تابع " الحمدلة (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) "
تابع " الحمدلة (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) "
5- والحمد أفضل الدعاء، عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله» (أخرجه الترمذي والنسائي في «الكبرى» وابن ماجة وحسنه الألباني في صحيح «سنن ابن ماجة»).
6- وحمد الله تعالى يزيد النعم والعطاء، ويُعوض العبد أفضل مما أُخذ منه:
قال تعالى: " لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ " [إبراهيم: 7].
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة، فقال: الحمد لله، إلا كان الذي أُعطي أفضل مما أخذ» (أخرجه ابن ماجة بإسناد صحيح كما في «صحيح الجامع الصغير»).
7- وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم: «أن عبدًا من عباد الله قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فعضلت على الملكين، فلم يدريا كيف يكتبانها، فصعدا إلى الله تعالى، وقالا: يا ربنا إن عبدًا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال: وهو أعلم بما قال عبده، ماذا قال عبدي؟ قالا: يا رب، إنه قال: لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها» (أخرجه أحمد وابن ماجة وإسناده متصل ورواته ثقات، ينظر «الترغيب والترهيب» تعليق مصطفى عمارة، وأخرجه النسائي).
8- الملائكة تتسابق إلى كتابة أجر الحمد حين الرفع من الركوع:
عن رفاعة ابن رافع رضى الله عنه قال: كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال: «سمع الله لمن حمده» وقال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف قال: «من المتكلم آنفًا؟» قال: أنا، قال: «رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول» (هذه رواية البخاري و«الموطأ» وأخرجه أيضاً أبو داود والنسائي في «الكبرى» وهو في «جامع الأصول» وفي «المسند» وابن حبان).
وكان يحمد العبد ربه في الربع من الركوع فإنه يدعوه بين السجدتين:
عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني» (أخرجه الترمذي في صحيح سننه بهذا اللفظ وصحيح «سنن ابن ماجة»).
9- والحمد من الأدعية التي تقال في الركوع والسجود إلى جوار غيره من الأدعية، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي» يتأول القرآن (أخرجه الجماعة إلا «الموطأ» والترمذي، «جامع الأصول» وهو في «سنن النسائي الكبرى» بهذا اللفظ وفي البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة و«المسند» وابن حبان).
يعني يتأول قول الله تعالى: " فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ " [النصر: 3].
وعنها (رضي الله عنها) قالت: افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسست، ثم رجعت، فإذا هو راكع – أو ساجد – يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت» فقلت: بأبي أنت وأمي، إني لفي شأن، وإنك لفي آخر (هذه رواية مسلم والنسائي).
وعن ابن أبي أوفى رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع ظهره من الركوع قال: «سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد» (أخرجه مسلم عن ابن عباس مختصراً وعن أبي سعيد الخدري مطولاً وأخرجه الترمذي وأبو داود).
10- والحمد لله، أحب شيء إلى الله تعالى: ففي حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التأني من الله، والعجلة من الشيطان، وما شيء أكثر معاذير من الله، وما شيء أحب إلى الله من الحمد» (البيهقي في «شعب الإيمان» وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»).
وهكذا الكثير من صيغ " الْحَمْدُ " التي جاءت مفردة ومضمومة مع غيرها، في كثير من مواطن الدعاء والعبادة.
رب العالمين: " رَبِّ الْعَالَمِينَ " فإن هذه الجملة تتألف من جزأين:
" رَبِّ " وهي تشير إلى وحدة الربوبية، فالرب سبحانه هو الذي خلق الخلق، ورباهم وحباهم بنعمه، لم يُنكر ذلك مؤمن ولا كافر ولا منافق، فالكل مقر بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر.
ولفظ " الْعَالَمِينَ " تشير إلى وحدة البشر؛ لأنها تنتظم الخلق جميعًا، ومنهم البشر، ومرجعهم إلى رب واحد وأم واحدة " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا " [الفرقان: 54] " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " [الحجرات: 13].
ولفظ «الرب» في اللغة يطلق على: المالك، والسيد المطاع، والمصلح، والمربي، والحاكم، والعاهل، والكفيل، والرئيس، والرقيب، والمؤسس.... وغير ذلك، والله وحده هو " رَبِّ الْعَالَمِينَ " بكل هذه المعاني جملة وتفصيلًا، فهو سيد العوالم كلها من العرش إلى الفرش، وهو المربي لجميع العالمين، بخلقه لهم، وإنعامه عليهم، وترتبيته لهم، ورزقه لهم، وهدايته لهم، ومن ذلك تربيته لأوليائه تربية خاصة فيوفقهم للإيمان الكامل، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق، ويعصهم من الشرور والآثام.
ولا يُطلق لفظ «الرب» معرفًا غير مضاف إلا على الله تعالى، فإذا أضيف بأن قيل: رب الدار، أو رب الناقة، فإنه قد يراد به غير الله تعالى.
فالرب: هو المعبود، الخالق الرازق المالك المتصرف، المربي جميع العوالم بأصناف النعم، فقد خلقهم ورزقهم ورباهم بنعمه، وهداهم لما يحفظ حياتهم ونسلهم، وسخر بعضهم لبعض؛ لتستقيم شئون الحياة ومصالح العباد، كما سخر لهم ما في الأرض جميعًا من شمس وحيوان ونبات وغذاء...
فهو السيد المطاع، الذي لا يُطاع سواه، وهو مالك الدنيا ويوم الدين، وهو المصلح شئون خلقه، وكما هداهم الله تعالى لما يُصلح حياتهم، ويحفظ بقاءهم، هداهم أيضًا لما فيه سعادتهم في الدار الآخرة.
وقيل: إن لفظ «الرب» مشتق من التربية، بمعنى أن الله تعالى هو مربي العباد، والمدبر لأمورهم، والمصلح لشئونهم، وهذه التربية نوعان:
1- تربية عامة لجميع خلقه: فالإنسان والحيوان والنبات والجماد والطير...إلخ، كل ذلك مخلوق ومربوب لله تعالى.
2- تربية خاصة: وهي إعداد فئة من البشر إعدادًا خاصًا؛ كتربية الأنبياء والصالحين تربية روحية مسلمة من كل شر، مع وجود الصوارف والعوائق والشهوات والشبهات، وإخلاصهم له سبحانه.
7- التوحيد في آخر القرآن وأوله:
(أ) اشتملت سورة الناس على توحيد الألوهية في قوله تعالى: " إِلَهِ النَّاسِ " كما اشتملت عليه سورة الفاتحة في قوله تعالى: " الْحَمْدُ للّهِ ".
(ب) واشتملت سورة الناس على توحيد الربوبية في قوله: " بِرَبِّ النَّاسِ " كما اشتملت عليه سورة الفاتحة في قوله سبحانه: " رَبِّ الْعَالَمِينَ ".
(ج) وكلتا السورتين اشتملتا على إثبات «الملك» لله تعالى في الدنيا والآخرة في قوله تعالى: " مَلِكِ النَّاسِ " بسورة الناس، وقوله: " مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ " بالفاتحة، وهما آخر وأول سورة في القرآن.
والتوحيد هو أول مأمور به في القرآن الكريم، ويناقضه الشرك وهو أول منهي عنه.
والتوحيد هو أول فاتحة القرآن الكريم وهو خاتمته.
فاسم الجلالة من " الْحَمْدُ للّهِ " إشارة إلى توحيد الألوهية:
ولفظ " رَبِّ الْعَالَمِينَ " إشارة إلى توحيد الربوبية.
ولفظ " الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ " إشارة على توحيد الأسماء والصفات.
وهذه هي أنواع التوحيد التي قامت دلالة استقراء نصوص الشرع عليها، وفي خاتمة القرآن العظيم " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ " فأشار سبحانه إلى توحيد في ربوبيته، وفي ألوهيته، وهما تستلزمان توحيده تعالى في أسمائه وصفاته.
والتوحيد هو الغاية من خلق الله تعالى لخلقه، قال تعالى: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات: 56] أي: يوحدوني، والتوحيد هو الغاية من بعثة الرسل والأنبياء، قال تعالى: " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ " [النحل: 36].
فالتوحيد هو البداية، وهو النهاية، وهو الغاية من خلق الجن والإنس، وهو الغاية من بعثة الأنبياء والرسل، وهو مفتتح القرآن، وخاتمته، وهو أول أمر فيه، ومن أجله أُسست الملة، ونُصبت القبلة، وجُردت سيوف الجهاد، وخُلقت الجنة والنار.
والمراد بـ " الْعَالَمِينَ " في الآية كل موجود ما عدا الله سبحانه، وهو شامل لأصناف المخلوقات في السموات والأرض، والبر والبحر، في كل زمان ومكان، وهو جمع عالم، وهو جمع لا واحد له من لفظه، وهو اسم لكل أصناف الأمم؛ فالإنس عالم، والملائكة عالم، والجن عالم، والطير عالم، والنبات عالم، والجماد عالم، والدواب عالم...إلخ، وجميع العوالم مفتقرة إلى الله تعالى ومربوبة له.
قيل: وأهل كل قرن وزمان، عالم، يدل على عالم زمانه، وخصه بعضهم بمن يعقل (الإنس والجن والملائكة والشياطين).
قال تعالى: " وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم " [الأنعام: 38].
مختارات