عبد الله آل جار الله – رحمه الله: «الأخوة في الله»؛ فقد جمعها من عدة رسائل ولخص بعضها؛ ففيها فوائد جمة ينفع الله بها بإذنه، مَنْ قرأها بصدق وإخلاص وتجرد، وحرص على العمل بها !
وأختم هذه الفقرة بما هو خير، وهو قوله تعالى: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ " [الحجرات: 10] وقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، أو تجد منه ريحًا خبيثة» (الحديث في صحيح البخاري عن أبي موسى – رضي الله عنه، وانظر: صحيح الجامع).
تعقيب وتنبيه مهم:
لعل القارئ الكريم حين يقرأ حقوق الأخوة، وصفات الجليس الصالح الذي يختاره يظنها حقوقًا لأصحابه فقط، ويهمل حقوق المسلمين العامة المطلوبة منه لكل مسلم مؤمن، فالحقوق العامة: كالسلام، والتبسم، والزيارة، والتشميت، والعيادة، والتعزية... إلخ، كل هذه الحقوق ينبغي علينا الحرص على أدائها لكل مسلم مؤمن موحد من أهل السنة والجماعة فنسلم عليه، ونبش ونهش على وجهه، ونبتسم في وجه إخواننا ونعاملهم خيرًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فله ما لنا وعليه ما علينا» (رواه البخاري والنسائي عن أنس بلفظ: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته» وانظر: صحيح الجامع).
فلا نجعل هذه الحقوق والواجبات والسنن خاصة بمن نعرف فقط أو نصاحب أو نجالس، ولا نحكره على جماعة معينة، أو حزب أو هيئة كما يصنع مرضى العقول والقلوب ممن أعمتهم الأهواء والحزبيات، فلا يسلم إلا على أصحابه فقط ! وإذا رأى من يخالفه في مسألة اجتهادية أو ممن هو خارج حزبه أو جماعته لم يسلم عليه !! نسأل الله السلامة والعافية من الجهل والهوى، وما يقع فيه بعض العوام من عدم السلام والعافية من الجهل والهوى، وما يقع فيه بعض العوام من عدم السلام إلا على من يعرفه أو من قبيلته فقط، ويترك السلام على إخوانه المسلمين؛ لأنه من الفقراء أو العمالة أو نحو ذلك !! وكذلك إهمال حقوق الجيران وعدم دعوتهم؛ لأنهم فقراء ولا يدعي للولائم إلا الأغنياء !! إلخ.
بل كل مسلم - من الموحدين - يجب علينا أن نعامله معاملة شرعية كما أراد الله، ولا نفرق المسلمين ونجعلهم شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون، فإنه مع الأسف وجد من شباب المسلمين اليوم - جهلاً منهم هداهم الله أو تكاسلاً وإهمالاً - تقصيرٌ في هذه الأمور؛ فلا يُسلّم إلا على أصحابه وجلسائه، ولا يزور غيرهم مع أن جاره، وزميله، وقريبه، وغيرهم من المسلمين الموحدين لهم حقوق عليه كثيرة؛ فيجب التنبه لهذا، ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه؛ فلا إفراط ولا تفريط، نسأل الله أن يرزقنا الوسطية في كل أمورنا، والاستقامة في كل شؤوننا، إنه سميع مجيب.
عاشرًا: الحذر من مثبطات ومعوقات الاستقامة:
فهناك أمور كثيرة تعيق العبد وتؤخره وتبعده عن الاستقامة، فيجب الحذر منها من باب:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لا يعرف الخير من الشر يقع
وخير منه قول حذيفة رضى الله عنه، كما في الصحيحين: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني».
والمعوقات التي تصد المرء عن الدين والاستقامة أو تضعفه كثيرة لا يتسع المقام لذكرها وشرحها؛ فهي تحتاج إلى رسالة مستقلة، ولكني أنبه إلى أهمها وأخطرها وما يجمعها:
1- الشرك بجميع صوره وأنواعه؛ سواء الشرك الأكبر أو الأصغر؛ فهذان أعظم المعوقات عن الهداية والاستقامة، قال تعالى: " وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ " [الزمر: 65] ومنه دعاء غير الله والاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله أو بعد موته والذبح والنذر له والطواف حول القبور والاستنجاد بأصحابها وغير ذلك مما يطول شرحه... فهذا كله شرك أكبر يصد العبد ويحجبه عن التوحيد والاستقامة... فلا بد من تجريد التوحيد لله " وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا " [الجن: 18]. وأنصح بقراءة رسالة: «نواقض الإسلام وقوادح في العقيدة» لسماحة الشيخ ابن باز رحمة الله عليه.
2- المعاصي كبيرها وصغيرها مع الإصرار، فإن المعصية حل سخط الله، ومتى اجتمعت على صاحبها أهلكته، كما صحت بذلك الأحاديث، وأنصح بكتاب «الداء والدواء» لابن القيم، فقد بين – رحمه الله – خطورة المعاصي، وأثرها العظيم على استقامة الفرد.
3- الشبهات والبدع وفتح الباب والعقل والسمع لها، والتنقل من شبهة وبدعة إلى أخرى... " فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ " [آل عمران: 7] وصدق شيخ الإسلام رحمه الله حين نصح تلميذه ابن القيم فقال: «اجعل قلبك كالزجاجة تمر عليها الشبهة ولا تدخلها ولا تجعلها كالإسفنجة كلما مر عليها شبهة أشربها».
4- اتباع الهوى... وصدق الله: " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " [الجاثية: 23].
5- الإعراض عن الذكر والقرآن ومجالس العلم والإيمان، قال تعالى: " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ " [الأنفال: 21، 22].
وانظر تعليق ابن القيم عليها في «الفوائد» ص219 فهو مفيد ومهم، وقد قال تعالى: " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ " [السجدة: 22] ويقول تعالى: " فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا " [الكهف: 57].
6- مجالس الغفلة واللهو المحرم والمعصية، وأصحاب السوء، والرجل على دين خليله.
7- النفس الأمارة بالسوء، قال تعالى: " إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي " [يوسف: 53]. فعلى العبد أن يجاهدها لتكون لوامة، ثم مطمئنة بإذن الله.
8- الشيطان وأعوانه من الإنس والجن؛ قال تعالى: " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ " [البقرة: 268] وقال تعالى: " إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ " [البقرة: 169].
9-10-11-12-13- المال، والولد، والزوج، والمنصب، والدنيا عمومًا إذا شغلت العبد عن طاعة الله وصرفته عن عبادة الله وفتنته عن دين الله، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ " [المنافقون: 9].
14- النظر المحرم كالمجلات الساقطة، والأفلام والقنوات الفضائية بل الفضائحية! وكذلك السماع المحرم للأغاني الماجنة وغيرها! فكل هذا مما يصدّ عن دين الله وطاعته... وغيرها كثير، والأدلة على ما تقدم أكثر؛ ولولا خشية الإطالة لذكرتُ شيئًا من ذلك بالتفصيل والله المستعان وصدق ابن القيم حيث قال- بعد بيانه لمعنى الصراط المستقيم، وأن من ثبت عليه في الدنيا نجا يوم القيامة ومر عليه سريعًا، قال - رحمه الله: «ولينظر الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم؛ فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذلك الصراط، تخطفه وتعوقه عن المرور عليه؛ فإن كثرت هنا وقويت فكذلك هي هناك: " وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ " [فصلت: 46]. [المدارج 1/16]».
مختارات