" منزلة اليقين "
" منزلة اليقين "
اليقين شعبة من شعب الإيمان بل هو من أعلى درجات أعمال القلوب ؛ إذ هو العلم الجازم بإيمان وطمأنينة نفس بما جاء عن الله تعالى يقينًا يدفع صاحبه إلى اتباع الشرع الحنيف.
يقول ابن القيم: " وهو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمر العاملون... وخصَّ سبحانه أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين، فقال وهو أصدق القائلين: " وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ " (الذاريات: 20) وخص أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العاملين فقال: " وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ " (البقرة: 4- 5).
فاليقين روح أعمال القلوب التي هي روح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصدِّيقية " (مدارج السالكين).
ولهذا ورد عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال: «اليقين هو الإيمان كله»( أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم في كتاب الإيمان) ومراده رضى الله عنه بيان عظم هذه الشعبة وأنها من أعلى درجات الإيمان، وليس مقصوده أن الإيمان هو هذه الشعبة أو الدرجة ؛ إذ أن اليقين جزء عظيم من حقيقة الإيمان وليس هي فقط الإيمان، بل الإيمان اعتقاد وقول وعمل، يقول ابن القيم: " فالإيمان قلب الإسلام ولبه، واليقين قلب الإيمان ولبه " (الفوائد).
ولعظم منزلة اليقين أثنى الله على المتصفين به، في مثل قوله تعالى: " وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ " (البقرة: 4) وقوله: " وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ " (النمل: 3، لقمان: 4).
وغيرها من الآيات، كذا رسول الله صلى الله عليه وسلم امتدح أهل اليقين وحث عليه وأمر بطلبه ؛ إذ هو من أسباب الصلاح ودخول الجنة.
فقد قال عليه الصلاة والسلام لأبي هريرة: «من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة»(أخرجه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: «صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ويهلك آخرها بالبخل والأمل»(أخرجه أحمد في الزهد، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير).
وقال أيضاً: «... وسلوا الله اليقين والمعافاة ؛ فإنه لم يؤت أحد بعد اليقين خيرًا من المعافاة»(أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني في الأدب المفرد، وصحيح سنن ابن ماجه).
وفي المقابل وصف الله تعالى الكفار والمنافقين بنقيض اليقي ؛ إذ وصفهم بالشك والريب والتردد قال تعالى: " وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ " (فصلت: 45) وقال سبحانه: " وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ " (الشورى: 14) وقال في المنافقين: " إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ " (التوبة: 45).
ومما يدل على المنزلة العظيمة لليقين أن الله سبحانه وتعالى لما أراد أن يزيد إبراهيم عليه السلام إيمانًا مع قوة إيمانه فهو أبو الأنبياء عليه وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام رفعه ورقاه إلى درجة اليقين، فأراده ملكوت السماوات والأرض ليصل إلى تلك المنزلة الرفيعة، إذ أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله: " وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ " (الأنعام: 75).
مختارات