" العمل في حياة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم "
" العمل في حياة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم "
الصديق رضى الله عنه:
كان أبو بكر الصديق رضى الله عنه تاجراً ميسورًا في الجاهلية، ومن أغنياء قريش، وظل هكذا في الإسلام وقد أنفق أمواله في سبيل الله كنشر الدعوة وعتق الرقاب.
«ولما تولى الخلافة شوهد ذاهباً إلى السوق ومعه أثواب يتجر بها، فلقيه عمر وأبو عبيدة رضي الله عنهما، فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق، قالا: تصنع ماذا؟ وقد وليت أمر المسلمين !! قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالا: انطلق حتى نفرض لك شيئاً، ففرضوا له أجراً من بيت المال، كي يتفرغ لشؤون المسلمين» (راجع الحافظ ابن حجر، فتح الباري).
الفاروق رضى الله عنه:
وكان عمر تاجراً يذهب إلى الأسواق ويكتسب رزقه، ويقول: «ألهاني الصفق في الأسواق عن سماع حديث النبي صلى الله عليه وسلم» ويقول: «ما من موضع يأتيني فيه الموت أحب إلي من موطن أتسوق فيه لأهلي: أبيع وأشتري» (راجع الإمام الغزالي، الإحياء).
وكثيرًا ما نعى على المتعطلين تواكلهم قائلًا: «السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة».
وكان يبذل النصيحة للقراء وهم محل ثقته وتقديره، وأهل رأيه ومشورته.
ويقول: «يا معشر القراء التمسوا الرزق ولا تكونوا عالة على الناس، وكان في استطاعته أن يعطيهم من بيت المال» (راجع الإمام الغزالي، الإحياء).
ذي النورين رضى الله عنه:
وكان عثمان يبيع الثياب في جاهليته وإسلامه، وقد جهز ثلث جيش العسرة من تجارته وربحه، وظل يضع في حجر النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال صلى الله عليه وسلم: «ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض» (ابن هشام في السيرة كما في الروض الأنف للخشعمي: أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن).
وكان عثمان يتصدق ويفضل ما عند الله من مضاعفة الحسنات على ربح الدنيا، فليس في وسع أحد أن يعطي عطاء رب العالمين.
علي رضى الله عنه:
وكان علي بن أبي طالب يعمل بيده الشريفة، ويؤجر نفسه بتمرات، لاستخراج الماء من البئر لعمل الطين، وينال منه الكد والتعب، وتمجل (تمجل: بفتح التاء وسكون الميم وضم الجيم: تعبت، وصلبت، وشحن جلدها. وتعجر وغلظ الكف من آثار العمل) يداه من حبل الليف.
روى ابن قتيبة في المعارف: أن علياً سقى بالدلاء على تمرات (راجع ابن هشام).
وكان رضى الله عنه يحمل الماء، ويطحن الحب على الرحى هو وزوجه الزهراء رضي الله عنهما.
ولما فتح الله على النبي صلى الله عليه وسلم سألاه خادماً يعينهما على شؤون الحياة، فأبى أن يعطيهما ويترك أهل الصفة، وأرشدهما إلى التسبيح والتحميد والتكبير إذا أخذا مضجعهما وأن ذلك خير لهما مما طلبا.
«أخرج الشيخان من حديث علي: أن فاطمة شكت ما تلقى من أثر الرحى فأتى النبي صلى الله عليه وسلم شيء، فانطلقت فلم تجده، فوجدت عائشة فأخبرتها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت لأقوم، فقال: «على مكانكما» فقعد بيننا حتى وجدتُ برد قدميه على صدري، وقال: «ألا أعلمكما خيرًا مما سألتماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما: تكبرًا أربعًا وثلاثين، وتسبحا ثلاثًا وثلاثين، وتحمدا ثلاثًا وثلاثين فهو خير لكما من خادم» (محمد فؤاد عبد الباقي، اللؤلؤ والمرجان).
وإن لنا في هؤلاء الصحابة الكرام خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على شؤون الأمة أسوة حسنة في طلب الكسب المشروع، وعدم الإثراء على حساب الغير من الطرق غير المشروعة.
مختارات