" العثرة الحادية عشرة "
" العثرة الحادية عشرة "
وحرارة الشمس تلفح وجهه المتعب بعد يوم شاق من العمل المتواصل.. قابلته زوجته بابتسامة عريضة وترحيب متتابع.
لا يزال الشهر الأول للزواج يلقي ظلاله..
جلس وهو يتصبب عرقًا على كرسي في صالة المنزل..
ثم سألها: المكان حار.. لماذا لم تفتحي مكيف الصالة قبل أن آت ي؟!
قالت وهي تهمس في أذنه: رفضت أمك؟ وأطعتها !!
قال بصوت هادئ لا يسمع: هذه امرأة كبيرة.. أنت تعريفين ذلك !!
فتح لها باب الشكوى والتذمر من أمه..
امرأة كبيرة.. عجوز.. لا تفهم.
وأخذ يردد على مسامعها الكلام ذاته.. وهي كل يوم تأتي بجديد.. حتى تضايق من والدته.. وبدأ يرى أن تصرفاتها هي الخطأ.. وما تفعله زوجته هو الصواب !!
من أضاء لها الضوء الأخضر وطمأنها بأنه يعرف أن هذه التصرفات غير صحيحة بل يبرر لها ذلك..
ألقى جميع التهم على والدته.. وبهمسة من زوجته فيها الكلمة الطيبة والتودد.. كانت الأم هي مصدر النكد وتكدير الحياة !!
قالت لزميلتها: أبشرك بدأ يبحث عن منزل.. نأخذ راحتنا فيه.. ثم أتبعتها بضحكة ممجوجة.. وهل أنا موكلة بعجوز؟
قرر الزوج - المسكين - الهروب من الجحيم كما قالت له زوجته..
استأجر منزلاً منفردًا وترك الأم ذات الثمانين عامًا وحيدة.. تقاسي الوحدة وينال منها الخوف..
تسآءلت أختى: أليس من البر بك أيتها الزوجة أن يبر بأمه؟ غدًا تصبحين عجوزًا.. بل ربما يجري عليك شيء من أقدار الله فتصبحين عمياء أو عرجاء.
بين عشية وضحاها تتحولين إلى امرأة مقعدة.. هل سيصبر عليك زوجك وأنت انتزعت الوفاء من قلبه انتزاعًا.. ليصد عن أمه !!
أختي: إن سار بك الزمن سنوات عديدة غدوت عجوزًا وجدة.. هل ترضين أن يفعل بك ما تفعلين بوالدته؟!
أم ربته وغذته وعلمته خمسة وعشرون عامًا أو تزيد ثم أنت في شهرين أو أقل تظهرين له الحب والمودة بشكل زائف وتقطعين علائق الرحم؟!
أية إنسانة أنت.. وأي الرجال هو؟
أنت امرأة غلبك الهوى وحب الذات.. حرمت نفسك دعوة من هذه الأم..
وهو رجل قدم عاجلاً على آجل.. من ضحى بأمه اليوم.. غدًا ربما تكون الضحية أنت؟!
أختي المسلمة: ألا تفرحين حينما يزور أقاربك ويرحب بهم ويظهر لهم مشاعر الود والمحبة.. لماذا تكرهين أعز الناس عنده.. وأقربهم إلى قلبه؟!
لقد أخطأ اليوم وربما عاد إلى صوابه غدًا وكرهك بل وأكثر من ذلك..
ستسمعيني صوتك.. لست ملزمة شرعًا بخدمتها !!
هدئي أختي من غضبك.. هذا من حسن الصنيع ومن جميل المودة.. أن تحبين ما يحب وتسهرين على راحة من يحب.. كيف وأنت تجمعين الحسنات في حسن التعامل وفي صدق الوفاء لمن تحبين؟!
سيهدأ صوتك قليلاً وأنا أرى أنك تحتسبين الأجر في عملك وخدمتك لها..
ولكن يعاودني سؤالك الآخر والدته عصبية وتثور في وجهي.. تصرخ لأتفه الأسباب !!
أختي المسلمة: كم عمرها وكم ستصبرين عليها إن كتب الله لها حياة؟!
ثم انك يومًا - إن عشت - ستكونين مثلها.. هل نتركك ونلقي بك؟!
وقبل ذلك هي امرأة مسلمة.. ألا تخدمين مسلمة؟!
أما أنت - أخي الزوج -: أمك ثم أمك ثم أمك.. لا تقدم رغبة امرأة على رغبات من أرضعتك.. وسهرت لراحتك.. وضحت لأجلك..
وزوجتك ليست ملزمة بخدمة أمك بل إن هذا من الإحسان إليها وإليك.. فلا تنهرها ولا تجبرها..
ولكن بلين الكلام وحسن الثناء تأكد أنها ستهتم بها إذا علمت أن ذلك يفرحك ويزيد من محبتك لها..
إنها - أختي المسلمة - دروب خير لمن أرادت المزيد.. وعثرات لمن استهوتها الشياطين..
ما بعد العثرة:
عن ابن عون: أن أمه نادته فأجابها، فعلا صوته صوتها فأعتق رقبتين [سير أعلام النبلاء].
مختارات