" السراب "
" السراب "
للبيوت كما يقال أسرار، وهذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان ومرض وفقر ومصائب وفتن، والبعض كلما أصابه مرض أو ناله هم سارع إلى البحث عن الدواء والعلاج مشروعاً أو غير مشروع، حلالاً أم حراماً، همه الدنيا وكيف يجد العلاج؟ وأين ينال العافية؟!
تتحدث عن طفلها الصغير وأين أوردها ضعف التوكل وعدم الالتجاء إلى الله عز وجل؟
قالت عن واقع مرت به: طفلي الصغير منذ سنتين أو تزيد وهو خائر القوى ضعيف الجسم، وكثر ترددنا على الأطباء والمستشفيات نتلمس أخباراً سارة، نسارع إليهم ونطرق أبوابهم، ما سمعنا بطبيب إلا هرعنا إليه، وما علمنا بعلاج إلا اشتريناه.
* وفي وسط جمع من النساء بدأت تشتكي وتتحدث عن ابنها وماذا أصابه؟ ومحاولات علاجه، وكل منهن في المجلس تُلقي بدلوها !!
تحول الحديث عن ابنها إلى تفريج للهم وبحث عن العلاج؛ فلا تكاد تزور الأم أحداً إلا أخبرتهم بذلك الابن وما يعانيه، وهى تتلهف لسماع علاج جديد أو رأي أو مشورة !!
قالت بحزن ودمعة على خدها تسقط وهى تتحدث في مجلس خاص: لقد أشفقت عليه من كثرة الإبر والأدوية التي نرى أنها لا تزيده إلا مرضاً.
وتعاطفت معها إحداهن، وأظهرت - الجاهلة - الشفقة والرحمة ثم قالت: سأدلك على من يعرف مرضه ويُشخص علاجه ويخبرك ماذا أصابه؟!
قالت الأم مستدركة: لم نترك طبيباً سمعنا به إلا قصدناه، حتى وإن كان في أقصى الأرض؛ فقد ذهبنا إلى أطباء واستعملنا أدوية شعبية ولكن دون نتيجة !!
ولكنها هذه المرة وهى تستمع، تعلم أنها تعصي الله عز وجل ورسوله وتدخل سرداباً تلتهب فيه النار من كل مكان.
واستجابت لدعوة مُحدثتها وهى تقول مُظهرةً الإيمان بصوت مرتفع: الشكوى لله، نذهب إلى هذه المرأة العجوز التي ذكرتِ لترى ابني.
ثم تنهدت وقالت بصوت منخفض: ولو أن في نفسي شيئاً، ولكن إلى متى؟
تسخطت من قضاء الله عز وجل، وتركت الأمر المشروع وسارت في سرداب أبخرة وحلقت مع الوهم والدجل والكذب !! وتعلقت بأستار الكفر، ونهاية السرداب معروفة !!
والبلاء الذي يصيب العبد لا يخرج عن أربعة أقسام: إما أن يكون في نفسه، أو في ماله، أو في عرضه، أو في أهله ومن يُحب، والناس مشتركون في حصولها، فغير المؤمن التقي يلقى منها أعظم مما يلقى المؤمن كما هو مشاهد، ورأيت جميع الناس ينزعجون لنزول البلاء انزعاجاً يزيد على الحدِّ، كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذلك وُضعت، وهل ينتظر الصحيح إلا السقم؟ والكبير إلا السام والموجود سوى العدم؟!
ولكن لا بد أن يعلم المُصاب أن الذي ابتلاه بمصيبة أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وأنه سبحانه لم يُرسل البلاء يُهلكه به ولا يعذبه، ولا ليجتاحه، وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه، وليسمع بضرعه وابتهاله، وليراه طريحاً على بابه لائذاً بجنابه، مكسور القلب بين يديه رافعاً غصص الشكوى إليه (من كتاب اصبر واحتسب).
مختارات