" إن لم يكن ما تريد فأرد ما يكون "
" إن لم يكن ما تريد فأرد ما يكون "
لا شك أن الطموح وعلو الهمة في اكتساب السعادة والحياة الهنية محمود عند من وثق في نفسه الشكر على النعم.
والإنسان ـ كل إنسان – يسعى في كل وقت وحين ليعيش عيشة راضية هنيئة عارية عن المصائب والبلاء والأحزان.. كما قال تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4].
لكن ليس كل ما يريده الإنسان يكون..
وهنا حينما يتناقض واقع الحياة مع طموح الإنسان.. وحينما تسبح آماله ضد تيار الأقدار.. ثم لا يكون في قلبه نور الرضى.. يصيبه الإحباط ويصرعه اليأس.. وتسكنه الأحزان.. ولا يزال كذلك قلقًا كئيبًا واجمًا وهو يرى آماله محطمة حتى يدب فيه التشاؤم.. فلا يأمل في خير أبدًا.. وحينما تصبح أحزانه مزمنة وهمومه من قلبه متمكنة..
أخي.. تذكر أنك مؤمن بالله جل وعلا.. وأن من مفردات إيمانك بالله أن تؤمن بقضائه وقدره، وأنه سبحانه لم يظلمك شيئًا وأنه عدل في حكمه رحيم في تقديره.
ومقتضى إيمانك بالقدر أن تعلم أنك لست من يحدد سير حياتك وإنما يحددها.. ويقدرها لك الله سبحانه.. وفق حكمته وخبرته بك وبحالك وبأعمالك..
فهو ينعم على قوم بألوان من النعم.. يحسبها الناس نعمًا.. وهي في حقيقتها نقم في صورة نعم.. فهؤلاء قوم قارون قد غبطوه على غناه.. وتمنوا مكانته وعزه وجاهه لما رأوا عليه من النعيم.. لكن لما جاء أمر الله وخسف به.. تبين لهم أن نعمه على قارون كانت أشد استدراجًا وتغريرًا به.. وهناك علموا أن ما كانوا فيه هو النعمة.. وأن نعمة قارون هي النقمة.. {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص: 82].
وكما أن النعمة ستكون حقيقتها نقمة.. فكذلك المصيبة تأتي نعمة من الله.. يتولد منها الصبر الذي هو مفتاح الجنة.. ويكتسب بها لأجر العظيم، ولذلك جعل الله بلاءه لأنبيائه وعباده المتقين دليلاً على محبته لهم.
تأمل أخي.. في الجمع بين المحبة والبلاء.. وأن ابتلاء الله لعبده هو دليل على محبته.. فهذه حقيقة لا تستقر إلا في قلب فقيه مؤمن مدرك لحقيقة الحياة ومراد الله فيها من عباده.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» السلسلة الصحيحة رقم (146).
علام تحزن وقد علمت أنه لا يتصرف في الكون غير الله.. وأن ما أنت فيه قد أراده الله.. فإن كنت عن مرادك راضيًا.. ولست عن مراد الله راضيًا فإنك أبله ! أين علمك في علم الله.. وأين اختيارك لنفسك من اختيار الله لك.
العبد ذو ضجر والرب ذو قدر والدهر ذول دول والرزق مقسوم
والخير أجمع فيما اختار خالقنا وفي اختيار سواه اللوم والشوم
قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن العبد ليهم بالأمر من التجارة أو الإمارة حتى ييسر له، فينظر الله إليه فيقول للملائكة: اصرفوه عنه فإني إن يسرته أدخلته النار، فيصرفه الله عنه، فيظل يتطير، يقول سبقني فلان دهاني فلان، وما هو إلا فضل الله عز وجل.
وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحميه كما تحمون مريضكم من الطعام والشراب تخافون عليه» رواه أحمد، صحيح الجامع (1810).
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلى الله بعض الناس بالنعم
مختارات