" في المشتبهات "
" في المشتبهات "
إذا كان في الشرع: الحلال المحض، المقطوع بحله، والحرام المحض المقطوع بحرمته، فإن هناك أمورا تتردد بين الحل والحرمة ويشتبه الحكم فيها على بعض الناس لسبب من أسباب الاشتباه، وقد يظهر هذا الحكم للراسخين في العلم، وقد لا يظهر.
ومن هنا فقد نجد من بين الأحكام الشرعية من يفتي فيها من أهل العلم بالحرمة، ومنهم من يفتي بالكراهية في المسألة نفسها، وقد يفتي بعضهم بالحل أيضاً.
وذلك في ما ليس فيه نص قطعي صريح، لعموم الدليل، أو عدم تحديد مفهومه، أو اجتماع الأمر والنهي فيه، أو غير ذلك.
والمسلم القابض على دينه يتقي الشبهات مخافة أن يقع في الحرام من حيث لا يدري، فلا يستهين بالمكروه مثلاً لاحتمال أن يكون حراماً في حقيقة الأمر، وقد يكون في متناول المسلم أنواع من الكسب والأموال فيها ريبة أو شبهة، فينبغي عليه أن يكف عنها وأن يتركها ورعاً وحفظاً لدينه، وخوفاً من الوقوع في الحرام.
" تعريف المتشابه "
يأتي التشابه والاشتباه: بمعنى الالتباس، والمشتبهات تعني المشكلات.
- فالمتشابه هو ملتبس الحكم غير معلومه على وجه القطع.
- والمتشابه هو الذي لم يتعين حكمه على التعيين أهو من قبيل الحلال أم من قبيل الحرام.
- والمشتبهات: أمور مشكوك في حلِّها مرتاب في حرمتها فلها شبه من الحلال البين، وشبه من الحرام البين (انظر الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم).
3- كمال الدين:
لم يُقبض النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد أكمل الدين بوحي ربه، فلم يترك شيئًا مجهول الحكم.
كما قال تعالى: " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " [المائدة: 3].
وكما قال صلى الله عليه وسلم: «تركتكم على بيضاء نقية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك» (ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم).
وقال أبو ذر رضى الله عنه: «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما طائر يحرك جناحيه في السماء إلا وقد ذكر لنا منه علمًا» ( ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم).
ولما شك ناس في موت النبي صلى الله عليه وسلم قال عمه العباس رضى الله عنه: «والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ترك السبيل نهجاً واضحاً، وأحل الحرام، وحرم الحلال، ونكح وطلق، وحارب وسالم» ( ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم).
فلم يترك النبي صلى الله عليه وسلم حلالًا، ولا حرامًا، إلا بينه، لكن بعضه كان أظهر من بعض.
فما ظهر بيانه واشتهر، وعلم من الدين بالضرورة، لم يبق فيه شك، ولا يعذر أحد بجهله في بلد يظهر فيه الإسلام.
أما ما كان دون ذلك، فمنه ما اشتهر بين حملة الشريعة خاصة، فأجمع العلماء على حله أو تحريمه، وقد يخفى على بعض من ليس منهم (ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم).
وقد يظهر في حياة الناس من المعاملات والأحوال والأحكام ما لم يكن موجودًا من قبل فيقاس على غيره.
ومن هنا كانت المتشابهات التي خفي حكمها على بعض الناس، فلم يعلم أهي من الحلال البين، أم من الحرام البين، لوجود شبهة، أو علة تلحقها بأحدهما، فيلزم التحفظ والتبيين حتى لا يقع في المحرم من حيث لا يدري.
مختارات